الإخوان المُسلمون والإقتراب من الكارثة
بقلم/ د عبدالله الحاضري
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 29 يوماً
الجمعة 01 يونيو-حزيران 2012 08:32 م

مُنذ ظهور نتائج الإنتخابات المصريه وكُل العالم العربي والإسلامي والعالمي في ذهولٍ تام ياللهول ! النظام السابق يستنسخ نفسهُ ويكاد يُعيد إنتاجه من خلال الشعب المصري الثائر ذاته تلك حقيقه يجب أن نُقرَّ بها مهما كانت مرارتها فلقد تعود الجهاز المفاهيمي العربي عدم الإقرار بأخطائه والبحث في عالم الأسباب عن مسوغات لهذه الاخطاء حتَّى لايدخُل في مواجة حتمية مع نفسه لطالما هرب منها خشية الإقرار بمسؤليته عنها وتحمُّل تبعاتها على المستوى الإجتماعي ,

لقد درَج هذا الجهاز خاصةً ذو المحتوى الثقافي الإسلامي على الارتكاز في وجوده السياسي بمُخرجات محتواه الفكري والأيديولوجي دون تتبُّع واعٍ لطبيعة التطلُّعات الطبيعية للمرحلة التاريخيه التي قد ينشدها المجتمع بكُل مكوناته أوعلى أقل تقدير تفهمها دون تجزئتها بحسب ميولٍ ما أيديولوجيه فقراءة الخارطة الفكرية الثورية التي أنتجت الثورة المصرية تُبين بجلاء أنّها هي التي ستُنتج الشكل السياسي وبالتدقيق في أطيافها استبان أنها لم تكُن نابعةً من مشربٍ فكري واحد أو ايدولوجيا واحده بل تعددت مراكز استسقائها وبهذا التعدُد على كُل المستويات بآت من المُفترض القول أن الشكل السياسي يجب أن يكون تجسيد حتمي لهذا التعدد ومن المفترض أن يكون كذلك بإرادة إجتماعيه مُدركه دون إلجآء الشعب المصري لتقرير هذه الحقيقة بتصويته للنظام السابق للتعبير عن رفضه لتجاهُلها سياسياً, أحمد شفيق لم يكُن إختيار الإرادة المصرية الحُرَّة ولكنه إختيار الإرادة المُكرهه تحت حُمَّى الأغلبية السياسية وليست الأغلبية الثورية,هل غاب عن الإخوان أن الشعب المصري ليس كُله إخوان؟

وليس كُل الشعب المصري مؤيد للإخوان؟ كان ينبغي على الأقل أن لايسمحواْ بأن يكون هناك مُجانبه مع مرشح الثوار حتى وإن كان من جانبهم أم أن نشوة النصر السياسي أنستهُم مُقتضيات التَّحول التَّاريخي التي من أبسط قواعدة أن رصيدهم النضالي وطبيعة منهجهُم الإسلامي غير كافي لإقناع الشعب المصري بتربعه متفرداً على هرم السُلطة السياسية وامتلاكه لكل أدواتها, لقد حاز الإخوان على الأغلبية البرلمانية وهذا حقُّهم لكن كان عليهم التوقُف وجوباً عند هذا الحَد لطمئنة الشعب المصري بكُل أطيافه وميوله السياسية والفكرية أنهم ليسو وحدهُم الورثة الحصريين للثورة وأن لبرامج وأفكار الآخرين نصيبٌ أيضاً فيها يتساوى بنفس قدر طاقتهم الثوريه المبذولة,

الشعب المصري ضحَّى أيضاً وكان يستحق من الإخوان المُسلمين مراعاة وضعهم الثقافي والإجتماعي ومنحهم فرصة زمنيه للتعرُّف عليهم أكثر والإقتراب الفكري منهم اكثر بدلاً من إفزاعهم بالقفز إلى الصدآره السياسية ومُجافاة نتيجة التحوّل الثوري دون التغيير الفكري المطلوب إجتماعياً لتقبُّل هذه النتيجة السياسية وبصراحة يُمكن القول أن المرحلة التاريخية التي يمُربها الشعب المصري بما فيها زمن الإنتخابات هي مرحلة العبور الثوري أخطر مرحلة تمُر بها الثورات على مـر العصور وهي المرحلة التي تُحدد مصير الثورة و طبيعة إنتاجها واتجاهتها الأخيرة ومن الخطاء التقرير أنها مرحلة تخلُّق الشكل السياسي بل هي من مُقتضيات تخلُّق الهيئة الإجتماعية التي ستُنتج الشكل السياسي ووضعه المُرتقب وبالتالي هي مرحلة التغيير الثقافي وإنتاج الأفكار,

كان على الإخوان التوقّف عند مجلس الشعب وإختيار مُرشح رئاسي ثوري والتفرُّغ للبسط الثقافي وتعريف العقل المصري بالمُحتوى الفكري الإخواني وإزآلة الغموض التاريخي الذي رآفق نشوء الجماعة والتُّوضيح أن المنهج الإخواني يستهدف في بُعده الثقافي والزمني خلق حضارة مؤسسه على الأفكار المُنتجه من الثقافة الإسلامية وليس الإحتياز على السلطه السياسية, أنا هُنا لستُ في مقام إسداء النصائح لكنِّي أقول ما أعتقد مع التقرير أنه يحتمل الخطاء قبل الصواب فمهما كانت مُعطيات ظهور شفيق في الإنتخابات المصرية فيجب أن نبتعد عن نظرية المؤآمره وأن نحاول تشخيص أسباب هذه الإنتكاسه بموضوعيه وتجرُّد فنتائجها ستؤثر علينا سلباً و إيجاباً مع الأخذ بعين الإعتبار المُعطيات التاريخية الثورية والعلم المُسبق أن للثورات خصوصياتها التي ينبغي مراعاتها حتى لاتتجه نحو المجهول ويكون مردودها على المستوى الكُلي ضعيف مقارنةً بحجم تضحيات الشعوب ومهما يكُن من أمر نتائج هذه الإنتخابات ففي تصوري أن فيها من المفاهيم والعِبَر ما يُغني حتَّى عن النجاح بالوصول إلى سدَّة الحُكم فالكاسبُ فيها خاسر و الخاسرُ فيها كاسب ذلك أن تجربة مصر السياسيه ماقبل الثورة غير مُجدية ولا يُمكن الإستفادة منها في حُكم مابعد الثورة والتجربة الثورية لوحدها غير كافيه لحُكم مصر وأن من يتولى السُلطه في هذه الفترة الحرجه من تاريخها ستكون عوامل فشله أقرب من عوامل نجاحه وأن المُعارضه القويه هي الكاسب الأكبر فهي ستضيف إلى رصيد تجربة الثورة تجربة حُكم سياسي مُجسداً أمامها بكل سلبياته وإيجابياته وستُعمِّق في نفس الوقت من مكنونات علاقتها بالشعب وتزيد من عوامل توتّرها الإجتماعي ولن تأتي مرحلة الإنتخابات التاليه إلا وهي بديل حقيقي أمثل مُتجذِّره إجتماعياً وسياسياً مُمتلكه لرؤية ثاقبه على كُل المستويات الوجودية,

أقول هذه الكلمات وأنا أضُن من خلال دراستي البسيطة لمنهجية الإمام حسن البنآء أنه لم يكُن يستهدف إستراتيجياً الإحتيازعلى السلطه السياسيه في مستواها الكلي أوالقُطْري بقدرماكان يستهدف إعادة صياغة المُحتوى الفكري للعقل الإجتماعي المسلم الذي سيُنتج بدوره الشكل السياسي المُفترض, لقد أدرك الإمام رحمهُ الله أن الإشكاليه التي تُعاني منها الأمه في عُمقها إجتماعية حضارية وليست سياسية بالضرورة في بُعدها وما المُشكل السياسي إلامُجسداً لطبيعة هذه الإشكالية فحرص على خلق المُجتمع ذوالمحتوى الفكري النابع من الثقافة الإسلامية ومن ثَمَّ تنصهر الجماعة في بوتقته بعد أن تكون قد أدَّت دورها التاريخي ويصبح الشكل السياسي بعد ذلك مُنتج تاريخي مصبُوغ بالثقافة الإسلامية وليس بالرؤى الإخوانية وعلى الإخوان مرحلياً التدقيق في مضمون ومفهوم المنهج ومقارنته بالخارطه السياسيه والإجتماعية الثورية الحاليه ومراجعة حساباتها على كُل المستويات ولِتعلم قيادة جيل الإخوان الحاليِّه أنَّها تتحمّل مسؤلية عضيمة في رسم مُستقبل العالم الإسلامي فقدرُها أن تَحيا في أتُّون المخاض والتَحول العربي والإسلامي وعليها أن تُهيئ نفسها للإجابة على طبيعة الإستفسارات المنهجية التي تطرحها التّحولات الإجتماعية فمتى ستذوب وتنصهرالجماعه في أتُّون إنتاجها المُتسلسل المُتخلِّق تاريخياً والذي من المُعتقد أنّهُ الآن قد يصل إلى ذروته إذا ما اقتنعت به على المستوى الحضاري فأنا على يقين أن منهج الإمام لصيقٌ بالتكوين الثقافي للمُجتمع المسلم وليس بالجماعة ككيان خلقتها الضروف التاريخية التي بدأت بالإنصهار في خِضَم الربيع العربي ,ولم يعد من المُجدي التعامل من خلاله مع المُستجدات, قد يقول قائل ما مناسبة هذا الطرح وما علاقته بالإنتخابات المصرية أقول: ظهور اللواء شفيق كان نتاجاً لجملة هذه الاستفسارات المُربكه فلقد كان ظهور حزب العداله إطار إيجابي مقبول للمرحلة التاريخية للجماعة ولمصر غير أن استمرارها كمرجع لهذا الحزب أربك الناخب المصري الذي بدأ يتبادر ذإلى ذهنه سؤال مُفترض مفاده ما هو سقف حزب العداله الدستور أم رأي الجماعة؟ومن ثّمَّ إذا كان الدستور سقفُها فماذا يُمثّل بالنسبة لهُ رأيُ الجماعة هل هو رأي مرجعية عُليا إستشاري غير مُلزم أم أننا سنشهد ميلاد مُرشد أعلى سُنِّي إذا لم يكُن سقفهُ الدستور؟ وفي أروقة السلطه هل سيتم التعامُل معه كحزب مُستقل أم مع الجماعة التي أنتجته ككيان؟

وبدأ النآخب المصري يستبطنُ في أعماقه وضوح النظام السابق برغم دكتاتوريته وغموض المستقبل برغم إفتراضية إسلاميته هذا جانب ومن جانب آخر طبيعة التحول التاريخي كانت تقتضي من جماعة الإخوان بث روح الاطمئنان عملياً للشعب أنَّها جُزء من التحول الثوري وليست هي ذات التحول يتبع ذلك إشرآك المُكوِّن الثوري الإجتماعي في صناعة الشكل السياسي وليس في تزعُّمه وهذا التصوّر يجب أن يسود الإخوان في العالم فلقد ناضلوا مُنذ زمن بعيد في إطار الجماعة وضمن مفهومها للنضال وعانت ولآقت من أصناف الظلم والعدوان في جميع مراحلها التايخية مالم يُعانيه أو يُلاقيه تنظيم أو حزبٍ ما في العالم ولقد حان الوقت ليقطفواْ ثمار نضالهم لكن بالإشتراك مع المُجتمعات المُتحوله معهم بغض النظر عن طبيعة أفكارهم مادامت مقبوله في إطار التنوع الثقافي الإسلامي مع الأخذ بعين الإعتبار زمن الإنصهار في الشكل السياسي المُفترض الذي سينتجه الفكر الإجتماعي المُتحول في مستواه الكُلي, وفي الأخير أتمنى على المعارضه اليمنية بكل أطيافها قرآءة المشهد السياسي المصري بعُمق فأنا أميل أن هذه التجربه بكل معطياتها قد تتكرر لدينا مالم نحاول منع تكرارها بتفهُّم طبيعة التحول التاريخي وأننا جُزء من هذا التحول ولسنا صَانِعيه, أفكار الشعوب المُتغيره هي التي تصنع هذا التحول وما النُّخب والأحزاب السياسيه إلا نتاج لهذا التحول وليست هي التي أنتجته وإذا ما انقلب هذا المفهوم في الذهن الإجتماعي أو السياسي فستحل الكارثه تماماً كما شارفت أن تحِلَّ بمصر التي ضنَّت أحزابها وقادتها أنَّهم صانعو التحول فكان الرد المُوجع للمفهوم المقلوب إنتخاب شفيق حتَّى يفيق الجميع من الرُّقاد العميق ومن تبعات الخلط بين المفاهيم التي قد تقضي على الشعوب في مهدها والكارثه أن يضُن أصحابها أنهم يُحسنون صُنعا, سلمت يا وطني من كُل حزبِ يعتقد أنه على كُل شيءٍ قدير وينسى سُنَّة الله في التغيير القائمه على الإشتراك منذ قرآءة إياك نعبد وإياك نستعين وحتَّى صناعة جيل قادر على الإبداع في الحياة بدلاً من انتظار فُتات المانحين...