|
لا زلت أتذكر ذات يوم وأثناء نقاش ثنائي مع أحد الأصدقاء حين بادرني بالسؤال قائلاً : في تقديرك أي المحافظات مرشحة لتهز أركان النظام ؟ قبل أن أبادرهُ بسؤالي وهو : أي المحافظات الأكثر ولاءً للنظام ؟ أجبتهُ على سؤاله وكلي ثقه بأنها محافظة الضالع !! قبل أن يبادرني ويجيب على سؤالي وكلهُ ثقه أيضاً بإنهما محافظتي صنعاء وعمران لتتضح بعدها الحقيقة بأننا كلانا الأثنان معاً كنا على خطأ في تقديرنا كما زيف ذلك الإدعاء والأعتقاد أو بالأصح تلك الثقافة السائدة لدى أولئك ممن كانوا يسمون أنفسهم بتقدميي الأمس وحراكيي اليوم حين ظلوا يرون في المجتمع اليمني وأقصد هنا شمال الشمال مجتمع قبلي سلبي رجعي وبدائي تعم فيه شراهة الأقتتال ولو لأتفه الأسباب متعصب بكل تعقيداته المفروضة وأنهُ لا زال يخضع للعديد من العادات والتقاليد البالية التي تقف حائلاً بينهُ وبين الأنخراط في أي مجتمع مدني أو أي أصلاح وتغيير وطني مرتقب .
لهذا من باب السخافة الأستمرار في تداول مثل هذه الثقافة العقيمة في عالم اليوم الذي صار يعج بوسائل التكنولوجيا الحديثة والتي أصبحت في متناول الجميع ناهيك عن سهولة أستخدامها والتي صار يتقنها حتى البدوي راعي الجمال في قلب الصحراء فما بالك بأبناء القبائل الذين يعدون نواة المجتمع وأساس الدولة كما يعدون أيضاً رافداً مهماً وشريحة أساسية في بناء وتحول أي مجتمع أكد لنا ذلك العمل الثوري الميداني والتطور الفكري النوعي الذي ظهر جلياً بين أبناء محافظتي صنعاء وعمران برهنتهُ الأحداث اليومية والمتتالية للثورة اليمنية فالثوار من أبناء القبائل حين قرروا ألقاء سلاحهم جانباً كان عن وعي وإدراك كما وعوا وأدركوا جيداً ضرورة إسقاط النظام بالوسائل السلمية لذا خرجوا بمظاهرات وأعتصامات تطالب بالتغيير بطريقة راقية وعصرية أذهلت العالم بآسره حتى أثبتوا أن لديهم من النضوج العملي والمعرفي ما يكفي للمساهمة مع البقية في إنجاح وحماية ثورة التغيير التي حتماً ستفضي بهم إلى دولة مدنية ساسها الحرية والعدالة الأجتماعية والمساواة .................
لذا أجد نفسي بين الحين والأخر متسمراً أمام جهازي الكمبيوتر والتلفاز لأتابع يوميات الثورة على شاشات الفضائيات أو على صفحات الثورة اليمنية في الفيس بوك أظل أتنقل من صفحة إلى أخرى ، أتجول من شارع إلى شارع ومن خيمة مرابطة إلى أخرى متنسماً عبق الحرية في ساحة التغيير بصنعاء ومستنشقاً روائح الحُلم في شوارع الحالمة تعز وعدن وإب وذمار والبيضاء وشبوة والحديدة والمكلا وفي كل ساحة للحرية من ساحات الوطن الغالي أنتزعت أسمها رغماً عن أنف النظام وعندما لا أجد إسم مدينة الضالع ينتابني شئ من الغثيان المملوء بالتسأول والأستغراب .. !! أيعقل أن مدينة مثل هذه المدينة ظلت قلعة للتحدي والصمود ومعقلاً للأحرار وصانعة للأنتصار في كل الحقب والأخطار لا تنطق ولو ببنت شفه هذه المدينة الآبية التي لم نسمع قط أن تجاورت أو تهادنت يوماً مع الظلم والأضطهاد أو قبلت بالخنوع والذل والأستكانة على مدى التاريخ السياسي اليمني الحديث إبتداءً من مقاومة المستعمر البريطاني ووصولاً إلى مواجهة نظام / علي عبدالله صالح العائلي الشمولي هذه المدينة الثورية التي ظلت على الدوام ومنذ حرب صيف 1994 م شوكة في حلق النظام وعصا غليظة عصية على الكسر أو الأنثناء قبل أن تنفجر ما بين العام 2005 – 2006 م إلى بركان ثائر من خلال حراكُ ُ شعبي ظل يؤرق النظام ويثقل كاهله ويهز مضجعه على الدوام قبل أن يخبو ويخفت ذلك البركان في أواخر العام 2010 م أي بداية هبوب رياح ( الربيع العربي ) التي أقبلت بنسائم التغيير الثورية المنطلقة والقادمة إلينا من أرض المغارب العربي وأقصد هنا الثورة التونسية .
اليوم وبعد مرور أكثر من ثمانية أشهر حيث اليمن يغلي بكل شئ كان لا بد من وجوب الخوض في السؤال القائم الذي ظل يؤرق كل عاشق للحرية وكل محب للوطن : لماذا مدينة الضالع خفت صوتها وتلاشت صورتها الثورية .. ؟؟ لا زالت تتخلف عن شقيقاتها من باقي المدن اليمنية ؟ لماذا يخيم عليها سكون المقابر بينما أغلب المحافظات والقرى والمدن اليمنية تحفر كل يوم وكل جمعة قبر النظام وتروي أرضها العطشى بدماء شبابها ؟
أين أبناء الضالع الأشاوس وأين تلك الجماهير الغفيرة والمقهورة التي أنهكها ثراء الكبت ، القمع ، القهر ، الظلم والتي أعتدنا أن نراها كل يوم في شوارع المدينة ما الذي ألجمها حتى عدنا لا نسمعها أو نراها منذ أن أنطلقت شرارة ثورة التغيير الشبابية لا أظن أن النظام بكل عسسه وبكل طائراته الحربية وألويته العسكرية المرابطة على تخوم المدينة يستطيع أن يرضعهم الخوف أو يرعبهم من السياسة ولا أظن أن تلك الأقاويل التي يتصدرها القول الشائع " من يأكل العصي ليس كمن يعدها " يصدق فيهم ولكن في تقديري أنهُ إذا نظرنا من الناحية الديموغرافية أن هناك ثلاث فئات أجتماعية تشملها مدينة الضالع والمديريات المجاورة لها :
ـ الفئة الأولى وهى الفئة الصامتة والتي تشمل تجار المدينة وأصحاب المحلات التجارية من أبناء المحافظات الأخرى وإلى جانبهم المثقفين من الشباب التواق إلى التغيير والراغب في الأنخراط والمشاركة في العمل الثوري اليومي إلى جانب إخوانهم في بقية محافظات الجمهورية ولكن لا حول لهم ولا قوة فظروفهم المادية صعبة للغاية لا تسر صديق ولا تجبر على خاطر .
ــ الفئة الثانية وهى تلك الفئة المرتبطة والموالية للنظام والتي قد يمثلها محافظ المحافظة وغيره من أبناء القيادات الكاريزمية في المنطقة فجميعنا يدرك أن النظام بعد تفرده بالسلطة بعد حرب صيف 1994 م نجح حتى الأن في أختراق بعض الفئات الأجتماعية والنخب الثقافية والعسكرية في بعض المحافظات الجنوبية وبالأخص محافظة الضالع وأستطاع تحويل جزء منها إلى قاعدة إجتماعية لهُ وتحييد الجزء الأخر منها وتفويت فرصة أنضمامها إلى صف الحراك أو إلى صفوف الثورة لاحقاً على رغم أن غالبية هؤلاء ليسوا من المستفيدين أو من الموافقين على سياساته .
ــ الفئة الثالثة وهى الفئة الأكبر والتي ما زالت مرهونه حتى اللحظة إلى الأعلى صوتاً بين قادات الحراك وهو الصوت المتشدد ذات النزعة الأنفصالية والأمهر في مغازلة الميول المتعصبة في بيئة مثقله بتراث القبليات والعصبيات المناطقية والسياسية أيضاً فقد أستطاع هذا الصوت ومن خلال تأجيج تلك النزعة في مداعبة تلك الغرائز وأستغلالها على نحو ما أراده حتى أستطاع أقتناص وإقامة أوتوقراطية جماهيرية تمثلهُ وتنصاع لصوتهُ .
لهذا لم تكن الثورة اليمنية منذ أنطلاقتها ومن خلال صمودها الأسطوري حتى يومنا هذا مفاجأة لنظام / علي عبدالله صالح وأجهزتهُ الأمنية فحسب بقدر ما كانت مفاجئة أيضاً لقادة الحراك الجنوبي ( المتشددين ) أيضاً ! ظهر ذلك جلياً من خلال الحضور المتأخر والهزيل في مواكبتهم لوقائع الثورة والذي من شأنهُ أدى إلى فشلهم في ردم الهوة التي صارت تتوسع وتفصلهم يوماً بعد يوم عن تلك الملايين الغفيرة التي خرجت في محافظات الجمهورية قاطبة تنادي وتطالب بإسقاط النظام الذي كان السبب الرئيسي في تعاسة وشقاء كل أبناء الوطن في شماله وفي جنوبه ....
لقد تأخر قادة الحراك جداً في إحداث أي تغييرات يمكن أن تطرأ على مواقفهم السياسية تجاه الثورة وتجاه المجلس الوطني الذي شُكل مؤخراً والتي من شأنها أن تعمل على إرساء وبناء الثقة بينهم وبين الأغلبية من أبناء الشعب كما تأخروا في النزول إلى الساحات التي لم يكونوا يحلموا بمثلها بعد ما يربوا على خمس سنوات منذ إنطلاق حراكهم في بعض المحافظات الجنوبية حيث لم يستطيعوا حتى الأن من وضع برنامج واضح يتحدد بموجبه كافة المهمات المرحلية القادمة في سياقها الأستراتيجي فهم لم يتجاوزوا الأوتوقراطية داخلياً والفشل السياسي الذريع في إيصال صوتهم أو من يستمع إليهم إقليمياً ودولياً وهذا ما يوحي إلى أنهم في عزلة أشد من السابق وبأزمه أكثر عمقاً مما كنا نعتقد ....
مع أن الثورة قد أجبرتهم مؤخراً ومن خلال مؤتمر القاهرة على محاولة لملمة شتاتهم وتوحيد صفوفهم وصوتهم في الداخل و الخارج إلا أن الخلافات الكثيرة تظل باقية وصعبة الحل خاصةً وأن غيابهم وعدم مؤازرتهم لشباب الثورة أفقدهم الكثير من عناصر بريقهم وقوتهم وهم الشباب التواق للتغيير والثائر اليوم في الميادين وفي ساحات المدن الشمالية منها والجنوبية بعيداً عن تزاحم الأيدلوجيات وتهافت الشعارات الخرقاء التي لا زال يرفعها البعض .. ولكن ؟ مع هذا كلهُ فقد سجل شباب الثورة حضورهم القوي وتفوقهم الأخلاقي أيضاً دون الجميع دفعنا إلى هذا القول عدة عوامل كثيره لعل أهمها أن الأهداف والشعارات التي أطلقها الحراك الجنوبي بإستثناء ما يطالب به البعض وهو إعادة ( الأنفصال ) تكاد في بعضها تكون متطابقة مع ما ينادي به شباب الثورة والتي على رأس أولوياتهم ومطالبهم إيجاد حل عادل للقضية الجنوبية وهو ما قد يوحي نظرياً بسهولة الألتقاء بين الطرفين لكن ذلك لم يحدث !!
*كاتب يمني / أمريكا
mousa313@hitmail.com
في الإثنين 03 أكتوبر-تشرين الأول 2011 03:46:52 م