رسائل دول الخليج من العاصمة دمشق لسوريا وللعرب وللمحور الإيراني المليشيا تجبر طلاب جامعة ذمار على إيقاف الدراسة للإلتحاق بدروات طائفية وعسكرية تشمل التدرب على الأسلحة المتوسطة والثقيلة تعرف على الأموال التي سيجنيها ريال مدريد في حال تتويجه بكأس العالم للأندية 2025؟ أول دولة أوروبية تعلن تقديمها الدعم المالي لسوريا توكل كرمان : الشرع يدير سوريا وفق الشرعية الثورية وتشكيل حكومة شاملة بُعَيْدَ سقوط نظام الأسد نكتة سخيفة خمسون قائداً عسكريًا سوريا ينالون أول ترقيات في الجيش السوري شملت وزير الدفاع.. مأرب برس يعيد نشر أسماء ورتب القيادات العسكرية 1200 شخصية تتحضر للاجتماع في دمشق لصناعة مستقبل سوريا .. تفاصيل عاجل الإنذار الأخير ... واتساب سيتوقف عن العمل على هذه الهواتف نهائياً أجهزة الأمن بمحافظة عدن تلقي القبض على عصابة تورطت بإختطاف النساء ...تفاصيل صحيفة هآرتس: الاتفاق السعودي الحوثي معضلة أمام إسرائيل في حربها ضد الحوثيين ... قراءة تل ابيب لمشهد الحسم العسكري المتأرجح
مصيبتان كبيرتان حلّتا بتونس في الأيام الأخيرة: الأولى دوس على القانون مفضوح كما لم يحصل من قبل بمثل هذه العجرفة، الثانية إجهاض متعمّد لكل أمل في التغيير السلمي عبر انتخابات رئاسية حرة.
ضربتان في الرأس توجع، كما يقال، ذلك أن ما يجري هو تمسك الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد بالسلطة، مهما كان الثمن ومهما بلغ التعسّف على القانون ومهما أحبطت الرغبة في أن تكون الانتخابات الرئاسية مخرجا سلميا من الضنك الشديد الذي تعيشه البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
الضربة الأولى تمثلت في إعلان «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» التي اختار قيس سعيّد كل أعضائها على عكس ما كان يجري من قبل من انتخابهم من قبل البرلمان، رفضها لأسباب واهية للغاية الانصياع الواجب عليها لأحكام المحكمة الإدارية التي قررت أن تعيد للسباق الرئاسي ثلاثة مرشحين كانت الهيئة قد أقصتهم. فعلت ذلك رغم صريح القانون الذي ينص على أن المحكمة الإدارية هي وحدها من يبت في نزاعات الترشح، وأحكامها نهائية ونافذة وجوبا ولا تقبل أي شكل من أشكال الطعن.
لقد أثبتت هذه الهيئة أن ولاءها هو لمن عيّنها، ولمن جعل رئيسها فاروق بوعسكر يتمتّع بامتيازات وزير، وليس لعلوية القانون أو لضرورة الحياد والاستقلالية، فقد أجمع كل الخبراء القانونيين والأساتذة الجامعيين أن ما قامت به الهيئة خرق فاضح للغاية للقانون، بشكل متعسّف ووقح، ندّد به الجميع سواء من المرشحين المقصيين أو الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني في نوع نادر من الإجماع. وكما قالت منظمة «أنا يقظ» الرقابية المستقلة المعنية بمحاربة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية فإن تعنّت هيئة الانتخابات عن تنفيذ أحكام قضائيّة باتّة هو «ضرب صريح لأسس دولة القانون والمؤسسات» وأنها بذلك «تخوض آخر معارك بقائها تحت حماية السلطة الحالية حيث تدرك أنّ أي تغيير في موازين القوى وفي شكل الحكم سيؤدي بها إلى المثول لمسار المساءلة والمحاسبة عن كل ما اقترفته من تجاوزات خلال عهدتها».
الهيئة التي يطالب الجميع الآن برحيلها بعد أن سقطت عنها ورقة التوت هي أيضا المتسببة في الضربة الثانية على رأس تونس والتونسيين، وهي الضربة الأخطر والأشد إيلاما. ضربة تتمثل في إخماد شعلة الأمل التي راودت التونسيين في الأسابيع الماضية حين تحوّل المزاج الشعبي العام من مزاج يائس من إمكانية إجراء انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية ومستسلم أمام أن الرئيس سعيّد ماض إلى عهدة رئاسية جديدة، مهما كانت نسبة المشاركة ومهما كانت النسبة التي سيحصل عليها، إلى مزاج آخر مختلف حين قررت المحكمة الإدارية إعادة من أقصتهم الهيئة، خاصة وأنهم من مشارب مختلفة. عاد الأمل وقتها في أن تكون الرئاسيات موعدا تنافسيا يؤمّن انتقالا سلميا يوفر البديل الديمقراطي لسنوات الشعبوية والفشل وانعدام الكفاءة التي كرّسها حكم سعيد، الذي لم يحل أيا من مشاكل البلاد بل وساهم في تعفينها جميعا، مع رفع الصوت المتشنج ضد الجميع مفسرا كل شيء بالمؤامرات يمينا وشمالا.
عاد الأمل للتونسيين لكن هيئة بوعسكر استكثرته عليهم فعمدت إلى تبديده بسرعة لكنها لم تفلح في القضاء الكامل عليه، رغم أن الأمر لم يصل بعد إلى غضب شعبي يترجم في مظاهرات غاضبة في الشوارع، لأن المحكمة الإدارية لا تنوي الاستسلام ولا المرشحين الثلاثة المقصيين ولا القوى السياسية والمدنية غير القابلة بفرض الأمر الواقع بالقوة وليس بالقانون، مما سيطرح لاحقا بشكل محرج للغاية إشكالية الشرعية الداخلية والدولية لسعيّد التي أرادها انتخابات على مقاسه وحده.
الحقيقة المرة، مرارة العلقم، التي أدركها الجميع اليوم أن الأمور ما كان لها أن تصل إلى هذا الدرك من ضرب القانون لو تصدّى الجميع لانقلاب قيس سعيّد على الدستور في يوليو/ تموز 2021 لأن ذلك هو ما شجّعه على كل تجاوزاته اللاحقة وصولا إلى هذا الانقلاب الأخير. ومع ذلك، يبقى أمل التغيير قائما طالما أن لا أحد يقف اليوم مع سعيّد سوى قوة السلطة وأجهزتها الصلبة، وليس القانون أو الشعبية -مع عدم إهمال حسابات إقليمية صارت تتدخل في الشأن الداخلي التونسي كما لم تفعل من قبل بسبب الهشاشة التي خلقها الاستبداد- وطالما أن كل القوى السياسية والفكرية والمدنية تقف ضده وباتت مقتنعة أنه خطر على البلاد وأمنها بدفعه الأمور عمليا إلى العنف حين سدّ كل منافذ التغيير الديمقراطي والسلمي.
المضحك المبكي أن الدستور الذي خطه سعيد بيده منفردا جاء فيه حرفيا : «إننا نؤسس إلى تركيز نظام دستوري جديد لا يقوم فقط على دولة القانون بل على مجتمع القانون حتى تكون القواعد القانونية تعبيرا صادقا أمينا عن إرادة الشعب فيستبطنها و يحرص بنفسه على إنفاذها و يتصدى لكل من يتجاوزها أو يحاول الاعتداء عليها «(!!) أما ما يخرج المرء عن طوره حقا هو أن رئيس هيئة الانتخابات هو قاض، وأن رئيس الدولة الذي يقف وراءه ويرفض تسليم الرئاسة «للخونة والعملاء» كما قال بعظمة لسانه، درّس القانون الدستوري في الجامعة التونسية لثلاثين عاما!!!.
* كاتب وإعلامي تونسي