|
ليس لدي شك أن الأشقاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ينظرون بدقة الى المشهد السياسي في اليمن ويعرفون أن ما يحصل اليوم لا يمكن اعتباره أزمة سياسية بين سلطة ومعارضة كما كان مفتعل قبل قيام الثورة الشعبية السلمية في ساحات التغيير تحت شعار "إسقاط النظام" حيث أن المعارضة اليمنية لم تكن جزءا من النظام السياسي فقط ، كما هو متعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية ، بل هي ، في معظمها ، جزءا من التركيبة التقليدية المذهبية للنظام . فالأخوة في المعارضة ومعهم غالبية الشعب في الشمال قد أضافوا 20 سنة الى رصيد الرئيس في الحكم مكافأة له كونه أهداهم أرض وثروة ومجد زائف بضمه الجنوب الى الشمال . فلم يقوم الرئيس لوحده بضم الجنوب بالحرب بل ساعدته المعارضة الى جانب المؤسسة العسكرية والقبائل وبعض العلماء والقاعدة وكثير من الشباب ، بحيث صارت عمليات نهب الجنوب أشبه بهجمة الجراد على الأرض الزراعية . وقدمت المعارضة مساعداتها للرئيس للفوز في الانتخابات وتغيير الدستور بشكل كامل تقريباً ، ومنحته الشرعية كذلك باسم الشعب .
وفي أثناء الحرب التي دارت بين جيشين غير متكافئين ، تفاجأ الشعب الجنوبي الذي زحفت قيادته إلى الوحدة زحفاً بأن الحرب تجري على أرضه ، وأن المنشاّت الإستراتيجية ، مثل مصفاة النفط والمطار المدني ومحطة توليد الكهرباء والميناء بالإضافة إلى الأحياء السكنية تضرب بالطائرات والصواريخ ، فأيـّد الشعب البيان عن قرار فك الإرتباط واستعادة الدولة (جمهورية اليمن الديمقراطية) في 21 مايو 1994م ، خاصة أن البيان قد أشار إلى أن الوحدة ستبقى خياراً استراتيجياً لشعب الجنوب ودولته .
وقد كان موقف الأخوة في مجلس التعاون مسؤولاً وأخوياً وإنسانياً في أثناء الحرب على الجنوب ، حيث عبروا عن موقفهم السياسي الواضح – الذي لن ينساه لهم أشقاؤهم الجنوبيين – عبر البيان الصحفي الصادر عن الدورة 51 للمجلس الوزاري لدول مجلس التعاون المنعقد في 4-5 يونيو 1994م الذي أشار : " وإنطلاقاً من حقيقة أن الوحدة طلب لأبناء الأمة العربية فقد رحب المجلس بالوحدة اليمنية بتراضي الدولتين المستقلتين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مايو 1990م ، وبالتالي لا يمكن أن يستمر إلا بتراضي الطرفين ، وأمام الواقع المتمثل بأن أحد الطرفين قد أعلن عودته إلى وضعه السابق وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية ، فأنه لا يمكن للطرفين التعامل في هذا الإطار إلا بالطرق السلمية "... كان ذلك البيان داعماً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (924) في 1 يونيو 1994م الذي أكد على ضرورة الحل السلمي ، ثم القرار رقم (931) الذي أكد أيضا على إبقاء المسألة قيد النظر الفعلي .
لا بد هنا من الإشارة إلى (الضمانات والتعهدات) التي قدمها النظام قبل الحرب وبعدها ، بدأها بالإخلال بتعهده أمام الزعيم ياسر عرفات في عام 1992م في صنعاء ، ونتائج لقاء طرفي الدولتين المتنازعتين في ابريل 1994 في مسقط ، ومعاهدة عمُّــان- الأردن ، وتعهد النظام للمنظمة الدولية المتمثل في رسالة تأكيد الحكومة اليمنية الى الأمين العام يوم إحتلاله عدن في 7 يوليو 1994م : " إلتزامها الثابت بالنهج الديمقراطي والتعددية السياسية وحرية الرأي والصحافة واحترام حقوق الإنسان ، واعترافها مواصلة الحوار الوطني في ظل الشرعية الدستورية ، وإلتزامها بما جاء في وثيقة العهد والإتفاق كأساس لبدء الدولة اليمنية الحديثة "... وبالفعل أحجم النظام عن تعهداته للمنظمة الدولية كسابق تعهداته بإتفاقات الوحدة ومتمسكاً بدلاً عن ذلك بنظام الجمهورية العربية اليمنية بطابعها القبلي العشائري . هذا بالإضافة إلى عدم استجابته للدعوات والمبادرات الصادرة من جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي ومناشدات المنظمات والهيئات الحقوقية والإنسانية ، للعدول عن العدوان على الجنوب .
لقد أعتبر مجلس الحراك السلمي الجنوبي أن عدم تنفيذ نظام صنعاء لتعهداته قد ساعد على إبراز القضية الجنوبية وفتح لها اّفاقاً جديدة باتساع مؤيديها ومناصريها في الداخل والخارج ... جاء في مسودة البرنامج السياسي لمجلس الحراك السلمي الجنوبي : " يرى المجلس أن الصراع مع المحتلين في الجنوب هو صراع وجود ، وهو صراع بين ثقافتين وهويتين وحضارتين ودولتين لا يمكن إنهاءه إلا بزوال الإحتلال وفك الإرتباط والإستقلال ، خاصة بعد أن تبين لنا أن الدولة اليمنية هي دولة قبلية عصبية تحمل مشروعاً متوارثاً لإحتلال الجنوب وضمه بالقوة وجعله من أملاكها .. ويرفض المجلس أن تكون الجزيرة العربية ضحية للتعصب المذهبي الذي يحاول نظام صنعاء إنتاجه في إطار ســلطة الإحتلال ( إحياء المذهبية في الشمال وصنع عناصر القاعدة في الجنوب ).
وفي رأيي أن دوراً أخوياً استثنائياً ينتظر الأشقاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، إذا ما أرادوا الاستمرار في تقديم العون والمساعدة لليمن على الصعيد السياسي لما من شأنه حفظ الأمن والإستقرار في الجزيرة والخليج ، فإن ذلك لن يتأتى إلا من خلال معالجة الأسباب قبل النتائج بدعم الثورة الشعبية لتغير النظام جذرياً ، مع الأخذ في الإعتبار أن المجتمع اليمني اّخذ في التحول الثوري الذي لا رجعة فيه ، وأن القضية الجنوبية هي أم القضايا على إعتبار أن الجنوب يشكل العمق الإستراتيجي للجزيرة والخليج بأبعاده الإقتصادية والتاريخية والأمن القومي .
في الأربعاء 20 إبريل-نيسان 2011 06:49:41 م