|
اعتقد أن المبادرة الخليجية التي كثر الحديث حولها وأنها ستخرجنا إلى جنة الفردوس بعد التوقيع الشريف عليها من قبل فخامة الأخ رئيس الجمهورية وقادة اللقاء المشترك، اعتقد أنها أدت دورها المرسوم لها وبنجاح منقطع النظير، حيث أعطت فسحة من الوقت للرئيس الصالح لإعادة ترتيب ملفاته ولملمة أوراقه المبعثرة وترتيب صفوفه في الجوانب الأمنية والسياسية والاجتماعية وغيرها، الأمر الذي أعاد له نظارة الوجه وقوة الخطاب والثقة بالنفس بعد أن كان مرتبكا مع بدء الاعتصامات وبعد سقوط زميله (مبارك)، وكان الجميع يتندر على كيفية جلوسه، ولون وجهه المخطوف، وشعره الأبيض، وثوبه الذي جاء به إلى اجتماع مجلس الدفاع الأعلى وهو مفتوح الأزرار، والعسيب الذي كان غير ثمين من وجهة نظر المتابعين العاديين آنذاك، عكس اليوم تماما..!!
هذه المبادرة كانت بطلب من الرئيس علي عبدالله صالح نفسه، وحسب معلومات فإنها صيغت في دار الرئاسة وحملها الأشقاء الخليجيين لعرضها على المعارضة، وهذا ماسمعته أيضا من إحدى الشخصيات السياسية الكبيرة الذي زاد بأنها عُرضت على السفير الأمريكي أولا، وكان الهدف الخفي منها والمعلن للأصدقاء والأشقاء الأمريكيين والسعوديين على وجه التحديد هو إعطاء الرئيس صالح فسحة من الوقت فقط وهو سيتكفل بالباقي وتم له هذا وتم (مطمطة) هذه المبادرة والأخذ والرد حولها لأكثر من شهر، واليوم بقي إكمال السيناريو فقط ويعلم الله ماهي نية الصالح بعد أن استعاد أنفاسه، ونتمنى أن تكون نية خير لصالحه وصالح البلاد والعباد..
يوم السبت الماضي، وفي نفس الوقت الذي كان فيه الدكتور الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي يجري لقاءات مارثونية بين دار الرئاسة واللقاء المشترك، كان وفد يمني (رفيع) من مكتب الرئاسة في الرياض يُجري بعض المفاوضات حول المبادرة وما بعدها..!!
سيناريو الوساطة والمبادرة والاتفاقية، متفق عليه مسبقا بين الرئيس والقيادة السعودية وواشنطن لعدة أسباب أهمها أن أمريكا وبعد مارأته في تونس ومصر لاترغب في المجازفة أكثر وتوريط نفسها مع نظام جديد لايمكن التفاهم معه إلا بعد سنتين على الأقل، وفي هذه المدة يكون قد خرب مالطا كما يفعل الأشقاء في مصر الآن، الذين بدؤوا في إجراءات عملية كانت محرمة في عهد مبارك، وكانت تعتبر خطوطا حمراء لايمكن له تجاوزها كالمصالحة بين فتح وحماس، وفتح معبر رفح، إلى تحذير إسرائيل ونصح أمريكا بالاعتراف ودعم الدولة الفلسطينية، إلى غيرها من (الخربطة) من وجهة النظر الأميركية، وبالتالي فإنها قررت الإبقاء على الأخ (علي) عملا بحكمة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله (جني تعرفه ولا إنسي ماتعرفه) على المدى المنظور على الأقل..!!.
أما السعودية فإنها تشتغل في خطين متوازيين، الأول هو إدراكها وحسب مراكز دراسات دولية مثل مركز ستراتفور الإستراتيجي في واشنطن بأن الأزمة المتفاقمة في اليمن يمكن أن تشكل عامل تهديد لاستقرارها، وبالتالي فان الأمر شرٌ لابد منه (اقصد دعم صالح)، لكنها ومع ذلك تتعامل معه بحذر شديد، فهي وحسب الدراسة التي أعدها المركز الأمريكي الذي يُعد ثالث مركز دراسات إستراتيجية دولي طالما نظرت لليمن على أنه جار خاضع ومصدر دائم لانعدام الاستقرار بالمنطقة، حيث يفضل السعوديين إبقاء الجمهورية اليمنية ضعيفة، مع المحافظة على تحالفات قوية مع القبائل التي تعطي ولاءها لصاحب العطايا الأكبر.
وترى الدراسة أن السعوديين لا يقدمون دعما مطلقا للرئيس اليمني، لكنهم بالمقابل لم يتخلوا عنه بالمطلق!، وتتوقف عند تخوف السعوديين من "دور إيراني" في المنطقة من خلال الأزمة الناشبة في البحرين واليمن وسيأتي تفصيله..!!
وبينما يراقب السعوديين بقلق بالغ الوضع شمالي اليمن، حيث يخشون من تمكن الحوثيين من حفز الطائفتين الإسماعيلية والشيعية داخل المملكة على التمرد، فإنهم قلقون أيضا من التمرد الانفصالي في جنوب اليمن.
ولا يخفي السعوديون أيضا قلقهم الشديد من تمكن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من شن عمليات متواصلة بالمنطقة، يكون اليمن منطلقا لها، وقلقهم من إمكانية اندلاع حرب أهلية باليمن تزعزع النظام والأمن وينالهم منها الكثير لاتساع الحدود الجغرافية المفتوحة بين البلدين..!.
أما الخط الثاني الذي تعمل عليه السعودية فهو الخوف من بعض الأوراق التي يلعب بها الرئيس صالح وببراعة كبيرة كعادته، فهو يعمل على تسريب بعض المعلومات بطريقة مباشرة وغير مباشرة ويمكن أن تصل هذه الأيام وفي هذه الأوضاع الصعبة بالنسبة له إلى التلويح والتهديد بها مباشرة، وأهمها انه سيتجه للتنسيق والتحالف مع إيران والعراق وسوريا وحزب الله لحمايته من الثوار الذين يريدون الانقضاض على حكمه وإسقاط عرشه، وهكذا يفهم السعوديون والخليجيون جميعا أن هذا التنسيق أو التحالف لو تم فانه سيشكل طوقا شيعيا محكما يحيط بالخليج، الأمر الذي يهدد أمنه واستقراره، لاسيما ولدى الأشقاء الخليجيين عموما والسعوديين على وجه الخصوص حساسية مفرطة تجاه الشيعة والتشيع، بالإضافة إلى ورقة القاعدة التي لازال الرئيس يهدد بها ويحسن توظيفها باتجاه السعودية كثيرا رغم سقوطها من القاموس الأمريكي واقتناعهم بأنه المحرك الرئيسي لها، إلا أن السعودية لازالت غير مؤمنة بقدرات الرئيس الصالح في اللعب بالقاعدة وتضخيمها إلى هذا الحد.
وهناك ورقة ثالثة وهي جعل اليمن ملاذا للمعارضة السعودية وبالأخص شيعة جنوب المملكة ويمكن استخدامهم في إطار التحالف الشيعي الذي ذكر في الورقة الأولى، وبالتالي زعزعة امن المملكة وإدخالها في دوامة من الصراع لايمكنها الخروج منها في المدى المنظور على الأقل.
وهذه الأوراق أو الخيارات ليس بالضرورة أن تضمن بقاء الرئيس صالح على كرسي الحكم لكنها بالضرورة ستقلق الأنظمة الخليجية والسعودية على وجه الخصوص ويمكن أن تطيح بالأسرة المالكة هناك أو في أقصى الحالات ستساهم في تقسيم وتشظي المملكة لاقدر الله، و(مافيش حد أحسن من حد)..!!
وإذا بحثنا في التاريخ المعاصر للعلاقات اليمنية السعودية نجدها في حالة توتر دائم لكنه غير معلن، والاهم أننا نجد المواقف السعودية دائما في صف الخاسر، لاسيما في الأحداث والوقائع المفصلية، ولا أدري ماهي الأسباب الحقيقية لذلك، هل العيب في السفراء السعوديين الموجودين في صنعاء والذين يرفعون التقارير الخاطئة لقيادتهم هناك والتي على إثرها تحدد أين موقعها وموقفها السري والمعلن، أم هو سوء تقدير من قبل صاحب القرار في الداخل هناك، وأيا كان فإنني أثق كثيرا في السفير السعودي بصنعاء سعادة علي بن محمد الحمدان (أبو فارس) الذي يُعد السفير السعودي الأول الذي احتك كثيرا بالناس واختلط بهم وعرفهم وعرفوه عن قرب، وبالتالي استطاع أن يُكوِّن فكرة حقيقية من خلال مشاهداته واحتكاكه الشخصي (وليس ماينقل له من الموظفين) أين الكفة الراجحة وأين الخاسرة، وماهو الدور الذي يمكن أن تلعبه المملكة لدعم وتأسيس جار يمني قوي يخدم المنطقة ويدخل كشريك في تنمية الإقليم ويكون قوة وسندا لدول الخليج سواء انظم لها في مجلس التعاون الخليجي أو بقي خارجه، فالجار القوي أفضل من الجار الضعيف بكثير..
اعتقد أنكم تستغربون ما الذي اقصده من أن المواقف السعودية دائما مع الخاسر، وأذكركم فقط بتاريخين مهمين مفصليين في حياة اليمنيين، وفي كلا التاريخين كانت السعودية تقف إلى جانب الطرف (الخائب)، الأول في ثورة سبتمبر التي ناصبتها السعودية العداء ووقفت مع الملكيين ودعمتهم لمحاربة الثورة ثمان سنوات قتل خلالها 200 ألف يمني وبضعة آلاف من الجنود المصريين، وهي الحرب الأولى التي استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية في تاريخ الحروب بالشرق الأوسط بحسب مصادر غربية..
والثانية حرب 1994 وبما عُرف آنذاك بحرب (الردة والانفصال) حيث كانت السعودية تتطلع للحصول على منفذ إلى بحر العرب ودعمت جماعة الردة والانفصال ضنا منها أنهم سينجحون في العودة إلى التشطير، لكنها أيضا وقفت الموقف الخطأ، ونرجو ألا تقف اليوم في المكان الخطأ، فاليوم يختلف كثيرا عن 62، 94، لان اليمنيين لن يغفروا لها موقفها إذا كان خاطئا، وبالمقابل لن ينسوه لها إذا كان صادقا وصحيحا وداعما حقيقيا لأمن اليمن واستقراره وقوته وبما يحقق حلمهم في دولة مدنية حديثة..
في الأربعاء 04 مايو 2011 05:22:57 م