أمريكا تعيش وهما كبيرا .. وقائد القاعدة لم يقتل
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 13 يوماً
الخميس 05 مايو 2011 05:23 م

ضلت المخابرات الأمريكية تتبع بن لادن عقدا ونصف العقد من الزمن، وكثير من الغرب وكثير من الناس في الشرق تابعوا ذلك بعين مترقبة ومتلهفة إلى نهاية بن لادن الذي قد ينتهي بنهايته - بتصورهم - التنظيم والإرهاب أو حتى يضعف على أقل تقدير، وكان الجميع منتظرا سماع دقة ساعة الصفر؛ وها هي قد دقت - بتصور الواهمين - وقد سمع بها العالم أجمع - القاصي والداني - فقنوات التلفزة سرعان ما تناست ثورات الشعوب الإسلامية مشتغلة بثورة أمريكا وانتصارها بمقتل بن لادن؛ فهذه الثورة قد ابتدأت أحداثها ومشاهدها منذ قام التنظيم بضربته القاصمة لأبراج التجارة العالمية، وثورات الشعوب ما تزال حديثة عهد، بيد أن هذه الشعوب على حداثة ثوراتها لا تقل معاناة من أنظمتها عما يعانيه العالم أجمع من إرهاب تنظيم القاعدة، وما أود قوله هنا والتأكيد عليه أن مآسي الشعوب العربية/الإسلامية هي الجزء المهم في قيام هذا التنظيم وظهوره وظهور بن لادن على رأسه، والجزء الأهم هو التحالف الأمريكي الغربي مع إسرائيل ضد الفلسطينيين والشعوب العربية والإسلامية قاطبة.

تظن أمريكا وحلفاؤها أنهم قد حققوا نصرا على الإرهاب أو تنظيم القاعدة، وأن ثورتهم قد بدأت تؤتي أكلها، بمصرع/ استشهاد - هناك روايتان - بن لادن، ظنا منهم أن هذا الأخير هو القائد الفعلي لتنظيم القاعدة، وقد أخطأت وأخطأ الجميع خطأ فادحا في الحساب، فأمريكا قتلت فردا واحدا في تنظيم عريض وعريق؛ لم يكن بن لادن إلا واحدا من أفراده، وليس قائده الحقيقي وقريبا أمريكا بقتل أسامة ستجر أذيال الخزي والندامة؛ لأنها قتلت القائد الخطأ للتنظيم، وبقتله لم تقتلع أمريكا الإرهاب أو تنفيه من الوجود، وإذا ما ظنت أمريكا ذلك؛ فهي تتنافس مع إسرائيل الغباء نفسه، لأن هذه الأخيرة تيقنت - يوما ما - بأنها عند اغتيال قيادات حماس ستنهي حركتها من الوجود ! وما أشبه اليوم بالبارحة؛ فقد رأينا الاحتفالية والفرحة نفسها في أمريكا والغرب، عند استشهاد حسن البناء - رحمه الله - المؤسس لحركة الإخوان المسلمين؛ لأنه كان يخيف إسرائيل؛ فهل انتهت هذه الحركة باغتيال قائدها (!) مع التنويه إلى الفارق الكبير بين حسن البناء وحركته وبن لادن وتنظيمه؛ فالأول رفع شعار التغيير السلمي والعمل الجماعي، والثاني اختار الطريق الخطأ، وهو طريق الحرب، وهذا الأخير قليل التأثير كثير التكلفة، ولا يفرق بين المتهم والبريء. ومهما يكن من أمر فالسبب في إيجاد هذا التنظيم ووسيلته الخطأ هو القائد الفعلي لهذا التنظيم؛ وليس هو بن لادن أو الظواهري - الذي لن يؤدي قتلهما أو أحدهما إلى حل المشكلة بل قد يصعبها أكثر.

والسؤال: من هو إذا القائد الفعلي للإرهاب (؟) إن على أمريكا - إذا ما أرادت اجتثاث تنظيم القاعدة أو الإرهاب من جذوره – أن تجيب على هذا السؤال وتتعرف - أولا - على القائد الفعلي والأصيل لهذا التنظيم؛ لأنه لا يتمثل في بن لادن ولا الظواهري، فهؤلاء هم قادة ثانويين في تنظيم القاعدة وقتلهم لا يقدم ولا يؤخر؛ لأنه بإمكان القائد الأول للتنظيم أن يلد أو ينتج مليونا من أمثال بن لادن ومليونا آخر من مثل الظواهري، وعليه فإن أمريكا لم تنتصر ثورتها، ولن تضعف تنظيم القاعدة بقتلها بن لادن، بل قد يزداد قوة إلى قوته وبأسا إلى بأسه وقد تزيد أمريكا معاناة إلى معاناتها وحزنا إلى أحزانها؛ فالقائد الأعلى لهذا التنظيم ما زال باقيا ولم يمت، بل إن أمريكا وحلفاءها يحيونه في كل حين؛ وهذا القائد هو التحالف [الغربي/ الأمريكي/ الأوروبي/ الإسرائيلي/ العربي (طواغيت أنظمة الحكم)]؛ كل هؤلاء كونوا تحالفا أو حلفا ظالما جائرا ضد الشعب الفلسطيني وبالتالي الشعوب العربية والإسلامية، فقضية فلسطين هي الجرح الدامي التي أدمت قلوب كل العرب والمسلمين، بيد أن منهم من اختار النضال السلمي ضد هذا الظلم ومنهم من اختار النظام الأقل نجاحا والأكثر تكلفة وهو هذا التنظيم الذي كان قائده الوحيد هو هذا التحالف (الظالم أهله).

وإذا ما أرادت أمريكا والغرب أن يستأصلوا الإرهاب من جذوره عليهم أن يقتلوا هذا القائد أولا، وعليهم ألا يطففوا في الميزان والكيل بمكيالين، إذا ما تعلق الأمر بين إسرائيل والمسلمين، على الجميع أن يوقفوا العجرفة الصهيونية؛ حينها فقط سوف تنتصر ثورة أمريكا على الإرهاب، لأن الإرهاب حينها لن يجد قضية يدافع عنها وسيخفت لوحده من دون دبابة أو طائرة أو مدفع. أما أن تعتقد أمريكا والغرب أنهم انتصروا بقتل فرد من أفراد تنظيم عريض؛ فإن الجميع يعيشون وهما كبيرا، وقد يتحول هذا الانتصار وتلك الاحتفالية الذي احتفل به الغرب وأمريكا والعرب إلى هزيمة وحزن، فتنظيم القاعدة لن يضل ساكتا على مقتل زعيمه وسيرد الصاع الصاعين، وعند ذلك لن تهنأ أمريكا ولا الغرب ولا العرب بنصر وهمي لأن الكيل بمكيالين أمام قضايا مصيرية للشعوب والأمم والتطفيف في الميزان السياسي – وهو أسلوب أمريكا في التعامل مع الشرق الإسلامي – ما يزال قائما وفي الوقت نفسه ما يزال قائدا لمسيرة الإرهاب، وسيظل الإرهاب ما ظلت أمريكا راضية بالظلم الإسرائيلي، وستظل الثورات في العالم العربي تتداعى ما ظل الطغاة يتعاملون معها بلغة السفاح والقاتل، فأمريكا تعاملت مع تنظيم القاعدة كما تتعامل الأنظمة العربية الظالم أهلها مع شعوبها، فهي تظن أنها كلما قتلت من شعبها كلما خبت نور الثورات هذا ما تظنه وما ظنته أمريكا بقتل بن لادن، وخاب ظن الجميع، فالتنظيم سيمضي كما أن الثورات ستمضي أيضا، وللأسف غباء الزعماء أينما كانوا وأينما وجدوا هو أيضا ماضٍ مع الماضيين، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويحق الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

لست من محبي بن لادن - لاتخاذه الوسيلة الخطأ في التغيير - لكني أمقت الظلم والجور الأمريكي/ الغربي/الإسرائيلي/ العربي، أشد المقت، وهذا الظلم لوحده هو المسئول الأول والوحيد عن وجود بن لادن وغيره، وهذا بحد ذاته يجعلني أطلب الرحمة والمغفرة له لما اقترفه من أخطاء في قتل الناس الأبرياء، وهذه الأخطاء إذا ما قارناها بأخطاء أمريكا في العالم العربي والإسلامي تضل لا شيء، ويكفي ما تقوم به أمريكا الآن وفي كل حين في الوقوف مع إرهاب الدولة؛ المتمثل في العدو الصهيوني، وإذا ما صحح هذا المسار واعتدل الميزان والمكيال الغربي في النظر إلى القضايا المصيرية للشعوب الإسلامية، فساعتها لن تفرح أمريكا وتحتفل بمفردها، بل ستشاركها هذا الاحتفال الأمة المسلمة، أما أن تحتفل أمريكا لوحدها والمسلمون ما يزالون يعانون من الأوجاع نفسها فإنه انتصار وهمي واحتفال مؤقت سيزيله سريعا الرد المتوقع من تنظيم القاعدة، وسرعان ما يتغير الحال إذا ما بذلنا المحال في التعرف على السبب الأصيل في وجود هذا التنظيم، وبدونه فنحن نعيش أفراحا هي أشبه بسراب يحسبها الحزين سعادة، فإذا حانت ساعة الرد لم يجدها شئئيا.