في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع تفاصيل لقاء وزير الداخلية بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في اليمن
ظهرت الكهرباء في اليمن كأعجوبة و لا زالت كذلك حتى الان. انني ابلغ من العمر حوالي 55 عاما و منذ ان وعيت و حتى الان و انا اسمع و اقراء العجائب حول مشكلة الكهرباء في اليمن. لقد تفتق وعي اول ما تفتق على الانبهار بجهاز من الحديد يتكلم (الراديو) بمساعدة الكهرباء. و قبل ذلك كنت اعتقد ان الانسان هو فقط الذي يتكلم.
وبعد ذلك سمعت عن الكهرباء و لكن بشكل مختلف عندما كان العدني (من يزور مدينة عدن) عندما يعود الى قريتنا يحكي لنا ويتفنن عن سحر الكهرباء وعن رومانسية السمر في شوارع عدن تحت ضوئها. و مع ذلك فلم استطع ان اتخيل كيف يمكن ان يكون للكهرباء ضوء. و عندما زرت مدينة تعز شاهدت مصابيح الكهرباء لأول مرة و من شدة تعجبي كنت اقارن بينها و بين القمقم ( السراج) و الفانوس و النوارة. و في عام 1974 زرت صنعاء لأول مرة و اضافت قصة الكهرباء الى تعجبي ذكرى لا تنسى الا و هي مشاهدة التلفزيون.
ان قصتي مع الكهرباء هي قصة كل الاجيال منذ ذلك الوقت و الى الان. فقد ارتبطت قصة الكهرباء في وعي اليمنين بالسحر و الانبهار و الاساطير. و ربما يفسر ذلك عدم قدرتهم على فهم ما يرتبط بالكهرباء ومشاكلها من الغاز. و لولا ذلك لما صدقوا وعود الحكومات المتكررة بقرب التخلص من الظلام و الاستمتاع بنورها. و لولا ذلك لما صدقوا اعلان حكومتنا بانها ستحل مشكلة الكهرباء من خلال الطاقة النووية. فاذا كان معظمهم لم يستوعب الكهرباء العادية فكيف يمكن ان يستوعب الكهرباء النووية؟
في هذا المقال سأتعرض قصة الكهرباء و ما ارتبط بها من عجائب خلال العشرين السنة الماضية على الاقل. و في هذا الاطار فاني لن انزلق الى فخ الارقام و المصطلحات التي قد لا يفهمها الكثيرون بما فيهم قياديو وزارة الكهرباء و مؤسستها و انما سأقتصر على ابسط العجائب ذات العلاقة بها.
الاعجوبة الاولى: فعلى الرغم من التقدم الكبير في وسائل الاتصال و المواصلات التي تعتمد على الكهرباء و في الادوات الكهربائية التي اصبحت جزاء اساسيا من حياة اليمنين حتى في الارياف فلا زالت السلطة تتعامل معها على انها سلعة او خدمة كمالية يجب ان توفر للمتنفذين فقط. و الاكثر استغرابا من ذلك هو ان الراي العام قبل بذلك و بالتالي فلم يعمل على تكوين راي عام ضاغط على الحكومات المتعاقبة لبذل الجهود المطلوبة لتوفير الكهرباء لكل اليمنيين.
بل انه يمكن القول بان مؤسسة القطاع الخاص و مؤسسات المجتمع المدني لم تبذل اي جهود تذكر في المساهمة في حل هذه المشكلة. و قد اكتفاء الجميع بشراء المولدات الخاصة و التي لا تمثل حلا مقبولا لهذه المشكلة لارتفاع تكاليفها و قلة كفاءتها.
الاعجوبة الثانية: فعلى الرغم من احتياج اليمن الشديد للكهرباء بدليل الارتفاع الطلب الكبير عليها مقارنة بالمعروض منها خلال فترة طويلة من الزمن لم يسمح لقوانين الاقتصاد في حل ذلك. فتخفيض اسعار الكهرباء كثيرا عن تكلفتها لكل المستهلكين القادرين و غير القادرين قد منع قوانين الاقتصاد من تنظيم سوق الكهرباء في اليمن. صحيح ان لا يكون الطلب على اي سلعة او خدمة متساويا للمعروض منها في كل الاوقات والاماكن لكن الصحيح ايضا ان اي اختلال بين الطلب و العرض في اي سلعة او خدمة يكون طارئا و مؤقتا في ظل كون سوق هذه السلعة او الخدمة منظما باي شكل من الاشكال.
ولا يوجد اي مبرر اقتصادي او سياسي او اجتماعي لتشويه سوق الكهرباء في اليمن. فالنتيجة الحتمية لذلك كانت عدم توفر الكهرباء للجميع الاغنياء و الفقراء. ان ما يفسر اهمام عدم تنظيم سوق الكهرباء هو الاهمال و الاستهتار و الفساد.
صحيح ان قطاع الكهرباء يختلف عن القطاعات الاخرى من الناحية الفنية و الاقتصادية لكن الصحيح ايضا ان التطور في مجال التكنولوجيا و تنظيم المؤسسات قد مكن من التعامل مع قطاع الكهرباء بسهولة كبيرة. فمن الناحية الفنية فان الكفاءة الاقتصادية لإنتاج و توزيع الكهرباء تتطلب ان يتم ذلك من خلال حجم كبير مناسب. اي انه كلما زادت كمية التوليد و التوزيع كلما انخفضت التكاليف و خصوصا التكاليف الثابتة و كلما انخفضت اسعارها. لكن ارتفاع الحجم الامثل للإنتاج و التوزيع في قطاع الكهرباء قد مثل مشكلة في توفير التمويل الكافي والادارة الكفؤة.
فعلى سبيل المثال فان الحجم الامثل لمحطات الطاقة الكهربائية هو في حدود 500 ميجا و الذي يتطلب تمويلا لا يقل عن 500 مليون دولار. و من الواضح ان الطلب على الكهرباء في بلد ومهما كان صغيرا يتطلب وجود عدد كبير من هذه المحطات مما يتطلب وجود تنسيق بينها لا تقدر على القيام به مؤسسات القطاع الخاص الامر الذي يحتم على الحكومة القيام بذلك حتى في حال النجاح في خصخصة قطاع الكهرباء بالكامل.
وعلى هذا الاساس فان الحكومة تتحمل الجزاء الاكبر من ترك سوق الكهرباء بدون تنظيم مما جعل مشاركة القطاع الخاص في هذا القطاع مستحيلا. فقد كان على الحكومة ان تقسم سوق الكهرباء الى ثلاثة قطاعات هي قطاع التوليد و قطاع النقل و قطاع التوزيع. و في هذه الحالة كان من الممكن ان تهيئ الظروف المناسبة لمشاركة القطاع الخاص في بعض هذه القطاعات اي في قطاع التوليد و قطاع التوزيع. لكن من المؤكد ان تظل الحكومة تدير قطاع النقل.
في البداية لا بد ان تظل الحكومة شريكا اساسيا حتى في قطاع التوليد و ذلك نظرا لطبيعة متطلبات التمويل و الانتاج. فنظرا لضخامة راس المال المطلوب و طول فترة استعادته و لكون خدمات الكهرباء المنتجة لا يمكن تصديرها للخارج و لا يمكن ايصالها الى المستهلكين المحلين الا من خلال شبكة النقل التي تسيطر عليها الحكومة فان على كل من الحكومة و القطاع الخاص ان يدخلا في شراكة لمدة لا تقل عن عشرين سنة. و نظرا لطول هذه الفترة فانه لا بد من تقاسم المخاطر و العوائد بين الطرفين بطريقة عادلة. ان ذلك يتطلب التفاوض على اتفاقية معقدة منصفة و قابلة للتطبيق و تحفظ حقوق الطرفين.
لقد فرطت الحكومات المتعاقبة بفرص كبيرة كانت متاحة لحل مشكلة الكهرباء في اليمن. فعلى سبيل المثال فقد وعدت الحكومة الصينية في عام 2006 بتوفير تمويل ميسر لبناء محطات كهربائية لكن بشرط ان تتنافس على بنائها الشركات الصينية فقط. لكن الحكومة اليمنية رفضت ذلك بحجة ان ضرورة تفتح المنافسة امام الشركات العالمية. و من الواضح ان اشتراط الحكومة امر غير معقول و لا مبرر. فأي دولة تقدم هذا التسهيل لا بد و ان تشترط ان تكون شريكاتها هي المنفذة. و لسوء الحظ فان هذا العرض الصيني لم يستغل حتى الان لا في قطاع الكهرباء و لا في غيره.
وفي 2006 بعد موافقة المانحين على اعطاء اليمن ما يقارب من خمسة مليار دولا لتمويل مشاريع البنية التحتية تقدمت بمقترح الى الحكومة بان يتم تخصيص حصة الجانب السعوي في هذه المساعدة و البالغة مليار دولار لقطاع الكهرباء. و لأسباب غير واضحة فان هذا المقترح لم يحظى حتى بالنقاش. و الى الان فان اليمن لن تستطيع استيعاب الجزء الاكبر من هذه المساعدات لا في قطاع الكهرباء و لا في غيره.
وعندما كنت وزيرا للمالية تقدمت بمقترح لوزير الكهرباء آن ذاك رئيس الوزراء الحالي بمقترح مفاده اني كوزير للمالية مستعد لعمل ترتيبات مع وزارة الكهرباء بمقتضاه يتم تخصيص مبلغ 100 مليار ريال من الفائض المحتجز في حساب الحكومة العام بدون استغلال لأنشاء محطة غازية لقدرة 500 ميجا و لكن بشرط ان يتم انشاء صندوق استثمار يتم بموجبه استعادة هذا المبلغ خلال فترة معقولة بهدف اعادة استثماره في محطة اخرى. و لكن رفض هذا المقترح لوجود هذا الشرط فيه مطالب اعطائه المبلغ بدون شروط الامر الذي رفضته.
و على الرغم من اعلان الحكومة ترحيبها بمشاركة القطاع الخاص في عملية التوليد لكن القطاع الخاص المحلي لم يتحمس لهذا العرض لأسباب كثيرة منها عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها و عدم استقلالية القضاء و فساده. فقط تقدمات شركتين خارجيتين متعاملتين مع بعض المستثمرين المحليين استنادا الى الحماية التي ستحصل عليها من خلال التحكيم الخارجي. و لكن عرضيهما لم يكن جادا لأنها لم تكن لها خلفية في مجال توليد الكهرباء و لا في مجال التمويل. فقد كانتا تبحثان على عقود مضرة بالبلاد بهدف تسويقها في الخارج مقابل الحصول على عمولات غير معقولة او مبررة.
و من الواضح ان الحكومة اليمنية و القطاع الخاص في اليمن لا يملكان الارادة و لا المقدرة على انجاز مثل هذه الاتفاقيات و العقود. و عندما كنت وزيرا للمالية تقدمت بمقترح الى مجلس الوزراء لإقامة وحدة خاصة لتتولى هذه المهمة و بمساعدة من البنك الدولي و بعد موافقة البنك على ذلك وافق مجلس الوزراء على هذا المقترح بشرط ان يكون تابعا لوزارة الكهرباء. و بما ان وزارة الكهرباء غير متحمسة لذلك فقد ظل قرار مجلس الوزراء حبيس ادراجها حتى اللحظة.
الاعجوبة الثالثة: على الرغم من توفر موارد محلية رخيصة لحل مشكلة الكهرباء مثل الغاز و الرياح و الطاقة الشمسية فانه قد تم تجاهل ذلك و تم التركيز على الديزل و المازوت فقط.
وفي هذا الاطار فقد يكون من المناسب التركيز على اهمال الغاز. صحيح ان اليمن قد تمكن من بناء و تشغيل اول مخطة غازية لتوليد الكهرباء في مارب. و لكن الصحيح انه كان بالإمكان ان يتم بناء و تشغيل العديد منها. فعلى سبيل المثال فان اتفاقية استغلال الغاز في مارب لم تتضمن اي بند او ترتيبات لاستغلال الغاز في توليد الكهرباء في محطة تصدير الغاز في بلحف. و على الرغم من وجود بند في هذه الاتفاقية يلزم الشركة اليمنية لتصدير الغاز بمد خط للغاز الى صنعاء بهدف الاستغلال المحلي فانه قد تم تعديل هذه البند بما يسمح للشكرة لتأجيل تنفيذ هذا الالتزام الى اجل غير محدد.
وفي هذا الاطار فانه لا بد من ايراد بعض المحاولات التي قمت بها عندما كنت وزيرا للمالية. فقد جاءني وفد من احدى الشركات الالمانية و الذي تقدم بعض بإقامة محطة كهرباء بطاقة 50 ميجا في حضرموت بتمويل من البنك الأوروبي للتصدير. و كان من المطلوب ان اوفق على ذلك باعتباري وزيرا للمالية. و لكني رفضت العرض و قلت اني موافق عليه في حالة ما تكون هذه المحطة تعمل بالغاز. فاستغرب وفد الشركة من اعتراض وزارة الكهرباء على ذلك على الرغم من ان الشركة موافقة و ان ذلك في صالح اليمن.
بالاضافة الى ذلك فان كل الدراسات تؤكد ان اليمن لديه مناطق متعددة تتميز بتياراتها الهوائية و التي تؤهله لان يكون من اكبر الدول المنتجة للكهرباء باستخدام الرياح. و على الرغم من المزايا البيئية لذلك فان له مزايا اقتصادية و اجتماعية. و يتمثل ذلك في ان حجم التمويل المطلوب لمثل هذه المولدات صغير نسبيا. و بالاضافة الى ذلك فانه يمكن تكيفه ليناسب جغرافية و ديمغرافية اليمن. اذ انه يمكن ان يتم تركيب مولدات هوائية لتوليد الكهرباء في كل تجمع سكاني مناسب. و في هذه الحالة فان الريف اليمني سيكون المستفيد من ذلك. بل انه سيمكن القطاع الخاص و التعاون من حل مشكل الكهرباء بواسطة هذه الطريقة.
الاعجوبة الرابعة: فعلى الرغم من الحديث الممل و المتكرر عن مشكلة الكهرباء و ضرورتها لتطوير الاقتصاد اليمني فانه لا يوجد لدى السلطة و لا المعارضة لديها رؤيا او استراتيجية متكاملة للتعامل مع هذه المشكلة حتى في الاجل الطويل ناهيك عن الاجل المتوسط و القريب.
لا شك ان ذلك مؤشر سلبي اذ انه يعني ان مشكلة الكهرباء في اليمن ستظل مشكلة عويصة حتى في المستقبل المنظور. ذلك ان التفاوض على التعاقدات و توفير التمويل و طلب المعدات و تشغيلها و توفير البنية التحتية للاستفادة منها يحتاج وقتا طويلا. و لذلك فان عدم القيام بذلك من الان ان اليمن على موعد مع الظلام لفترة طويلة لا يعلمها الا الله.
إننا الآن في القرن الواحد و العشرين مما يحتم على اليمنيين أن يحلوا الغاز الكهرباء و يتعاموا معها كما تعاملت معها شعوب الدنيا حتى المتخلف.