|
توافق الرعب عنوان مستوحى من مصطلح توازن الرعب بين القوى النووية, كون الاثنان التوازن والتوافق يشتركان في الرعب الناجم عنهما, لكننا هنا لن نتطرق لتوازن الرعب بل سنكتفي بتوافق الرعب اليمني. فالتوافق اليمني مصطلح اوردته المبادرة الخليجية واليتها المزمنة دون تعريف, ويفهم منه إعادة حلفاء الامس للعمل مع بعض دون تغليب احدهم على الاخر واحتفاظ كل طرف بجزء من قوته. مثله مثل توازن الرعب النووي لا يحل توافق الرعب اليمني مشكلة المتوافقين, لكنه يترك لكل طرف نسبة من قوته الدموية لتقييد الطرف الاخر من ان يتهور, وتضع المواطن في رعب مستمر من خروج الامور عن السيطرة.
التوافق اليمني أعاد المشترك الى السلطة بنصف مقاعد الوزارة فقط مدعما بالية لا تسمح لأحد المتوافقين باحتكار القرار في الحكومة والبرلمان. غير ان هذا التوافق منح المؤتمر ميزات متقدمة في الإبقاء على كامل الطاقم السابق دون تغيير ويشمل ذلك المحافظين ومن في مستواهم الى ادنى مرتبة وكذا القيادات العسكرية والأمنية والمؤسسات التي تتبع مباشرة الرئيس السابق. الأهم من ذلك هو ترك موضوع حسم أي خلاف حول اية قضية لم يتم التوافق عليها لتقدير أمين عام المؤتمر الشعبي العام بصفته الجديدة التوافقية. الرعب في التوافق اليمني لا يتصل بالحقائب الوزارية بل بالأوراق التي يمتلكها كل طرف. فصالح وعائلته ما زالوا يحتفظون بقوة عسكرية ضاربة يضغطون بها عند كل تفاوض لفرض شروطهم, مضاف اليها سلة الثعابين التي يمتلكها صالح ويستطيع إطلاقها في اية لحظة على خصومه دون اية ضمانات بعدم تضرر الأبرياء. وتعتبر ورقة القاعدة بجميع تسمياتها المتنوعة من جيش عدن أبين وأنصار الشريعة وغيرها, واحدة من اخطر ثعابين صالح التي اثبتت فعالية عالية وسرعة في التحرك والتنفيذ والاستجابة لمتطلبات المعركة السياسية القائمة بين حلفاء الأمس خصوم اليوم التوافقيين.
ان ما يقيد جماعة صالح وتوابعهم عن الهجوم المباشر هو يقينهم بان خصمهم اليوم هو شريكهم بالأمس ولديه معرفة تامة بأغلب أوراقهم وعناصرها وطريقة تحريكها, مما لا يسمح لصالح وأتباعه بالاطمئنان بانهم يمتلكون عنصر المباغتة. فقد أثبتت له معركة الحصبة وصوفان بان كل ما يمتلكه من ترسانة عسكرية وامنية لم تستطع السيطرة على منزل واحد او إصابة أي من ساكنيه, في حين استطاع خصومه أصابته شخصيا في عقر داره الحصين. يضاف اليه الورقة الدينية التي يستطيع خصومه التلاعب بها على هواهم وتحريكها ضده بطريقة قد لا يكون مستعدا لمجابهتها.
ان ما يجعل التوافق اليمني مرعبا ليس فقط بقاء موازين القوى على حالها والانتشار الواسع للمقاتلين والأسلحة في ساحات حرب افتراضية على طول اليمن وعرضها, بل تحول الخصومة السياسية الى عناد أهوج لتركيع الأخر ورد الاعتبار, وهو ما تشير اليه الاستعدادات القتالية لكل طرف والمصحوبة بحرب اعلامية ونفسية شرسة لضرب معنويات الخصم وتدمير قاعدته الشعبية.
ان الرعب في موضوعنا لا يشمل أطراف التوافق المرعب لانهم جميعا على اطلاع بما يدور حولهم وعالمين بخفايا لعبة الموت وجاهزين للرد الحاسم, لكن رعب التوافق اليمني ينحصر بالمواطن العادي مثلي, الذي تتخبطه اخبار الموت اليومي في كل مكان. فالعمليات الوهمية لأنصار الشريعة يتبعها قصف بري وجوي لا يستهدف تلك المجموعات التي يقتل قادتها اكثر من ثلاث مرات في التصريحات الرسمية, بل يستهدف المواطن العادي وممتلكاته والبنية التحتية التي تقدم خدمات اساسية له. كذلك فان عمليات الخطف والتفجيرات وسط الاحياء السكنية وفي وضح النهار والذي قد يتبعه القتل المباشر, لا يشكل تهديدا ذا قيمة بالنسبة للمتوافقين الذين لا يعانون منه. الأدهى من ذلك هو اللعب بالخدمات الضرورية للمواطن في كل جولة من جولات التوافق لفرض الشروط, حيث تعود الكهرباء والانترنت الى الانقطاع ويختفي البترول والغاز الى ان يتفق الخصوم على صيغة لأي إشكال بينهما تفرج بعدها الامور وتعيد الحياة الى طبيعتها.
لقد اعتاد المواطن البسيط على كل تلك الالاعيب الجنونية بين أطراف التوافق وتأقلم معها دافعا فاتورتها الباهضة كرهاً, غير اننا نلاحظ تطور تلك الاساليب القذرة التي تستهدف المواطن لتجعل منه ورقة ضغط ضد الخصم والتي وصلت الى معارك مسلحة في الأحياء السكنية لا يقطنها المتوافقين وبعيدا عنهم.
من ابرز ملامح التوافق اليمني المرعب هو ما تم في جلسة برلمان التوافقيين يوم السبت 24 مارس 2012م من مشادّات كلامية بين الدواب, ومناكفات, وتنظيرات وجدال عقيم يصفون به بعضهم البعض بالتذبذب وانعدام المبادئ, تخللتها فوضوية ودق الالواح الخشبية واتهامات بالطائفية والمذهبية ختمها نائب بالقول للراعي (الله لا ابراك ولا سامحك). فهذا المجلس ليس لديه ما يفعله, غير المكايدات, والمهاترات والكلام البعيد عن الفعل, كما هو الحال لدى البركاني الذي يشترط لهيكلة الجيش شركة خاصة وبعد انتهاء المرحلة الأولى التي لم تنتهي بالنسبة له رغم الانتخابات الرئاسية.
في الثلاثاء 27 مارس - آذار 2012 08:16:35 م