إلى المتباكين على دماء الشهداء .. كفكفوا دموعكم (!)
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 25 يوماً
الأحد 22 يناير-كانون الثاني 2012 05:43 م

لم يُذكَر أن سمع أحدٌ أحدًا من الشباب الثائرين في ميادين الحريات والكرامات وجُمع الساحات؛ أنه وصى أحدا من أقاربه أو من شباب الثورة أنه أن يأخذ له بثأره إذا ما حصل له مكروه ما؛ فالشهداء العظماء لم يكن في همهم ولا في رغبتهم ولا من أهدافهم أن تتحول أهداف الثورات إلى ساحات لأخذ الثارات؛ إنما كان لسان حالهم - مخاطبين إخوانهم الثوار الذين هم سائرون على دربهم - امضوا واستمروا على الطريق والدرب نفسه؛ والذي هدفه الوحيد والأكيد هو تغيير النظام وبناء يمن جديد؛ فتلك كانت أمنية الشهيد وحلم ذوي الشهيد؛ فكل من هو في ميدان الفعل والتغيير وفي ميدان السياسية؛ قد جعل نفسه مشروع شهادة لأجل ذلك الهدف النبيل. 

إذا هناك مسلمة مفادها: "إن كل من خرج إلى ساحات وميادين الثورة وكل من شارك ويشارك في جُمعِها ومسيراتها؛ معرض للموت في أي لحظة وفي كل لحظة، وقد جعل روحه في كفه مقدما إياها هبة لوطنه، مستشعرا قول الله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة). ثم ول الشهيد الزبيري: 

بحثت عن هبة أحبوك يا وطني فلم أجد إلا روحي الدامي

فالبائع الشهيد والمشتري الله عز وجل والثمن الجنة والشهيد هو من قبض ذلك الثمن ورضيه تمام الرضا؛ فكل من خرج ويخرج إنما يخرج متاجرا بسلعة هي في غاية النفاسة والقداسة عند الله؛ (النفس) قاصد بيعها لأعز وأكرم مشترٍ؛ هو (الله)، فنعم البائع الذي باع ذلك البيع؛ ونعم السلعة التي قبضها البائع (الشهيد) ورضيها. إذا لم يقم أحد ببيع دماء الشهداء ولم يقبض أحد ثمن تلك الدماء، فالبائع هو الشهيد نفسه والمشتري هو الله عز وجل الذي اصطفاه للشهادة، والثمن الذي قبضه الشهيد ورضيه تمام الرضا هو (جنة عرضها السموات والأرض)؛ كما أن هناك ثمنا يقبضه ذوي الشهيد من الشهيد نفسه؛ حيث إن الشهيد يُشفَّع في سبعين من أهل بيته. فهنيئا للشهداء ولذوي الشهداء تلك التجارة الرائجة والصفقة الرابحة.

وبناء عليه فإنه لا داعي للتباكي على الشهداء وعلى ذويهم، بل الأولى والأفضل أن نبكي ونتباكى على أنفسنا؛ لأن الله لم يمنحنا ذلك الشرف العظيم ولم يقبل عرضنا وسلعتنا؛ فسلعتنا – لعلها - باءت بالكساد والخسارة؛ فقد لا يكون بعضنا أهلا للشهادة ونيل شرفها وعظيم أجرها؛ بيد أن سنة الله تبقى هي الحاكمة والمتحكمة في هذا الأمر؛ (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). فالذين لم يمنحهم الله شرف الشهادة هم ما زالوا مستمرين في طريقها وفي طريق حلم الشهيد وذوي الشهيد في نشدان اليمن الجديد؛ فذلك هو خير عوض لدم الشهيد وأفضل مدد لذوي الشهيد. 

إن مأساتنا ليست في من يبكي الشهداء من إخوانهم الثوار إذ ما زالوا مستمرين على درب الشهيد نفسه مصممين على تحقيق هدفه وهدف ثورته؛ بل إن مأساتنا تكمن في الذين يتباكون على دماء الشهداء ولم يشارك أحدهم ولو حتى لمرة واحدة في فعاليات الثورة أو حتى إحدى فعالياتها؛ ليجعلوا أنفسهم ذلكم المتباكون في صورة التماسيح التي تسيل دموعها في الوقت نفسه الذي تقطع أنيابُها فريستَها؛ نعم صار المتباكين اليوم تهمهم دماء الشهداء وقد كان الشهداء في الأمس مثار تهمة عند هؤلاء المتباكين والذين جعلوا أنفسهم تارة أخرى في صورة إخوة يوسف؛ الذين رموا أخاهم في غيابة الجب ثم كانوا هم أنفسهم أول المتباكين عليه فكانت عيونهم تبكيه وقد سبقتها أياديهم باغتياله، وهؤلاء المتباكين بألسنتهم يسلكون السلوك نفسه؛ فبعضهم أو أغلبهم كان له (خزي المشاركة) في استباحة دماء الشهداء أو على الأقل المساعدة على ذلك؛ حيث كانت كتاباتهم وألسنتهم بالأمس تسبح بحمد السفاح؛ واليوم هم من أول المتباكين على من اغتالتهم يد السفاح، وهم في حقيقة أمرهم لا يبكون الشهداء إنما في حقيقة أمرهم يبكون من تسارع خطى الثورة نحو النجاح وتحقيق أهدافها وأن لبكائهم الكاذب أن يعكر صفوها ويحد من تسارعها !!!

إن الشهداء لو علموا – وهم يعلمون – أن من إحدى ثمار استشهادهم – وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى – أن الثورة قد أنتجت أو ولدت رئيسا للوزراء ابتدر مشواره السياسي بالبكاء؛ لكان ذلك بحد ذاته كافيا لأن يرتاحوا في تربتهم – وهم مرتاحون - بل ويرتاح معهم ذويهم؛ فبكاء باسندوة أحسبه قد خفف كثيرا من المعضلة، وطبب الكثير من جروح ذوي الشهداء؛ لأن ذلك البكاء هو أحد أمارات وعلامات قبولهم شهداء عند الله إن شاء الله. فلأن تحظى حكومة الوفاق بمثل هكذا رئيس تنشج دموعه مآسي الوطن والآباء، وفي الوقت نفسه تنشد رفعته وتخط حروف نهضته ومستقبل أطفال الشهداء وأطفال اليمن جميعا؛ لهو خير دليل على أن اليمن وثورته سائران في الطريق الصحيح وأن دماء الشهداء لم تمشِ ولن تمشي هباء؛ هكذا حكت لنا دموع باسندوة؛ ماضٍ ملتهب وحزين خرج الشباب - بمن فيهم من أكرمهم الله بالشهادة - ليغيروه؛ فجميل وأي جميل أن تلد الثورة رئيسا للوزراء ابتدر مشواره السياسي بالبكاء على ما اكتنف اليمن وأبناءه في عهد (اللاصالح) من مآسي؛ لتكون ولادة الثورة له أشبه بالولادة الحقيقية التي يولد فيها الطفل على الفطرة باكيا؛ فتلتقفه أيادٍ محبه تمسح دموعه وترضعه مشبعة جوعه.

أتمنى أن يكون الجميع قد وعى مغزى تلك الدموع وذلك النشيج والنشيد؛ ليمضي الجميع نحو صنع يمن جديد وفي ذلك تمام الرضا للشهيد وذوي الشهيد؛ لأن تغيير النظام وبناء يمن جديد هو هدف وأمنية الشهيد ومن أجله قد قدم روحه ووهبها لليمن، وذلك الهدف ماضٍ نحو اكتماله وإن كان عبر منح الحصانة لمن لا يستحقها؛ لكن يبقى أن نقول: إن علي صالح وإن أسعفته قوانين البشر؛ فإن قوانين السماء قريبا ستجعله ضمن الأحاديث والعبر ولكنكم قوم تستعجلون ويكفيه الآن أنه سيرحل ويخرج من يمننا مذموما مدحورا غير مأسوف عليه. ثم إن سنة الله قضت في الجبارين أن يؤجل لهم العقاب في الآخرة فلم لا تكون نفوسنا راضية بقضاء الله وقدره ولم لا تنتظر في الظالمين لطائف عبره (!)