ماذا أبقى المجرم لنا من سِلْم؟
بقلم/ عبدالعليم العثماني
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 01 يونيو-حزيران 2011 04:51 م

يحكى أن راعيا كان يملك نعاجا ترعى بسلام في أرضٍ خضِرة إلا أنه كان يتملكه الخوف على نعاجه من الذئاب التي حكى له عنها آباءُه وأجداده كثيراً وكيف أنها تفتك بالنعاج ولا تبقي شيئاً. فهداه عقله البسيط أن يشتري كلاباً لحراسة مزرعته ونعاجه، ولما كان الليل نبحت الكلاب جوعاً، فقرر أن يذبح لها إحدى نعاجه كمكافأةٍ لها على حراستها للمزرعة والنعاج. وفي الليلة التالية زاد نباح الكلاب فذبح لها نعجةً أخرى وفي الليلة الثالثة كذلك واستمر على ذلك الفعل حتى أوشك على انهاء قطيعِه من النعاج. فلا هو أسلم نعاجَه ولا هو تخلص من خوفه من الذئاب....

هل ياترى هذا هو حالنا – مع فارق التشبيه طبعا – في خوفنا من بطش الحاكم والزحف على قصوره وانتزاعها من بين مخالبه بينما هو يرسل كلابه للفتك بفلذات أكبادنا واستنزاف أرواحهم الطاهرة النقية؟ كم ياترى كان سيسقط من شهداءٍ نفقدهم في هبةٍ واحدةٍ منظمةٍ سريعةٍ وخاطفةٍ نحو القصور الرئاسية والمنشئات الحكومية؟ وكم كنا سنحفظ من أرواح؟ ناهيك عن المعاناة الانسانية المستمرة من انقطاع للماء والكهرباء والغاز والبترول والعقاب الجماعي المسلط على الشعب اليمني منذ شهور. أخبروني: من أجل ماذا يقتل الشباب في ساحات التغيير والحرية – بل والمئات منهم؟ هل من أجل "سلمية" الثورة وبياضِ صفحتها؟ أم من أجل رحيل الطاغية المخلوع فوراً أو ترحيله؟ هل أمست التسمية لدينا أهم من الإنجاز والنتيجة وأغلى من أرواح الشهداء؟ هل– يا عالم – تنتظرون بصبركم هذا أن ينبت لهذا المجرم ضمير أو أن يرشد له عقل بعد أكثر من 4 أشهرٍ من الثورة "السلمية" وهو الذي يقتل الشباب دون رادعٍ ويسفك الدماء دونما زاجر؟

إن هذه المثالية "اليوتوبية" هي ما يجب أن نتخلص منه أولاً؛ فلم تكن ثورتنا سلميةً تماماً ولن يكتب لها النجاح لو كانت كذلك؛ ليس مع هذا المجرم الدنيء قطعا. ولنعلم يقينا أن المرونة في التعامل وعدم إلغاء الخيارات الأخرى واعتبار الحلول الممكنة بعد دراستها هي الضامن للنجاح في كل شيء.

هاهو الطاغية يقتل العشرات من أبنائنا وإخواننا ذوي الصدور العارية يومياً في صنعاء وتعز وعدن وأبين وغيرها بدماءٍ باردة وأمن من العقاب وأمان من العاقبة. هؤلاء الشهداء الذين افتدوا وطنهم بدمائهم الزكية لم يقدموا على تضحيتهم تلك إلا إيماناً منهم بعدالة قضيتهم وثقةً فيمن وراءهم أنهم لن يخذلوهم وسيثأروا لدمائهم؛ فكان ردنا وياللأسف: "سلمية سلمية".

ومما يثير الاستغراب أكثر هو ما يوحي به البعض من أن الحراك والنضال السلميين والمطالبة بالحقوق والحريات وانتزاعها يتناقض مع حق الدفاع عن النفس المشروع في كل الأديان والقوانين والذي يكفل للمعتدَى عليه حقه في أن يرد اعتداء المعتدِي بكل مايراه مناسباً بما في ذلك العنف. ولا أظنني أذيع سراً أذا قلت أن المبدأ اليسوعي "إدارة الخد الآخر" الذي يتم تطبيقه – بقصدٍ او دون قصد – هو السبب الأول والرئيس في تأخر الحسم في هذه الثورة "المعركة" منذ انشقاق الجيش على إثر أحداث يوم جمعة الكرامة الدامية.

ألم يقدم المصريون – ولله درهم – بحرق جميع المقار الأمنية في السويس وكثيرٍ منها في المحافظات الأخرى بعد أن استخدمتها قوات الأمن والبلطجية لقتل المتظاهرين السلميين؟ ألم يطلق العالم على ثورتهم – على الرغم من ذلك – لقب الثورة السلمية "الملهِمة" إذا كانت التسمية ما تهمكم؟ أم أن فِعلهم هذا قد جرح في هذا الوصف الغالي؟ ألم يقم التونسيون – وهم الشعب الأعزل – بتشكيل لجانٍ شعبية من أبناء الأحياء لحماية مناطقهم من اعتداءات المجرمين والبلاطجة؟ أين نحن من مثل هذه المبادرات والأفعال الثورية؟

ولنفترض جدلا بخطأ من يقول أن الزحف واسترجاع المؤسسات الحكومية – المدنية والعسكرية – فقط لأن الثورة بدأت سلمية ويجب أن تنتهي سلمية؛ أخبروني إذاً: ما هي خطوتكم التالية؟ ما بديلكم؟ ما هو الحل الناجع الذي ترونه قادر على أن يخلص هذه الأمة وهذا الشعب من أحقر مجرم وأتفَه زبانية؟ ما هي استراتيجيتكم لوقف الاعتداءات المتكررة على الشباب الأعزل وقتلهم جهارا نهارا؟ هل هو بإنزال شريطٍ "ثوريّ" جديد يبعث الحماسة في أرواح المتظاهرين الصامدين؟ أم بمسرحية هزلية تثير إعجاب مشاهديها من أنها صورت الوضع الحالي بطريقة فنية سمجة وهو الوضع الذي يدركه أصغر طفل في ساحات التغيير؟ أم ياترى يكون الحل الملهم باستجداء دول الخليج ليضغطوا على صالح لتوقيع المبادرة وهي الورقة التي من شأنها أن تغسل يدَي صالح ومجرميه من دماء شهدائنا وجرحانا.

بعد أربعة أشهر من الثورة السلمية والصبر الأيوبي على جرائم النظام واستفزازاته التي لم تجد من يلجمها؛ أصبح لزاماً على الشباب والقوى الوطنية المختلفة من أحزاب وقوات مسلحة وقبائل ومنظمات مدنية أن يلجأوا للتصعيد الثوري الجدي والمنظم كآلية دفاعٍ عن النفس أولاً. ولست هنا لأسرد الخيارات العديدة للتصعيد ودعم الثورة التي تغافلنا عنها؛ فهناك في قيادة الشباب والأحزاب والقوى العسكرية من هم أدرى واعلم بها؛ وهي – أي الخيارات – أوسع وأكبر من أن تذكر هنا.

وكما أني أسأل الله تعالى أن يحقن دماء الأبرياء وأن يعجل لهذا الثورة بالنصر لتقرّ أعين أمهات الشهداء، وينعم هذا الشعب بخيرات وطنه؛ فإنني أعلنها هنا بصوت راجٍ: "بحجر الله" "وأسألكم بالله" أن لا تدجّنوا الثورة والثوار؛ واتخِذوا – بدلاً عن ذلك – مواقفَ وأفعالاً أكثر إيجابية وتصعيدية لتوقفوا بها إزهاق المزيد من الأرواح الغالية من أجل ما تسمونه "سلمية" وما يسميه غيركم "سلبية".