دوافع إصرار الحوثي على الشعار
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 10 أيام
الجمعة 03 يوليو-تموز 2009 06:55 م

لا ريب أن التأثّر الخارجي في أمر الشعار لا يستأهل مزيد تدليل بالنظر إلى ولادته، وملابسات انتشاره، ولكن ذلك لا يعني- من وجهة نظر الباحث- أن ذلك التأثر دليل تبعية مقصودة لإيران أو لحزب الله أو سواهما- في سبيل التسويق للمذهب الجعفري في اليمن-. والأرجح - لدى الباحث- عدم قيام تنسيق مسبق، أو أنّه أمر دُبِّر بليل مع أي طرف خارجي، بالنظر إلى موقف حسين الحوثي الصارم المختلف إلى حدّ كبير مع المذهب الجعفري، بل الرافض بشدّة انتهاج أيّة محاولة لإحلاله في اليمن. ويعزو الباحث ذلك التأثر إلى إعجاب عاطفي جامح لدى الحوثي بفكر الخميني ومنهجه في عملية التغيير، إلى الحدّ الذي أفقد الحوثي القدرة على التمييز بين الخصوصيات ومدى ملائمة البيئة اليمنية لذلك، رغم تحذيره من استيراد المذهب الجعفري وإحلاله في اليمن- كما تقدّم- ثمّ جاءت الاعتقالات في صفوف أتباعه، فالمواجهة العسكرية، مما جعل الموضوع يتحوّل إلى عناد وإصرار من الطرفين: الحكومي والحوثي، وهو ما يقتضي المراجعة والتقويم من كليهما.

وإذا كان للدولة منطقها- المقبول أو المرفوض من قِبل الطرف الآخر- حين ترى شعاراً (مستورداً شكلاً وموضوعاً)، تفرضه جماعة يمنية، تعيش على الجغرافيا الوطنية، ثم تأبى الانصياع لما تعدّه الدولة واجبها في تحصين المساجد من أية أنشطة تشير إلى الارتباط بجهة خارجية على نحو لا يقبل الجدل- بصرف النظر عن النوايا والدوافع- ولا شك أنّه يستفّز عامة المصلين، ممن يختلفون مع الفكر الحوثي ومذهبه، سواء من أبناء المذهب الشافعي الأكثر انتشاراً، أم حتى من المختلفين فكرياً وسياسياً مع رافعي الشعار ومصدره الأصلي والفرعي، وكثير منهم ينتمون إلى المذهب الزيدي، بل إن بعضهم ينحدرون من سلالات هاشمية، هذا ناهيك عن أن الشعار يمثّل حرجاً خارجياً لها أمام الولايات المتحدة التي تقيم معها اليمن علاقة دبلوماسية واتفاقات ثنائية ودولية؛ إذا كان للدولة ذلك المنطق فإن ما يستأهل التوقّف والمناقشة هو ذلك الإصرار العنيد الذي يتسّم به الموقف الحوثي، بحجّج عِدَّة منها كونه أقل الأساليب أو الوسائل لمواجهة الطغيان الأمريكي والصهيوني.

من هنا يغدو ذلك التساؤل أمراً مبرّراً- في اعتقاد الباحث- بعد أن بلغت فتنة الشعار، ذلك المبلغ، وبعد أن وقعت بسببه من المفاسد الناجمة عن ترديده، ما لم يعد خافياً على أحد، سواء في ذلك إزهاق الأنفس، أم التسبب في حملة الاعتقالات على ذلك النحو، أم جرّ البلاد إلى فتنة عمياء، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني المستفيد الأول والحقيقي منها. ومهما قال الحوثيون بأن ذلك الانزعاج من الشعار من قبل الولايات المتحدة، والتوجيه إلى السلطات اليمنية، بطمسه، واعتقال مردّديه، دليل تأثيره، وآية قوّته؛ بخلاف حديث غيرهم مما يقدّم للاستهلاك المحلّي؛ فإن خصومهم سيردّون بأن ليس ثمّة انزعاج حقيقي من قبل الولايات المتحدة، مستشهدين بما قاله يحي بدر الدين الحوثي في حواره مع إحدى المواقع العربية من أن" الحكومة اليمنية شجّعت بادئ الأمر شقيقه حسين على انتقادات ضدّ واشنطن، وعملت على إيجاد مناخ محرِّض في هذا الاتجاه، للفت نظر الولايات المتحدة إلى عدو مفترض في اليمن. وشدد الحوثي على أن الزيديين في اليمن "لا يعادون أحدا" و"عاشوا طوال تاريخهم في اليمن وبين ظهرانيهم مسيحيون ويهود من دون أن يلحقوا أذىً بهم"، (حوار العربية نت مع يحي بدر الدين الحوثي، 26 أبريل 2005م).

كما سيردّ عليهم خصومهم بعدم إدراج حركة الشباب المؤمن ضمن قائمة الإرهاب الأمريكية، كما فعلت مع منظمتي حماس وحزب الله وسواهما من الحركات المفزعة حقّاً للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، مع إعلانهما- حماس وحزب الله- المستمر بأن معركتهما مع العدو الصهيوني في إطار الأراضي المحتلة لا خارجها !! ولم يحدث في أيّة مرحلة من مواجهات الحركة الحوثية مع السلطات اليمنية، أن هدّدت الإدارة الأمريكية أو لوحّت بالقيام بذلك، رغم كل ما فعلته الحركة من تحريض ضدّها، ومع الإصرار المستميت في سبيل الشعار، علاوة على الحرص الذي لا تخفيه السلطات اليمنية- بحسب بعض المصادر- في سبيل إدراج جماعة الحوثي ضمن قائمة الجماعات أو المنظمات الإرهابية، حتى إن زيارة الرئيس صالح للولايات المتحدة أثناء اشتعال الحرب الرابعة في 2007م، حملت أولوية الإدراج تلك في مقدّمة أجندة المباحثات مع الإدارة الأمريكية، مع أن بعض المصادر كانت قد ذهبت حينذاك إلى أن بعض أركان الإدارة الأميركية في الكونغرس المعارضين لسياسة بوش لم تر في الحوثيين سوى جماعة دينية مختلفة إلى حد ما عن الجماعات التي تصفها بالإرهابية، تلك المرتبطة بتنظيمي القاعدة والجهاد، ناهيك عن عدم وجود أدلة ملموسة تثبت ارتباطها بإيران وفقاً لاتهامات السلطات في صنعاء، (راجع تقريراً حول القلق الأمريكي من استمرار حرب صعدة، حمود منصر، صحيفة الوطن السعودية).

وذلك ما اعترف به يحي الحوثي صراحة في حواره مع إحدى القنوات حين سئل "هناك حديث عن مسعى أوروبي لتحويل أو تصنيف الشباب المؤمن كتنظيم إرهابي هل تلمستم ذلك؟ وكيف يمكن أن تتعاملوا مع الوضع إذا صحّ ذلك؟

فأجاب بما فحواه أن هذا مسعى الرئيس صالح منذ بداية الحرب "لكن لم ترضَ دول التحالف ولم توافق على أن تجعلنا يعني أن تصنفنا كحركة إرهابية"، (يحي الحوثي، حوار مع قناة العربية، برنامج بانوراما: ما حقيقة التدخل الإيراني في اليمن عبر بوابة الحوثيين؟) بل إنه لم يعد سرّاً – بنظر متابعين- أن أحد أبرز أسباب إيقاف الحرب الخامسة – بوجه خاص- على ذلك النحو المفاجئ ما لمسته السلطة اليمنية من ضعف – إن لم يكن انعدام- الرغبة الأمريكية في الوقوف مع السلطات في صنعاء حتى النهاية تجاه أزمة صعدة، وهو الهاجس الذي ذهب بالسلطة إلى حدّ التوقّع شبه المؤكَّد أن تستغل أحداث صعدة للتدويل، وأن تصبح دارفور جديدة!

كما قد يستشهد بعضهم بتصريحات سابقة لنائب السفير الأمريكي بصنعاء نبيل خوري، حين أبدى انزعاجه الضمني من تصريح سابق لرئيس الحكومة اليمنية علي محمّد مجوّر في كون الخيار الوحيد لمشكلة صعدة هو الخيار العسكري، في حين نصح خوري باستنفاد كل الخيارات السلمية، معلّلاً أن كل حرب لا بد أن تنتهي بسلم، وكل سلم لا بد أن يكون له شروط معيّنة، (راجع تقريراً حول القلق الأمريكي من استمرار حرب صعدة، حمود منصر، صحيفة الوطن السعودية). وهكذا فلن يعدم كل طرف أن يسوق جملة من الحجج، لنظل في الدائرة المفرغة ذاتها، لذلك فإن موقف الحكمة يقتضي إعادة النظر في الأمر- إذا ظل للحكمة صوت في حال شبه الصمت المطبق أمام صوت البندقية-.

وإذا كان ثمّة مندوحة للمسلم أحياناً في أمور مقطوع بحرمتها عند الضرورة، كالنطق بالكفر، مع اطمئنان القلب بالإيمان، فكيف بأمر اجتهادي، ذي ملابسات بيئية وظرفية خاصة. ولا نعلم نصّاً في القرآن الكريم أو السنة المطهرة، يدعو إلى تبنّي ذلك الشعار، أو الاستماتة في سبيله، بل إن الباحث – شخصياً- ليتحفّظ على جملة (اللعنة على اليهود) فذلك تعدٍّ لا يجوز مشايعته، إذ اليهود ليسوا جميعهم- خارج فلسطين- أعداء محاربين، ففيهم الذمِّي، وفيهم المستأمِن، والنهي عن البر والإقساط إنما ورد في حق المعتدين الظالمين المحاربين، أمّا من عداهم فلا بدّ من البرّ بهم والإقساط إليهم: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم، ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة: 8-9]. فثمّة مسالمون ذمِّيون، كمن يعيش بين ظهرانينا في اليمن، وقد أصبحوا مواطنين يمنيين، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، أو مستأمنون دخلوا البلاد بعقد أمان هو (التأشيرة)، وهذا كفيل بصون كامل حقوقهم. كما أن اليهود أو النصارى ليسوا سواءً في اختلافهم معنا، وهذا ما وجّهنا إليه القرآن: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون}، (آل عمران: 113- 115).

ما الذي يضير الإخوة الحوثيين لو أنهم تداركوا الفتنة العمياء التي كان الشعار فتيلها الأول، وتذكّروا أن استيرادهم للشعار بكل ملابسات البيئة الزمانية والمكانية يمثّل خللاً في الرؤية إلى واقع اليمن وتحدّياته ذات الطابع الخاص؟

ولا يليق بالحكماء أن ينظروا إلى الأمر من زاوية واحدة هي زاوية العداء لأمريكا وإسرائيل فحسب، لتستخدم الوسائل ذاتها التي يستخدمها الآخرون. ولو صحّت هذه الرؤية -رغم اختلاف الظروف والملابسات- فليس ثمّة أبلغ في البلاء والجهاد اليوم من جهاد أبناء فلسطين وبلائهم، وفي غزّة بوجه خاص، فهل سيقبل دعاة الحوثية أن ينادي في اليمن من يتماهى مع خطّ مجاهدي فلسطين وفكرهم ليتبنّى استراتيجيتهم في المقاومة في اليمن – على سبيل المثال- وأن يرفعوا – من ثمّ- شعاراتهم ذاتها في المساجد، وأن ينقل كل ما يجري على أرض غزّة إلى هذا القطر أو ذاك، بكل تفاصيله وملابساته؟ وتخيّلوا ماذا لو قام بعض المعجبين بحركة حماس (ولا تنسوا أن حماس جزء من حركة الإخوان المسلمين السنّيّة) لنجد أنهم فجأة يصرخون دفعة واحدة، وبصوت واحدٍ مدوٍ، عقب كل صلاة جمعة-مثلاً- (الله غايتنا- الرسول قائدنا- القرآن دستورنا- الجهاد سبيلنا- الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، ومن وقف أو اعترض أو قال بأن هذا شعار حزبي خاص بجماعة معروفة، ظهرت في بيئة خاصة، في ظرف خاص؛ فإن ردّهم الجاهز سيكون: وهل يختلف من يعترض أو يرفض مع منطوق ذلك الشعار؟ أم أنّه من أعداء الجهاد، ومن حلفاء الصهاينة، وضدّ الرسول والقرآن!! وهنا سيبرز بيت القصيد، أي المراء والّلدد في أوضح معانيه. ولقد كنّا في غنىً عن ذلك كلّه. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا كلّ ذلك العَنَت والافتتان، بما لم يأمرنا به الله أو رسوله عليه الصلاة والسلام؟!

إن الأمل ليحدو المخلصين أن يسعى كل ذي مشروع بنّاء لبلورته وفق ما أوتي من قدرات وإمكانات سلمية مشروعة، تسلك مسلك بناة الحضارة، الذين يعملون أكثر مما يتحدّثون، ويدعون إلى وحدة الصف بمسلكهم قبل شعارهم، وينتمون إلى الأمّة كلّها،عوض الانتماء إلى العائلة، أو السلالة،أو العشيرة، أو المذهب، أو الطائفة، أو الحزب، حين تتحول هذه العناوين إلى مقاصد بذاتها، إذا ما أرادوا أن يقدّموا أنفسهم حلّاً مجتمعياً، بديلاً لوضع الأزمة الشامل، ليتمكّنوا من مواجهة الفساد المستشري على كل الأصعدة، جنباً إلى جنب مع القوى الحيّة الفاعلة في البلاد، بعيداً عن حصر المشكل في بُعدٍ واحد، أو مجالٍ واحد، على حساب بقيّة الأبعاد والمجالات.

 

* ملحوظة:

الحلقات التسع السابقة جزء مختار من كتاب سيصدر للكاتب نصّه الكامل قريباً بإذن الله