بعد مرور نصف عام... هَلْ سَقَطَ النِظَامْ ؟!
بقلم/ طارق فؤاد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 16 يوماً
الأحد 31 يوليو-تموز 2011 04:42 م

منذ أن خرجت جموع الشعب اليمني إلى الساحات في بداية شهر فبراير من العام الحالي والصرخات تتعالى مطالبة بإسقاط النظام ، وشهد عمر ثورة الشعب اليمني عدة تحولات وتغيرات وتطورات ، كان من بينها تباين المواقف الخارجية وتقديم المبادرات ، ثم بعد ذلك حصلت قصة تفجير جامع (النهدين) في دار الرئاسة ، وبعدها خرج الرئيس – كما يقال – للعلاج في السعودية ، واستلم العميد أحمد علي مقاليد السلطة فعلياً ، وأصبح يدير البلد في ظل صمت عبد ربه منصور المسؤول الدستوري عن البلد ، وظهرت بعد ذلك سياسة العقاب الجماعي لأبناء الشعب اليمني في أقسى صورة ، فاختفى الديزل والبترول ، وارتفعت أسعار جميع السلع بمختلف أنواعها وأغراضها ، وانقطعت الكهرباء عن الجميع ، وحلت المصائب بالشعب اليمني الذي هو أصلاً في (معمعة) المصائب من زماااان !.

ولكن ، مع حالة الحصار المفروض على الشعب اليمني ، ومع كل التطورات والأحداث المتلاحقة برز السؤال الذي يؤرق الملايين ، وهو ... هل سقط النظام ، وما الذي حصل في نصف عام ، نصف عام من الثورة ، والعزة ، والكرامة ، رغم الألم ، والمعاناة ، والعذاب ؟!

الشعب يريد إسقاط النظام :

أعدتُ النظر والتفكير في الشعار الذي ظلت جموع الشعب اليمني تهتف به ، فوجدت أنه نفس الشعار الذي ظلت حناجر أبناء تونس ومصر وليبيا ومن ثم سوريا ، وهو الشعب يريد إسقاط النظام .

ولطالما كان هذا الشعار هو المعزوفة الرائعة والسيمفونية الخالدة التي أمتعت الملايين ، وقد نجحت هذه المعزوفة في إقصاء وإبعاد أعتى الأنظمة وأقوى الحكام ، ونجحت الثورة في تونس ومصر رغم ما ظهر الآن من أحداث في مصر ، وهي في رأيي أمر طبيعي في ظل عدم ملامسة الناس لأشياء لها فائدة في حياتهم ، ونتيجة أيضاً عدم بدء محاكمة رموز النظام المخلوع وعلى رأسهم الفرعون مبارك .

ولكن ، ما حصل في اليمن كان مختلفاً رغم أن الشعار كان نفس الشعار ، بل أن أصوات اليمنيين ظلت فترة أطول من مثيلاتها في الدول المتحررة وهي تنادي بهذا الشعار الخالد ، هتف الملايين :الشعب يريد إسقاط النظام ، ولكن ما حصل لم يحقق أي فائدة حقيقية ، فقد حدثت في اليمن لعبة كبيرة و(مسرحية) سخيفة لا بد من أنها ستنفضح على الملأ ذات يومين .

فما حدث أن الرئيس المخلوع والفاقد لشرعيته غادر البلاد – كما يقال – للعلاج ، ولكن تمسك أولاده وأولاد أخيه وأزلامه بالحكم لم يغير من واقع اليمن شيئاً ، بل إن الأمور سارت إلى الأسوأ ، واتجه اليمن إلى شفير الهاوية والمنحنى السحيق ، ودخل البلد في (النفق المظلم) الذي لطالما حذر منه حكيم اليمن المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر ، وذلك بفعل سياسة إدارة البلد بالأزمات ، والتعامل مع اليمن وشعبه من قبل أولئك (الصِبيان) كأنها ملك الوالد ، لذا فلا يجوز التخلي عنها ، فسعوا إلى التمسك بها ولو على حساب حياة الشعب بأكمله .

لذا ، فالمواطن اليمني لا يشعر بأن الثورة حققت مرادها ، ولأن أكثر من نصف اليمنيين يعانون من الأمية والجهل فإن الخشية من أن تتحول آراءهم إلى آراء مضادة للثورة ، فالواجب الآن هو الإسراع في الحسم الثوري ، ولا داعي لكثرة المناقشات والمناورات السياسية ، فقادة الأحزاب جميعاً لديهم بترول ، وتمتد موائدهم بكل ما لذ وطاب سواء كانت أحزاب سلطوية أو معارضة ، أما المواطن فيموت جوعاً ، ويتعرض لكافة التهديدات ومنها القتل وهو يقف في طابور البترول ، المواطن هو المتضرر الأكبر من تأخر حسم الثورة ، هو وحده من يتحمل كل الأعباء !.

هل المطلوب هو رحيل الرئيس فقط :

بعد أن وقعت أحداث جامع (النهدين) ظهرت العقلية الإبليسية لهذا النظام ، فقد غادرت جميع رموز وأركان الدولة والنظام إلى السعودية للعلاج ، وقيل أن صالح قد غادر أيضاً للعلاج ، وإن كانت هناك بوادر تشير إلى أن هناك (مسرحية) سياسية تم فبركتها وتمثيلها على أعين الملأ .

وبعد كل تلك الأحداث احتفل الثوار في كل الساحات والميادين برحيل الرئيس ، وقالوا أن ذلك بداية مسلسل الانهيار السريع الذي سيعقب رحيل صالح ، واستبشر اليمنيون خيراً ، وظنوا أن غيث النصر قد بدأ بالهطول ، وأن الجفاف الذي عانى منه الشعب طيلة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن سيتحول إلى (طوفان) هادر سيجرف معه كل أفراد النظام وأزلامه .

ولكن ، لم يتصور أحد أن الضحية التي ضحى بها أزلام النظام للبقاء في أماكنهم كان هو صالح نفسه ، فقد كان الخطاب الذي ألقاه صالح وهو بتلك الحالة أكبر تعبير عن حالة (الجُنون) الذي يفكر بها أبناء صالح ، ففي سبيل الكرسي ضحوا بصورة والدهم ، وفي سبيل ذاك الكرسي (اللعين) استرخصوا صورة والدهم التي كان يظهر بها بكل أناقة ووسامة ، فتحول الرجل إلى (مخلوق فضائي) لا يعرف أحد ما هو رغم كل العمليات التي قام بها ، هذا إن كان الأمر صحيحاً ، وكان صالح موجود في المسجد عند التفجير ، أما إن اتضحت الأمور وظهر أن صالح لم يكن موجوداً في المسجد فإن مخرج المسرحية قد أداها بكل إتقان ، وكاتب السيناريو قد أبدع في السيناريو رغم أن النهاية سيكتبها الشعب وليس ذاك الكاتب ، أما مسؤول (الماكياج) فقد أبدع وتفنن ، فقد ظهر صالح للأمانة وكأنه حالته حالة ، أما السبب الأول لنجاح الفيلم والمسرحية فهو (البطل) ، البطل الذي أدى دوره بكل احترافية ومهارة واتقان ، وظهر في الفيلم ظهوراً يستعصي على الكثير من الممثلين العالميين ، فكان لا يحرك أي جزء فيه ، وبدا كأنه مشلول ، وفي ظهوره الثاني ظهر بصحة جيدة مقارنة بظهوره الأول ، المهم أن الرجل ممثل محترف سواء كان حقيقة أم تمثيل ، وأفلامه المتكررة على الشعب منذ مسرحية صعوده إلى الحكم للانتقام من قتلة الحمدي كما قال حينها للشيخ الأحمر خير شاهد على ذلك.

إذن ، رحل الرئيس ، وكان هو كبش الفِداء لكي يعتلي أحمد ظهر السلطة غصباً عن أبو كل يمني ، فلا يهم من يكون كبش الفِداء طالما أن الحلم سيتحقق ، رحل الرئيس ولكن النظام لم يسقط ، لم يسقط حتى على أبسط مستوياته ، وإن لم يكن هناك حل فربما تشتد شوكة هذا النظام وتحاول القضاء على هذه الثورة التي سالت من أجلها الكثير من الدماء وذهبت في سبيلها عديد الأرواح . 

متى سيسقط النظام برمته :

هذا السؤال هو الذي يؤرق ملايين اليمنيين حالياً ، فقد طالت فترة الثورة رغم عدم اعتراضنا على ذلك فطول المدة يمكن أن يكون جزء من الحل ، ولكن في حالة أن تطول المدة مع استمرار المد الثوري ، وتبقى جذوة الثورة مشتعلة في كل الأرجاء ، أما أن يتوقف نبض الثورة لينتظر سياسة السياسيين ومفاوضاتهم ومناوراتهم فهذا مما يجعل النظام يستمر في إدارة البلد ، ومحاولة التأثير والقضاء على الثورة بكل الوسائل ومختلف الأساليب .

لذا ، يجب أن يستارع المد الثوري دون أن يكترث بأحد ، فهذا النظام لا يعرف الحق من الباطل ، ولا الحلال من الحرام ، ولا المفروض من المرفوض ، فكل شيء عنده لا يساوي شيئاً أمام الاستبداد بالحكم والتمسك بالسلطة .

لن يسقط هذا النظام ما دام السياسيين يريدون فرض كلمتهم على الثوريين ، فالسياسة لا تستخدم في الثورات إلا بحدود ، فالثورة طوفان يجرف ما أمامه ولا يتوقف عند شيء ، أما نحن الشباب فقد راعينا ظروف اليمن الخاصة وجعلنا السياسيين يتصرفون معنا ولكن بحدود ، أما أن يتحولوا إلى أوصياء على الشباب فهذا من المعيب في حقهم وحقنا ، فهم يعرفون أن أول من خرج إلى الشوارع في هذه الثورة هم الشباب ، بغض النظر عن عطاءاتهم السياسية طيلة الفترة الماضية ، وهم يعلمون أن كل الشهداء هم من الشباب ، من تعرضوا للضرب هم الشباب ، من يقفوا في مقدمة الصفوف هم الشباب ، من يتحدوا الرصاص والقنابل ومختلف أساليب القمع هم الشباب ، أما السياسيين وقادة الأحزاب فهم في سكرة السلطة يعمهون ، ولا يملون عن التفكير فيمن سيمسك بالسلطة ومن سيكون وزيراً لوزارة كذا ، ومن سيكون محافظا لمحافظة كذا ، وعلى هذا التفكير لن تنتصر الثورة ، بل لن تقوم لليمن قائمة ، فإنه إذا فشلت هذه الثورة فلتبشر اليمن بالفشل والخراب والهلاك المبين .

يجب أن نقفز فوق حدود التفكير السياسي لنصل إلى التفكير في ما يعتمل في الصدور الممتلئة غيضاً وحنقاً وغضباً ، فما أصعب الإنسان حين يصاب بالجوع ويحارب في لقمة عيشه ، وما أقساه حين يشعر بأن حياته وحياة أسرته معرضة للخطر ، فكل واحد سيرد ، وحينها ستتحول البلد إلى غابة كل من فيها يتصارعون ، والهدف لقمة العيش بعيداً عن المتصارعين على الكراسي !!.

خلاصة الأمر ، يجب أن يسقط النظام ، يجب أن يسقط أحمد ، ويحي ، وعمار ، وطارق ، وعلي الآنسي ، ومهدي مقولة ، وحمود الصوفي ، والجنرال قيران ، وكافة من يديرون البلد حالياً ، يجب أن تخرس ألسنة عبده الجندي ، وياسر اليماني ، وطارق الشامي ، وعباس المساوئ ، والقذر أحمد الصوفي .

يجب أن يتحول هذا الشعب إلى موجة غضب عارمة ، ارتفعت الأسعار ، الناس يختنقون ، ولا سبيل للنجاة إلا بالثورة ، أما السياسة فقد سايرناها طيلة عقود من الزمن ولم نجني منها إلا الحوار للوصول إلى تسوية لكيفية الحوار وليس لكيفية إدارة اليمن ، لا سبيل للخروج من المأزق الخطير والمنحدر الرهيب والهاوية السحيقة والنفق المظلم الذي دخلنا فيه إلا بإسقاط النظام .

فليسقط النظام ، وليسقط كل من ينادي بعودة (المحروق) ، وليسقط كل من ينادي ويهتف: يا أحمد كمل المشوار ، فمن يردد هذا الشعار فليأخذ شعاره ومعه أحمد وليبحث له عن وطن ، وليفعل فيه ما يشاء ، أما أن تُفرض آراء ومطالب (شلة) من المنتفعين والمأجورين على ملايين المظلومين والذين خرجوا إلى الساحات يرددون نشيدهم الخالد : الشعب يريد إسقاط النظام فهذا محال !.

سيسقط النظام ، عاجلاً أم آجل ، ولكن كلما تأخر ستكون فاتورة رحيله باهضة الثمن ، وسيدفعها غصباً عنه ، ولن يقف في طريق الشعب أحد ، وليختر قادة المشترك أن يظلوا في هذا الوطن ويشاركوا في تحريره من الفاسدين والمستبدين ، أم أن يرحلوا معهم ، فالحلول السياسية لم تُجدي مع نظام القمع والإرهاب عندما كان قائده رجل سبعيني بلغ من العمر عتيا وله خبرة طويلة وتجارب كثيرة في الحياة ، فكيف ستجدي مع (ولد) طائش يظن أنه من العيب والعار أن يترك (تركة) الوالد ووصية (الجد) !!.

خااااص : إليها معشوقتي التي لا تنام :

إليكِ ، يا من عشقتك حتى النخاع ، يا من أحببتك عد ذرات الرمل وحبات الحصى ، يا من تَشَارك في حبك الملايين ، رغم أنك معشوقتي أنا ، لكني لا أستطيع منع الناس من حبك ، فمن يعرفك لا يستطيع إلا أن يحبك ، فالأمر ليس بيدي ، ولكنها قلوب العاشقين .

إليها تعز ، معشوقتي التي لا تنام ، إليها وهي تقف شامخة رغم كل وسائل الإرهاب والقمع والحصار ، ورغم كل الاعتداءات الهمجية والوحشية والبربرية المتواصلة عليها ، إليها وهي تبتسم رغم الجرح ، وتضحك رغم رغبتها الكبيرة في البكاء ، ولكن العزة والكرامة لها أثر كبير في نفوس أصحابها ، وتعز منبع الكرماء وأصل الشامخين.

إليكِ يا قلب اليمن النابض ، وروح الوطن الجميل ، إليكِ مليون سلام ، مليون قبلة ، مليون تحية ، صدقيني أن الملايين في حقك (ريالات) ، فكلما في الأرض من مال وذهب ، لا يساوي شيئاً أمامك يا حبيبتي .... يا تعز !.