قانون الحصانة ينهي الدستور ولا يعطي الحصانة
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 14 يوماً
الأحد 22 يناير-كانون الثاني 2012 07:15 م

أقرالبرلمان اليمني منتهي الصلاحية قانون الحصانة لصالح وأعوانه, وبقراءة سريعة للقانون في نسخته الأخيرة التي أقرها البرلمان نلاحظ الأتي:

1) يعلن البرلمان إنتهاء العمل بالدستور عبر مقدمة قانون الحصانة الذي لا يستند للدستور اليمني والقوانين النافذة, حيث أشار المشرع اليمني في مقدمة القانون إلى مجرد الاطلاع على الدستور وقانون الإجراءات الجزائية, وأكد بكل وضوح إستناد القانون فقط إلى المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن رقم (2014).

2) أشارت مقدمة القانون الى أنه جاء تجسيداً لروح التسامح الأصيلة في عقل وضمير الشعب اليمني, في حين أن التسامح يتعارض مع الحصانة. فلو كان حقا تجسيدا لروح التسامح لكان قانون للعفو أو قانون للتسامح او للمصالحة. يعزز ذلك المادة (3) من القانون التي توجب على الحكومة تقديم قوانين للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية, مما يعني ان عملية التصالح لم تبدءا بعد.

3) منح القانون صالح حصانة تامة من الملاحقة القانونية والقضائية عن الأفعال التي تمت خلال فترة حكمه وحتى تاريخ صدور القانون, وهذا يعني إقراراً صريحاً بارتكابه أفعالا إجرامية طوال تلك الفترة. ولا علاقة لهذا القانون بعملية المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية, كونه استبق عملية المصالحة المجسدة لروح التسامح بالتحصن من المسائلة القانونية والملاحقة القانونية.

4) استثنى القانون أعوان صالح من الحصانة التامة, ومنحهم حصانة من الملاحقة الجنائية فقط وفيما يتصل بأعمال ذات دوافع سياسية قاموا بها أثناء أدائهم لمهامهم الرسمية.

5) اخرج القانون أعمال الإرهاب بالكامل من الحصانة.

6) اعتبرت المادة (4) من القانون, بأنه من أعمال السيادة ولا يجوز إلغائه أو الطعن فيه.

7) حددت المادة (6) من القانون بالعمل به من تاريخ صدوره, ويفسر بما يتماشى مع المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن (2014). 

إن هذا القانون ينحصر بالحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية, مما يعني إمكانية الادعاء ضد المشمولين بالحصانة ومحاكمتهم حضوريا إذا أتوا طوعاً أو غيابياً إذا رفضوا الحضور, ومن الممكن أن تقرر المحكمة برائتهم عندها لن يكونوا محتاجين للتحصن, وفي حالة ادانتهم المحكمة وحكمت عليهم يتوقف عمل أجهزة القضاء في تنفيذ الحكم وحينها يمكن تطبيق قانون المصالحة والعدالة الانتقالية. كما ان المادة (2) من القانون حاولت تحديد أعوان صالح المشمولين بالحصانة وحصرتهم بالمسئولين الذين عملوا معه في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية, مما يعني اقتصار الحصانة على المسئولين فقط دون غيرهم ممن يعتبرون أنفسهم من أتباع صالح من صغار الضباط والجنود والموظفين المدنيين والأمنيين مع ملاحظة صعوبة إثبات العمل مع صالح, ويخرج المغتربين والعاملين بالقطاع الخاص والعاطلين عن العمل ورجال القبائل من الحصانة. كما حاولت المادة المذكورة تحديد ما يدخل في موضوع الحصانة وحصرته في الأعمال ذات الدوافع السياسية دون أي ذكر للجرائم, مما يعني خروج جرائم قتل المدنيين وقصف الأحياء السكنية من قائمة الاعمال ذات الدوافع السياسية التي يمكن ان تكون اعمال الاغتيال السياسي والمحاربة السياسية أو مصادرة الحقوق والمنع من العمل او مغادرة البلاد او إيقاف الراتب والتصريحات الإعلامية او الكتابات. إضافة الى ذلك أوضحت المادة الثانية من القانون بشكل لا لبس فيه أن الحصانة للأعمال ذات الدوافع السياسية التي ارتكبها المسئولين الذين عملوا مع صالح, تنطبق عليهم في حال انهم قاموا بها اثناء ادائهم لمهامهم الرسمية فقط, مما يخرج اية جرائم لاولئك الأشخاص تمت خارج مهام وظيفتهم. من جانب أخر اخرج القانون أعمال الارهاب من الحصانة دون أن يحدد معنى مصطلح أعمال الإرهاب, مما يخرج حادثة الرئاسة من الجرائم الإرهابية لأنها قد تكون بدوافع سياسية, في حين تعتبر مجزرة جمعة الكرامة ومحرقة تعز وقصف الاحياء المكتضة بالسكان بالاسلحة الثقيلة, وحرمان المواطنين من الخدمات الضرورية ومنع إسعاف الجرحى او قتلهم, وكذا اللقاءات بعناصر القاعدة والحركات المسلحة او تسليحها او تمويلها بالمال والغذاء ووسائل النقل, من أعمال الإرهاب ولا علاقة لها بالدوافع السياسية لانها تمس المدنيين وتؤثر في شريحة واسعة من المواطنين.

الشيئ المبهم في هذا القانون هو اعتبار المادة (4) للقانون بانه من اعمال السيادة وهذا شيئ طبيعي لصدوره عن هيئات سيادية ممثلة بالحكومة والبرلمان والرئاسة, غير ان عدم اجازة الغائه او الطعن فيه يثير تساؤلات عديدة. ان هذه الصيغة تؤكد ما أشارت إليه الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية من تحريم العودة للدستور اليمني والقوانين النافذة, يعزز ذلك عدم استناد هذا القانون الى الدستور اليمني والقوانين النافذة, ومنحه قوة تتجاوز الدستور اليمني الذي يمكن الغائه او تعديله وتتجاوز قوة الشريعة الإسلامية التي يمكن تقنينها.

مما تقدم نخلص الى أن قانون الحصانة المقر من البرلمان يعتبر خطوة جبارة في طريق تحقيق العدالة, كونه لا يعطي القتلة والمجرمين حصانة ويمكن ان يدفع الكثيرين ممن شاركوا في أعمال القتل وغيرها الى جانب صالح وأعوانه متأثرين بالدعاية القوية اعتقاداً منهم بأنهم يخدمون الوطن أو من اجل منافع شخصية, الى فضح تلك الأعمال للحصول على مصالحة عادلة لهم عبر منظومة المصارحة مقابل المصالحة والتسامح بعد أن تم تركهم يواجهون مصيرا مجهولا باستبعادهم من أية حصانة.