الرابحون والخاسرون من فوز ترامب.. محللون يتحدثون حماس تعلق على فوز ترامب.. وتكشف عن اختبار سيخضع له الرئيس الأمريكي المنتخب هل ستدعم أمريكا عملية عسكرية خاطفة ضد الحوثيين من بوابة الحديدة؟ تقرير اعلان سار للطلاب اليمنيين المبتعثين للدراسة في الخارج بعد صنعاء وإب.. المليشيات الحوثية توسع حجم بطشها بالتجار وبائعي الأرصفة في أسواق هذه المحافظة شركة بريطانية تكتشف ثروة ضخمة في المغرب تقرير أممي مخيف عن انتشار لمرض خطير في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي في اليمن أول موقف أمريكي من إعلان ميلاد التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، في اليمن تقرير أممي يحذر من طوفان الجراد القادم باتجاه اليمن ويكشف أماكن الانتشار والتكاثر بعد احتجاجات واسعة.. الحكومة تعلن تحويل مستحقات طلاب اليمن المبتعثين للدراسة في الخارج
أعرف أن الكتابة عن شخصية بمكانة ودور وحيوية ونشاط وإصرار الأستاذة والباحثة والكاتبة القصصية الزميلة أروى عبده عثمان، من الأمور الصعبة ليس لأنه لا يوجد ما يقال عنها بل ولكثرة ما يفترض أن يقال، حينما تتسابق الأفكار وتتزاحم السجايا وتغمر الخصال بعضها بعضا إلى درجة تجعلك لا تدري من أين تبدأ وأي الخصال تنصف وأي منها تؤجل أو تتجاهل.
تعود بداية تعرفي بالزميلة أروى عبده عثمان إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي حينما كانت هي تنشر كتاباتها في جريدة الثقافية التي كانت تصدر في تعز عن مؤسسة الجمهورية، والتي لعبت دورا لا يمكن نسيانه في إبراز أسماء جديدة من الأديبات والأدباء الشباب الذين لم نكن نعرفهم لولا هذه المطبوعة الجميلة التي أشرف عليها الصحفي المتميز سمير رشاد اليوسفي، الذي غدا بعد ذلك رئيس مجلس إدارة صحيفة الجمهورية بكل ملحقاتها ورئيسا لتحريرها.
أتذكر أنني قرأت لها قصة قصيرة بعنوان "يحدث في تنكة بلاد النامس" ولفت نظري تلك القدرة المتميزة في التقاط أخيط الأساسي للحدث المراد إبرازه وتلك السخرية الشديد في عرض شخصيات عملها، وتلك البساطة في استخدام تقنيات القصة القصيرة مع التقيد بضوابط القصة التقليدية، الزمان والمكان والعقدة والخاتمة ولكن بتناول قضايا معاصرة معاشة بشكل شبه يومي في عصر الفضائيات والهاتف المحمول والشبكة العنكبوتية.
أثناء بحثي عن العمل في صنعا حضرت لها عدد من الفعاليات إحداها أمسية قصصية في مؤسسة العفيف الثقافية، عرضت فيها بعض من كتاباتها، كانت أهمهما قصة "هلو . . .كلنتون" وهي قصة ساخرة تتناول أحد المشائخ الطغاة وهو يخدع رعاياه بإيهامهم بأنه يحل لهم قضاياهم عن طريق التواصل مع الرئيس الأمريكي حينها " بيل كلنتون" بواسطة الهاتف المحمول الذي لا يعرفه الرعايا، ثم بعد هذا الإيهام يبدأ في نهبهم ما بحوزتهم من الأغنام والأبقار والسمن والبيض والدجاج والأراضي مدعيا بأن هذه هي مطالب الرئيس كلنتون، وهل يستطيع أحد كائن من كان أن يعصي أوامر كلنتون؟
ولن أنسى قصة مدرسة الفلسفة التي كانت مارة بقرب مركز الشرطة عندما انحنت لربط خيط الحذاء الذي انفلت منها فلم تفق إلا مركز الشرطة على ضربات ولكمات ورفس ولطم رجال الشرطة لها متهمين إياها بالتخطيط لعمل إرهابي هو ما دفعها للانحناء.
لكن ما أدهشني أكثر هو ذلك العزم الكبير الذي تملكها وهي تجوب مدن وأرياف اليمن بحثا في التراث الشعبي، من حكايات وآثار وفولكلور وتحف وعادات وتقاليد وألعاب الطفولة وكل ما يتصل بذلك من ثقافة مادية اندثرت من حياتنا أو كادت، واستطاعت أروى أن تحجز لها حيزا كبيرا في الذاكرة الشعبية اليمنية، من خلال تبني بيت الموروث الشعبي الذي تركز نشاطه على حفظ الكثير من مكونات التراث الشعبي بشقيه: المادي كالأدوات المنزلية وأدوات العمل والزراعة والحصاد والملابس التقليدية والمنتجات المادية الشعبية الحرفية بعامة؛ والمعنوي كمناشط الأعياد والأفراح والأحزان والعادات والتقاليد المرتبطة بهما فضلا عن إقامة العديد من الفعاليات المتصلة بالتراث الشعبي كمهرجان المشاقر وغيره وإصدار مجلة ذاكرة التي يتركز نشاطها في رصد وتدوين وتحليل وحفظ تلك المكونات المختلفة للتراث الشعبي.
كانت أروى على الدوام مخلصة أيما إخلاص للهدف الذي نذرت نفسها له وهو جمع ورصد وتدوين وحفظ ما أمكن من موروثنا الشعبي الثري والمتنوع الذي بدأ في الاندثار أمام موجة الحداثة بما يكتنفها من الزيف والاجتياح والطمس للهويات والخصائص الوطنية والإثنية والأنثروبولوجية لكل أمة.
لم تتعالى أروى ولم تحشد حولها كاميرات المصورين ولم تبعث أخبار نشاطها إلى المواقع الإلكترونية والصحف أو تضخمها لتشهرها عالميا بل كانت في الغالب هي المصور الوحيد للفعاليات التي يقيمها بيت الموروث الشعبي ولم تكتب عن نفسها كما لم تتسول الدعم من أحد وغالبا ما كانت تتألم بصمت عندما تعاني من النقص في متطلبات القيام بعملها لكنها كانت تعوض عن ذلك بمزيد من الإصرار والعزم الذين لا يلينان، . . . وقد حققت الشيء الكثير مما يستحق الإشادة والدعم والرعاية من الجهات المسئولية عن قضايا الثقافة والتراث.
فوز أروى عثمان يجائزة "المينيرفا" يمثل إنصاف جزئي لهذا المجهود الجبار الذي بذلته وما تزال تبذله، هذا الإنصاف يأتي من الخارج ممن يقدرون معاني الإبداع والفن والثقافة والتراث بعد أن افتقدت وافتقدنا جميعا لهذا الإنصاف في داخل البلد بسبب انشغال حكامنا بتضخيم أرصدتهم وتأثيث قصورهم في حين تسرق آثارنا وتهرب كما يهرب الحشيش والأفيون والقات إلى بلدان الجوار والبلدان البعيدة دونما حسيب أو رقيب.
أروى عثمان تستحق أكثر من مجرد تكريم وفوزها بجائزة المينيرفا يعد تكريما لجهد استثنائي قامت به مع فريق عملها المتواضع وهو ما ينبغي أن يلفت انتباهنا إلى أشخاص استثنائيين يعملون بصمت دونما صخب ولا ضجيج، وأحدهم أروى عبده عثمان.
برقيات
* أروى عثمان بنت تعز الحالمة وهي المدينة التي أنجبت المثقفين والمناضلين والشعراء والمفكرين والحقوقيين والصحافيين ورجال الأعمال، وتكريمها تكريم لتعز التي تعاني اليوم من الاجتياح والقتل والتدمير والعبث من بقايا نظام الطاغية المحمي بالضمانات الدولية.
*أرجو أن يكون فوز أروى بجائزة "المينيرفا" حافزا للمثابرة على المزيد من البحث والتنقيب، وكتابة القصة القصيرة، وحافزا أكبر لوزارة الثقافة للعمل على كل ما من شأنه صيانة تراثنا الشعبي بشقيه المادي والمعنوي وحفظه من الضياع الذي يهدده.
يقول الشاعر الكبير المرحوم عبد الله البردوني
يمانيون في المنفى ومنفـــــــيون في اليـمنِ
جنوبيون في صنعا شمالـــــــــيون في عدنِ
يمانــــيّون يا أروى ويا سيف بن ذي يزنِ
ولكــــــنّا برغمكما بلا يُمْنٍ بلا يَــــــــــمَنِِ
بلا ماضٍ بــــلا آتٍ بلا سرٍّ بلا عـــــــــــلّنِ