البصرة في عيون شرهة الدور الإيراني في الأحداث
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 25 يوماً
الإثنين 14 إبريل-نيسان 2008 07:20 ص

مارب برس – خاص

"حجارة الجبيرة .. من الجار القريب" وهو من الأمثال البغدادية المشهورة, يراد به أن الحجرة الصغيرة يمكن أن تأتي من مكان أبعد بسبب خفتها لكن الحجارة الكبيرة لا يمكن أن تأت إلا من م كان قريب جداً لثقل وزنها وصعوبة قذفها لمكان بعيد, ويرمز المثل أحيانا إلى الكلمة الموجعة أو الفعل الموجع فعندما يأتي من القريب والجار فأنه يؤلم أكثر من غيره, ويؤول المثل إلى تأويلات أخرى ليس تعنينا في موضوعنا هذا, استعارتنا لهذا المثل يتعلق بدور الجارة إيران في أحداث الجنوب بشكل عام والبصرة بشكل خاص, التي تحملت العبء الأكبر من المصائب خصوصا بعد عملية صولة الفرسان التي قادها رئيس الوزراء نوري المالكي, والتي حاول أن يسوق الهدف من وراء هذه العملية المسلحة بملاحقة العصابات الإجرامية والقتلة والمجرمين وبعض عناصر الميليشيا التي تعبث بالثروة النفطية, ولكن تجيش مثل هذه الجحافل الكبيرة لا يتناسب مع الهدف المعلن للعمليات العسكرية! فالمالكي رغم أسطوانته المشروخة حول الإرهاب وقوى الظلام, لكنه لم يجيش مثل هذه القوى العسكرية لمحاربته, ولم يكن اللغز صعبة الحل, فقد تبين أن الغرض من العملية هو استهداف التيار الصدري كله وليس حتى العناصر الإجرامية المندسة تحت عباءته, سيما أن التيار الصدري سيقف موقف الممنون للمالكي فيما إذا عاونه في تطهير صفوفه من العناصر الإجرامية, كما إن تجميد فعليات جيش المهدي خدمت المالكي ووفرت له الفرصة لاستئصال المجرمين دون الحاجة إلى عسكرة البصرة, سبق أن تحدثنا وتحدث غيرنا عن هذا الموضوع وأوفي حقه, ولكن الذي لم يوف حقه هو الدور الإيراني في إحداث الجنوب والبصرة بشكل محدد؟ فمن المعروف أن لإيران النفوذ الأكبر في البصرة وأنه يتجاوز النفوذ الأمريكي, سيما أن القوات البريطانية انسحبت من المدن لتنكفئ قواتها في أحد الجحور وتراقب الأحداث من ثقب صغير, وهذه حقيقة يعرفها الأمريكان أنفسهم ويعترفوا بها, وكان آخر تصريح يصب في هذا الاتجاه للأدميرال باتريك دريسكول الذي يرأس قسم الاتصالات الإستراتيجية في ما يسمى بالقوات المتعددة الجنسية, فقد حذر بشدة قيام إيران بإرسال مجاميع من فيلق القدس الإجرامية- حسب وصفه- إلى عدد من محافظات العراق لغرض استهداف المواطنين الأبرياء, وطالب الحكومة الإيرانية بأن تحترم تعهداتها بعدم التدخل في الشأن العراقي واحترام علاقات حسن الجوار.

كما أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية تقريرا, أكد فيه بأن النظام الإيراني هو الذي يقف وراء المواجهات الدامية في العراق, فبالرغم من دعواه بإيقاف إرسال الأسلحة إلى الميليشيات الموالية له فأنه ما يزال مستمرا في إرسال الأسلحة والذخائر مما أدى إلى تفاقم الأوضاع. كما أشار الجنرال غريغوري سميث الناطق الرسمي بأسم الجيش الأمريكي في العراق بأن إيران أججت أعمال العنف مؤخرا في العراق, ويرى عضو لجنة لأبحاث والدراسات في الكونغرس الأمريكي كونت كينيز, بأن إيران اعتمدت في منهجها للوصول إلى العمق الاستراتيجي في العراق على علاقاتها مع الحكومة الشيعية التي تحكم العراق حاليا, فالعديد من أعضاء الحكومة عاشوا في إيران لفترة طويلة. ويعزو كينيز انفجار الأحداث في البصرة بسب مساعدة إيران للميليشيات الشيعية الموالية لها مما عجل وأجج التنافس بينهم.

ومن الطبيعي أن تحاول إيران رفع درجة حرارة الأحداث في جنوب العراق خشية من فقدان نفوذها, فهي بالرغم من دعمها المادي ولتسليحي لجيش المهدي وتدريب عدد كبير من عناصره لكنها تبقى في ترقب حذر منه, سيما انه له مواقف متشددة تجاه الفدرالية وتقسيم العراق والدستور ومسألة كركوك, وان انتخابات المجالس المحلية القادمة من شانها أن تحرق ورقتي المجلس الأعلى وحزب الدعوة فالأول بدأت فدراليته تفقد بريقها عند العشائر العراقية, والثاني يفتقر إلى قاعدة جماهيرية, وبمقدرة التيار الصدري كسب هذا الصراع بالجولة الأولى وبالضربة القاضية, ورغم تبجح نواب من المجلس الأعلى وحزب الدعوة بأن عملية صولة الفرسان لا علاقة بها بالانتخابات القادمة, لكن الموقف أصبح أكثر وضوحا برفض المالكي مشاركة التيار في الانتخابات إلا بعد تفكيك جيش المهدي! رغم إن هذا الأمر بحد ذاته هو خرق دستوري, إذا انه لا يحق لأي جهة بما فيها مجلس النواب أن يرفض مشاركة تيار ضخم بمثل هذه الانتخابات! أما إدعاء المالكي بأنه يرفض مشاركة التيار الصدري في العملية السياسية في حالة عدم حل جيش المهدي, فأنه أمر يثير الاستغراب, لأن التيار ممثلا أصلاً في مجلس النواب هذا من جهة كما أنه هو الذي سحب وزرائه من حكومة المالكي وليس العكس! فكأنما يحاول المالكي أن يرفع أصبعيه بالمقلوب ليؤشر علامة النصر الخاطئة؟

من المؤكد أن المالكي يحاول أن يوازن بين كفتي الميزان الأمريكية والإيرانية بنفس الوقت وهي نفس الطريقة التي يتبعها المجلس الأعلى, ولا يمكن مهما أدعى المالكي بأن تكون عملية تصفية التيار الصدري قد جرت بمعزل عن الإرادة الإيرانية, ويلاحظ أن المالكي في لقائه مع شبكة ( CNN  ) تهرب عن كافة الأسئلة التي تتعلق بالدور الإيراني في أحداث الجنوب ومنها السؤال:-"ما هو الحل الطويل الأمد للوضع ألامني في مدينه الصدر هي مدينة لا يمكن للقوات الأمريكية دخولها هي مدينة أصبحت ملاذاً آمنا لما يسمى بالمجاميع الخاصة التي تأخذ التمويل من إيران وهذه المجاميع تستخدم مدينة الصدر كملاذ آمن لمهاجمة المنطقة الخضراء ما هو الحل الطويل الأمد له" ؟ وكذلك السؤال:-" بعض المنتقدين يقولون إن هذه العمليات أدت إلى إضعافكم لأنها أدت إلى تراجع الوضع في البصرة امنياً تراجع الوضع في بغداد امنياً وزادت في قوة موقف إيران التي أقنعت مقتدى بان يسحب قواته"؟ ولم يجب عن أي منهما! اللهم إلا في سؤال كان أكثر دقة" لماذا قامت إيران بمساعدتكم في إقناع مقتدى الصدر بوقف القتال" ؟ عندها أجاب المالكي بعجز" ليس لدي علم بوجود مثل هكذا محاولة "؟ سيما أن الوفد الذي ذهب إلى إيران للتفاوض مع السيد مقتدى ضم عنصرين من حزب المالكي! وبالرغم من تجنب الادميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية التحدث عن الوساطة الإيرانية بين المالكي ومقتدى الصدر للحفاظ على ماء وجهه الذي بدده تعاظم النفوذ الإيراني في الجنوب, لكنه أكد بأن إيران تواصل دورها السلبي في العراق, وأن التدخل الإيراني في البصرة وجنوب العراق ما يزال غير مساعد حيث تعثر قواته على متفجرات إيرانية الصنع ومخابئ أسلحة وذخائر وصواريخ في العراق.

ومن المثير للسخرية أن ينكر المالكي معرفته بإرسال وفد وساطة من حزبه ضم علي الأديب والمجلس الأعلى إلى إيران, في حين أعترف نجل عبد العزيز الحكيم المدعو محسن والذي يبدو أنه شارك في عملية التفاوض بأن إيران كان لها دور بارز ومهم في المناقشات وساهمت في تهدئة الأوضاع؟ ومن المؤكد أن يجلس الطرفين الأمريكي والإيراني بعد أحداث الجنوب لمناقشة المستجدات الجديدة وتبادل الأفكار للحفاظ على مصالحهما المشتركة في العراق وتأمين عدم التضارب بينهما, وهذا ما يفسر مطالبة الأمريكان باستئناف الحلقة الثالثة من الحوار مع إن استمرار أحداث الجنوب لا يساعد على فتح صفحة غزل جديد بينهما.

ويبدو أن إدانة إيران للهجمات التي تعرضت لها المنطقة الخضراء الأيام الماضية حسبما نقلته وكالة(مهر) شبه الرسمية عن تصريح للناطق بأسم الخارجية محمد علي حسيني الذي أعتبر الهجوم" مدان جدا" قد جاء للتكفير أو الأعتذارعن ذنب لم تكن تقصده سيما أن الصواريخ التي انهالت على المنطقة الخضراء كانت إيرانية الصنع.

وكان لكشف وجود قواد كبار من جيش القدس في البصرة مع صولة الفرسان هو تأكيد لوجود تنسيق أمريكي إيراني مع المالكي في إدارة المعركة, وهذا يفسر تأييد الرئيس الأمريكي بوش للعمليات وكذلك مباركة محمد علي حسيني لها بتصريحه" أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة العراقية في مواجهة المجاميع المسلحة الخارجة عن القانون تصب في اتجاه إرساء الأمن والاستقرار في العراق" ولاشك أن اختصار التيار الصدري من قبل حسيني ب" مجاميع مسلحة خارجة عن القانون" تعني بوضوح أن إيران أشعلت ورقة التيار الصدري لتنير للحكيم والمالكي النفق لقيام الفدرالية وبسط نفوذها الكامل في البصرة.

الأيام القادمة حبلى بالمفاجئات ومعارك البصرة امتدت من الجنوب لتشعل الوسط والتيار الصدري بالرغم من التضحيات الجسيمة في صفوفه من جهة وفي صفوف المدنيين بمعاقله من جهة ثانية فأن مقابل هذه الخسائر توجد مكتسبات مهمة على الصعيد الوطني, فقد استفاق التيار الصدري من غفوته وأدرك حقيقة الحبال التي صفده بها الشيطان الأصغر ليقدمه أسيرا إلى الشيطان الأكبر, وليدرك حقيقة أن الشيطان الأصغر لا يقل طمعا في العراق من الشيطان الأكبر, وأنه لا فرق بين الشياطين من ناحية الحجم والشرور, وان الرجوع إلى الصف الوطني ومد اليد للمقاومة العراقية البطلة ستكون كالمعوذتين فعالة وناجية من شر الوسواس الخناس. كما ا،ه أدرك جسامة الخطأ الي ارتكبه برفع المالكي إلى كرسي الحكم, وحتى هذا الأمر أنكره المالكي مدعيا بأنه ليس للتيار الصدري فضل في دعمه, وهذا ضلال يروج له الأعلام, والحقيقة أنه هو الذي دعم التيار الصدري وساعده للدخول في العملية السياسية وعين خمسة من وزرائه على حساب مقاعد حزبه حزب الدعوة " أنا صاحب الفضل عليهم وليس هم الذين جاءوا بأصواتهم بالنسبة لًي إلى السلطة"! وبهذا تكن العروة الوثقى بين التيار الصدري والائتلاف قد انفصمت إلى الأبد. وحان الوقت ليلتحم التيار الصدري مع المقاومة الوطنية لإسقاط الاحتلال وعملائه فهذا هو محله الوحيد من الأعراب. 

Alialkash2005@yahoo.com