الهاشميون يحاربون النبي
بقلم/ توفيق السامعي
نشر منذ: 5 ساعات و 8 دقائق
السبت 08 فبراير-شباط 2025 06:52 م
 

بعد أن أظهر الله نبيه ونصر دعوته، وأسس الدولة الإسلامية التي حاربها بنوا هاشم في بداية عهدها، عادوا ليزوروا النصوص ويختلقون النظريات، ويتسلقون على القرابة في ادعاء ميراثه، وضربوا الإسلام في مقتل، وشقوا عصا المسلمين، ودمروا البلاد الإسلامية بحجة الولاية والقرابة، وآل النبي، وأهل النبي، ويقولون بالوصاية، ويطالبون بأموال المسلمين بحجة خمس القرابة، ويتحدثون عن مودة القربى ...إلخ.

فتعالوا بنا ننظر كيف حارب هؤلاء الأقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- ونصره آخرون من غير عشيرته ولا قومه، وخاصة الأنصار اليمانية.

 

غالباً في الأمور الكبيرة من رسالات سماوية أو تأسيس دول وكيانات اجتماعية، أو غير ذلك من المشاريع الفكرية والثقافية؛ كنبوغ علم، وتميز في شيء مما لم يكن عند قومه، فإن الأقارب يكونون أبعد ما يكون عن الإيمان والتصديق بما يأتي به أحد أقاربهم مهما كانت قوة الشخصية أو القضية التي جاء بها، ويكونون أول من يكذبه ويحاربه ويخرجه من موطنه، على اعتبار أنه ليس أفضل منهم في شيء، وهذا ما دونه القرآن الكريم على كثير من الأنبياء بمن فيهم النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ}الأنعام66، وقال: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}الزخرف57، وقال: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}الفرقان30، {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ}الشعراء117، ذلك لأنهم يرونه منهم وليس ملكاً، أو من غير قومه من بلاد مختلفة، فقال: {أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}الأعراف63

{فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}هود27

{وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}الشعراء186، {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ}الأنعام8، حتى أنهم استغربوا عاداته البشرية وفطرته الإنسانية {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً}الفرقان7

 

ولقد كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- يجد في نفسه أن عشيرته من أوائل من كذبوه ولم يسلموا، ولذلك إسلام أحدهم يفرح النبي -صلى الله عليه وسلم- أيما فرح، فقد قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للعباس بن عبدالمطلب حين أسلم: "والله لإسلامك يوم أسلمت، كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب". 

 

وكان أشد بني هاشم، بل وكفار قريش إيذاءً للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو عمه أبو لهب الذي لم يدخر وسيلة ولا وسعاً ولا جهداً ولا أذية إلا واستخدمها هو وزوجه أم جميل بحق النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلت فيهما سورة المسد تذمهما وقرآن يتلى إلى يوم القيامة بحق عمه صنو أبيه، وهذا أيضاً يدحض مسألة عناء ذوي قربى النبي في آيتي الخمس والأنفال. 

 

إذ إنه لما أُمِر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يجهر بدعوته، جمع قريشاً في مكة وأنذرهم. 

قال المحدثون: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ورَهْطَكَ منهمُ المُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى صَعِدَ الصَّفا، فَهَتَفَ: يا صَباحاهْ، فقالوا: مَن هذا الذي يَهْتِفُ؟ قالوا: مُحَمَّدٌ، فاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فقالَ: يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي عبدِ مَنافٍ، يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ، فاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فقالَ: أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بسَفْحِ هذا الجَبَلِ، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: ما جَرَّبْنا عَلَيْكَ كَذِبًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ، قالَ: فقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ أما جَمَعْتَنا إلَّا لِهذا، ثُمَّ قامَ فَنَزَلَتْ هذِه السُّورَةُ: (تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ وقدْ تَبَّ). كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. 

 

وجاء عند البخاري، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثني عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: "لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}الشعراء214 صعد النبي –صلى الله عليه وسلم- على الصفا، فجعل ينادي: يابني فهر، يابني عدي –لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}المسد1-2. 

 

وجاء مثل هذا الخبر عند الشيعة أيضاً في أعمدة كتبهم الأصولية، فقد جاء في الروضة من أصول الكافي، أهم أعمدة كتب الشيعة: "[روى] عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصفا فقال: يا بني هاشم، يا بني عبدالمطلب، إني رسول الله إليكم، وإني شفيق عليكم، وإني لي عملي، ولكل رجل منكم عمله، لا تقولوا: إن محمداً منا وسندخل مدخله، فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم، يا بني عبدالمطلب إلا المتقون، ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم، ويأتون الناس يحملون الآخرة، ألا إني قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم، وفيما بيني وبين الله -عز وجل- فيكم". 

 

وقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- مستغرباً من حديث ورقة بن نوفل له وهو يقول له: إن قومك سيخرجوك من موطنك؛ كونه كان محبوباً لديهم قبل الدعوة؛ فقد كان في نظرهم الصادق الأمين، وما جربنا عليك كذباً قط، وصاحب الرأي السديد والرأي الرشيد والراجح الذي يرجعون إليه عند احتدام الأمور عليهم، ليقول لورقة مندهشاً: "أو مخرجي قومي؟!"، "فقال له: "إنه ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا أخرجه قومه وحاربوه"، حتى وصل إلى ما قاله ورقة {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}التوبة40. 

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}الأنفال30. 

{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}محمد13

 

كل ذلك إما وسط ضعف وعجز من عشيرته، وكذلك تواطؤاً من بعضهم، وهو الخذلان الأشد إيلاماً على المرء من الفعل والمؤامرة نفسها.

ففي الوقت الذي بدأ كثير من قريش ضعفاؤها وعبيدها وأبناء ساداتها أو الوفود الزائرين لها يؤمنون برسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونبوته وما جاء به من عند الله، لم يكن من بني هاشم بادئ الأمر إلا علي بن أبي طالب أو جعفر أخاه ممن آمن به، وعلي كان طفلاً دفعه أبوه أبو طالب إلى النبي ليكون معه رفيقاً ويخفف عن أبي طالب كلفة الإعالة والنفقة أيضاً، ولم يكن علي قد بلغ شأناً مما يبلغ به أبناء الذوات من قريش من سيادة ولا غيرها حتى يخشى ضياعها، وحتى حمزة -رضي الله عنه- فبعض السير تصور لنا إسلامه حميّة أسرية وليس إيماناً كاملاً، بينما عم النبي الآخر وهو أبو لهب فقد كان أول من كذب نبوة ورسالة ابن أخيه بل وحاربه هو وبنوه منذ البداية، وكان من بعض وسائل أبي لهب في محاربة ابن أخيه النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- أن أمر ولديه عتبة وعتيبة أن يطلقا بنتي رسول الله رقية وأم كلثوم محاربة وإساءة للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة بعد نزول سورة المسد.

 

قال ابن عبد البر – رحمه الله - : "وقال مصعب وغيره من أهل النسب: كانت رقية تحت عتبة بن أبي لهب، وكانت أختها أم كلثوم تحت عتبة بن أبي لهب، فلما نزلت: (تبت يدا أبي لهب): قال لهما أبوهما أبو لهب وأمهما حمالة الحطب: فارقا ابنتي محمد، وقال أبو لهب: رأسي من رأسيكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد، ففارقاهما. 

وعتبة بن أبي لهب –واسم أبي لهب، عبدالعزّى- بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، أسلم هو وأخوه مُعَتِّب يوم الفتح، وكانا قد هربا، فبعث العباس فيهما، فأتي بهما فأسلما، فسُرَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بإسلامهما، ودعا لهما، وشهدا معه حنيناً والطائف، ولم يخرجا عن مكة، ولم يأتيا المدينة. 

 

ولما حشدت قريش لمحاربة النبي –صلى الله عليه وسلم- في بدر كان من ضمن من قاتل النبي عمه أبو العباس بن عبدالمطلب، وابن عمه عقيل بن أبي طالب أخو علي بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد الطلب، وأيضاً السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، وقد وقعوا في الأسر، وافتدى العباس نفسه وابن أخيه عقيلاً، وكذلك نوفل بن الحارث في تلك المعركة. وتأخر إسلام الجميع إلى عام الفتح؛ أي إلى حين مقدرة النبي –صلى الله عليه وسلم- على قريش جميعاً، ولم يبق لهم شيء ولا ملجأ ولا مكان يذهبون إليه فكان إسلامهم هروباً إلى الأمام مثلهم مثل بقية قريش الذين أسلموا عام الفتح بسبب هزيمتهم أمام النبي -صلى الله عليه وسلم. 

 

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-وجد من بعض بني هاشم وكان يعرض عنهم ولا يكلمهم حتى بعد إسلامهم بسبب ما تعرض له من أذى منهم كونهم قرابته، كما سيأتي.

والأعجب من ذلك أيضاً أن عقيل بن أبي طالب فارق أخاه علياً، ولحق بمعاوية أيام الخلاف بينهما، وشهد صفين مع معاوية ضد أخيه علي بن أبي طالب!

 

أما نوفل بن الحارث بن عبد الطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد دفع عنه الفدية عمه العباس، فأطلق سراحه من الأسر، وكان أسن من أسلم من بني هاشم. 

وكذلك السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، جد الإمام الشافعي، وقد كان السائب حامل راية بني هاشم مع المشركين يوم بدر، فدى نفسه من الأسر، ثم أسلم، وحسن إسلامه.  

 

وقد كان أشد على النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأذى من بني هاشم بعد أبي لهب وابنه لهب، ابن عم للنبي وهو أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، وهو أخو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب أول شهيد في معركة بدر من بني هاشم، لكن أخاه أبا سفيان هذا كان شاعراً مقذعاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- رغم أنه أخاه من الرضاعة؛ فقد رضعا معاً من حليمة السعدية، وفي أبياته القادمة نوع من ذلك الأذى الذي ندم عليه. 

 

وقد هجا أبو سفيان النبي -صلى الله عليه وسلم- وإياه عنى حسان بن ثابت، شاعر الإسلام، بقوله:

ألا أبلغ أبا سفيان عني   

مغلغلة فقد برح الخفاء

هجوت محمداً فأجبت عنه  

 وعند الله في ذلك الجزاء

فإن أبي ووالده وعرضي    

لعرض محمد منكم وقاءُ

 

وكان إسلامه يوم الفتح قبل دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، لقيه هو وابنه جعفر بن أبي سفيان بالأبواء، فأعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهما. فقالت له أم سلمة: لا يكن ابن عمك أشقى الناس بك. وقال علي بن أبي طالب لأبي سفيان بن الحارث: إئت رسول الله من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}، فإنه لا يرضى أن تكون أحسن قولاً منه، ففعل أبو سفيان. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، وأنشد في إسلامه:

لعمرك إن يوم أحمل راية  

  لتغلب خيلَ اللاتِ خيلُ محمد

لكالمطلع الحيران أظلم أهلة 

  فهذا أواني حين أهدي فأهتدي

هداني هادٍ غير نفسي ودلني 

  على الله من طردته كل مطردِ

أصد وأنأى جاهداً عن محمدٍ 

  وأدعى وإن لم أنتسب من محمد

فذكروا أنه حين أنشد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قوله: من طردته كل مطردِ. ضرب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صدره وقال: "أنت طردتني كل مطردِ". 

 

وعلى الرغم من أن أبا طالب؛ عم النبي –صلى الله عليه وسلم- كان أعلم قريش بنبوة ابن أخيه منذ الصغر، حينما بشره بحيرا الراهب في بصرى بالشام، وأمره أن يرجع بابن أخيه ويحرسه من أن يتعرض للقتل على يد اليهود، وعلى الرغم من علامات وأخبار كثيرة له، واعترافه للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه على الحق، ورعايته له من الصغر، ومناصرته إياه وحمايته من ملأ قريش، وحث ابنيه جعفر وعلي على ملازمة النبي واتباعه، إلا أنه لم يسلم ولم يتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد قيل حياءً من قريش!

 

فقد جاء عند مسلم. حدثني حرملة بن يحيى التُّجيبي. أخبرنا عبدالله بن وهب قال: أخبرني يونس بن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبيه؛ قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل، وعبدالله بن أمية بن المغيرة. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "يا عم.. قل: لا إله إلا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب.. أترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبدالمطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنهَ عنك"، فأنزل الله –عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}التوبة113

 

وأنز الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله –صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}القصص56. 

 

والشاهد الآية ما كان للنبي أن يجامل حتى في أقرب المقربين إليه والمحبوبين عنده من عشيرته، ولو كان مجاملاً أحداً منهم لجامل عمه أبا طالب، وقد كان هؤلاء القوم الذين ذكرنا من بني هاشم لم يسلموا عند نزول آيات الغنيمة والفيء في الأنفال والحشر، وحتى مع نزول آية المودة في القربى التي يزعم الهاشميون وتحديداً السلاليين منهم -سنة وشيعة- أنها تعنيهم؛ فقد نزلت وما زال معظمهم على الكفر.