الإسلاميون في الدراما العربية
بقلم/ علي عبدالعال
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و يوم واحد
الأربعاء 22 إبريل-نيسان 2009 02:21 م

بات من النادر أن تجد فلماً أو مسلسلاً عربياً دون أن يأتي مطعماً بعدد من المشاهد التي تتناول "الجماعات الإسلامية"، حتى صار هؤلاء أشبه بالضيف الدائم على معظم الأعمال الدرامية المنتجة عربياً.. وقد تفاوتت البلدان العربية في تناولها، حسب تاريخ الصراع بين النظام السياسي والإسلاميين، أو حسب التحدي الذي شكله الإسلاميون لهذه الأنظمة ودرجة العداء، وأيضاً حسب وضع الإسلاميين وثقلهم السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي داخل الدولة؛ فكانت مصر أقدمهم ثم الأردن وسوريا ودول الخليج ثم اليمن والمغرب العربي.. الخ.

وتلقى المعالجة الفنية لهذه الأعمال والسيناريوهات وأشكال الطرح، تساؤلات وانتقادات عديدة في ظل العدائية التي تحكم العلاقة بين الأنظمة والإسلاميين، وسيطرة الأولى على الآلة الإعلامية التي تقدم من خلالها الأعمال التي تعالج قضايا الثانية، وخضوع المؤلفين والمنتجين لرؤية الدولة تجاههم.

الانحياز الدرامي للسلطة

ولما ظلا (السينما والتليفزيون) العربيين ـ على عكس غيرهما من القطاعات المهنية والثقافية ـ بعيدين عن اهتمامات الإسلاميين، ولأسباب أخرى عديدة ومتداخلة فقد بدا التناول أحادي الجانب معبراً عن وجهة نظر السلطة وحدها، يعكس رؤيتها، ويسوغ منطقها، ويروج مصطلحاتها، ويبرر ضرباتها بحق الطرف الآخر.. ولما كانتا (السينما والتليفزيون) وسيلتين إما تملكهما الدولة أو بأيدي موالين لها ومقربين منها أو خاطبين لودها فقد بدا التوظيف السياسي للدراما ضد الجماعات الإسلامية ممنهجاً لا لبس فيه، يهدف فيما يهدف إلى التحريض وشحن الرأي العام وزرع العداءات في النفوس، من خلال حشد مشاهد القتل والتدمير والوجوه المتجهمة والسلوكيات المنحرفة.

وفي تحالف ضمني وربما صريح ومعلن أحياناً بين السلطة وأهل الفن تلاقت الأهداف، فبينما تسعى السلطة لتحسين صورتها وتسويغ مواقفها الإقصائية، تبارى المؤلفون والكتاب ـ مستفيدين من أجواء المواجهة بين الحكومات والجماعات ـ للتربح من معاداة الإسلاميين، وتوظيف كتاباتهم لخدمة السلطة التي ما زالت تشن حرباً شعواء ضد هذه الفئة من الناس، ولتتحول الدراما تدريجيا إلى أداة سلطوية بامتياز، ولتسقط من جهة أخرى في فخ الرواية الأمنية.. وهو تقريباً ما بات قاسماً مشتركاً بين جميع الأعمال التي قدمت في هذا الإطار.

وفي هذا السياق، يؤكد مراقبون على العلاقةً المباشرةً بين ما يتم إجازته من أعمال فنية وأجهزة الأمن العربية، خاصة وأن الرقابة العربية بات معروفاً عنها العلاقة الوثيقة بالمؤسسات الأمنية، كما أن كثيراً من المؤلفين والكتاب باتوا يعملون بـ "قرون استشعار"، وليس شرطًا بتوجيهات مباشرة لمعرفة ما تريده أو ما تجيزه الرقابة من أعمال قبل كتابتها.. بل وكانت اتهامات قد وجهت لهذه الأعمال بأنها ممولة مباشرة من قبل أجهزة مخابرات عربية، تريد فقط تشويه الحركات الإسلامية والمنتمين إليها.

 

تقديم صورة مشوهة

ومن خلال كم غير قليل من الأعمال الدرامية التي قدمتها شركات إنتاج ومؤسسات تلفزة وسينما عربية كمسلسلات (العائلة، والحور العين، والطريق الوعر، ودعاة على أبواب جهنم، والطريق إلى كابل) وكأفلام (الإرهابي، ودم الغزال، وحين ميسرة، والرهان الخاسر، وطيور الظلام) لوحظ الحرص على لصق صورة معينة في أذهان المشاهدين العرب، تتشكل من عدد من الأنماط والسلوكيات السلبية، في المظهر والجوهر.

بالإضافة إلى أن الأدوار، ولغة التخاطب، والأفكار التي تدور حولها الأحداث والمشاهد، والسلوكيات التي تصدر عن الممثلين، فعلت فعلتها في تشويه الجماعات والأفراد واختيارهم الفكري والعقدي والسياسي والمظهري، وخاصة فيما يتعلق برموز المظهر الإسلامي المعروفة من (اللحية، والنقاب، والجلباب الأبيض، والعمامة) المستخدمة بغزارة في هذه الأعمال.

فمن خلال تتابع سيناريو الأحداث تنطبع في أذهان المشاهدين ـ خاصة صغار السن والبسطاء ـ صور وأفكار مقصودة، فلا يكاد ينتهي العمل حتى تكون صورة صاحب هذا الزي أو صاحبته أقبح ما تكون، فضلاً عن تقديم (خطاب ديني وفكري) مغلفاً بثلاثي الجهل والتخلف والتعصب، وهو تقديم منفر لا يمكن أن يلقى قبولاً، بل ويمنع عنه أي شكل من أشكال التعاطف والاحترام من قبل المشاهدين، وذلك ضمن جملة من المشاهد السطحية الساذجة، التي لا تثير سوى الضحك والاستهزاء والاستخفاف.

حصر مقصود لأسباب الظاهرة

ومن خلال ما تطرحه هذه الأعمال (الفنية) سعى القائمون عليها إلى حصر أسباب هذا المد الإسلامي المتنامي بين الشعوب العربية والإسلامية في عدد من الأمراض والمشاكل بعضها اجتماعي وبعضها نفسي وبعضها اقتصادي كـ (الفقر والجهل والإقامة في العشوائيات والأمراض النفسية) والتركيز على هذه الأمراض باعتبارها الدوافع الوحيدة أمام الشباب العربي لسلوك هذا المسلك؛ بعد أن يقودهم اليأس من الواقع وقضاياه إلى البحث عن حياة أخرى.

والفكرة التي تبدو واضحة من هذا الرسم المتعمد هي أنه يجب التعامل مع الإسلاميين بوصفهم مرضى نفسيين، وأشخاص محرومين وحاقدين، مأزومين فكرياً، وضعيفي الحجة عاجزين عن الإقناع العقلي والاستدلال المنطقي أو الشرعي.. وفي المقابل يأتي (الآخر) أمام الإسلاميين ـ مهما كان توجهه وانتماؤه الفكري والاجتماعي ـ في صورة عقلاني صاحب فكر متزن وأسلوب هاديء، في حالة من التناقض الصارخ بين الشخصيتين تبرز مساويء الأولى في حين يزين الثانية ويجملها.

وهو ما يأتي فقط ليدلل على منطق الدولة وصحة ما تذهب إليه سلطاتها في أن الحسم الأمني والضرب بيد من حديد هو الأسلوب الناجع الوحيد في التعامل مع الإسلاميين بكافة جماعاتهم وتنظيماتهم، حتى يسيروا على طريق الجادة الذي تراه الدولة.. في تعمد واضح لخلط الأوراق حتى يلتبس الأمر على الناس.

وهو ما يتنافى ـ في الوقت نفسه ـ مع الواقع تماماً الذي يكشف لأي متابع لتطورات الظاهرة الإسلامية وخلفياتها الحقيقية، أنه يظهر من بين الإسلاميين وجماعاتهم رجال أعمال، وتجار كبار، وأكاديميين في أرفع جامعات العالم، وأفراد ينتمون إلى عائلات وبيوتات معروفة بالشرف والسعة والثراء في أوطانها، بل ومن بينهم ساسة وكتاب ومفكرين وباحثين وشعراء وأطباء.

 

كما أن هذه الصورة الدرامية تعرض في جفاء صريح وعداء للرأي العام العربي والإسلامي، الذي تنظر قطاعات كبيرة وهامة منه بكثير من التعاطف والمؤازرة لهذه الصحوة الإسلامية التي يزداد رصيدها يوماً بعد يوم. وبالمجمل لم تعكس هذه الدراما حقائق الواقع أو حتى حاولت الاقتراب منه، بل قدمت وجهة نظر متحيزة، بل ومعادية على طول الخط ، تهدف فيما تهدف إلى توصيل المشاهدين إلى قناعات محددة، في محاولة لإلصاق واقع مزيف وصورة غير واقعية لا تمت لأصحابها بصلة.