ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت تقرير: مليون يمني ألحقت بهم أمطار هذا العام أضراراً متفاوتة وضاعفت مخاطر الإصابة بالكوليرا ضبط عشرات الجرائم في تعز والضالع خلال أكتوبر حزب الإصلاح يتحدث لمكتب المبعوث الأممي عن مرتكزات وخطوات السلام وأولوية قصوى أكد عليها المسلمون في أميركا صوتوا لمرشح ثالث عقاباً لهاريس وترامب
فرضت الظروف المعيشية الصعبة واشتداد الفقر على كثير من الأسر داخل المجتمع طقوساً
وعادات تعد في نظر البعض سلوكاً منبوذاً ومتدنياً لكنها بنظر اصحابها الطريقة والحيلة الوحيدة لكسب أرزاقهم وسد احتياجاتهم التي تزداد كل يوم مما دفع بكثير من الافراد على اختلاف نوعهم (ذكوراً واناثاً) وفئاتهم الاجتماعية (أطفالاً، شباباً، شيوخاً) الى امتهان التسول كمصدر للدخل اليومي.
فتيان وفتيات في عمر الزهور وشابات في سن المراهقة ونساء في منتصف العمر جميعهم اصبح صورة متكررة ومشهداً مألوفاً تراه في الاسواق وعند محطات الباصات وأبواب المساجد والم
صالح الحكومية والحدائق العامة .. جمعتهم الفاقة ودفعهم الفقر.. يرمقون الناس بنظرات مليئة بالتوسل والرحمة والعطف.
ورغم أن التسول ظاهرة اجتماعية لا يكاد يخلو منها مجتمع إلا أن ما تتعرض له هذه الفئة داخل مجتمعنا تستدعي التوقف والانتباه وتلفت الانظار ، فمع زيادة عدد المتسولين والمتسولات الذين يرتفع عددهم باضطراد مع ارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة تفنن هؤلاء بأساليبهم لكسب رزقهم لكنهم دفعوا ضريبة تلك الأساليب من مكانتهم وسمعتهم داخل المجتمع من اشخاص يمثلون جهات حكومية يفترض بهم الدفاع عن هؤلاء ومن المجتمع ،الذي استغل حاجة تلك الفتيات للمال ليأخد بأيديهن عنوة الى مستنقع ملوث وملطخ . فلم تعد المتسولات فتيات بائسات بملابس رثة مهترئة تقف في مكانها تستدر عطف الناس كما كان عليه الحال سابقاً فقد ظهرت في الوقت الحالي اساليب أخرى ربما كانت اكثر ذكاءً ومهارة في أْعين بعض المتسولات. بعض الفتيات قبل أن يتوجهن الى التسول يبدأن بالاعتناء بمظهرهن وزينتهن وكأنهن ذاهبات الى إحدى الحفلات الراقية في محاولة منهن لاستدرار عطف الأخرين والاستئثار بقدر أكبر من حصيلة التسول على رفيقاتهن المسنات.
ففي سوق شميلة فتاة قد لا تكون الوحيدة وقفت بكامل أناقتها .. تفوح منها روائح البخور والعطور اعتقدت في بادي الامر انها جاءت للتسوق مع أن هيئتها لا تتوافق مع ارتيادها الاسواق. يلتفت الكثير من المتسوقين حولها والكل يرمقها بنظرات ذئبية الامر الذي ربما أرضى غرورها.. اذ لا تتوقف عن توزيع نظراتها والتي تعد مقدمة لاصطياد من يبدو أنه زبوناً.
هذه الفتاة مصنفة أنها متسولة.. بيد أن كثيراً من الباعة وأصحاب المحال التجارية داخل السوق يقولون غير ذلك.. فهم يعتبرونها جزء من عصابة للنشل لأن كثيرين فقدوا هواتفهم أو مبالغ مالية عقب كل تجمع تحدثه تلك الفتاة في أي مكان تقف فيه. وهناك في المقابل تجلس طفلتان لم تخلعا بعد زي المدرسة والحقيبة المدرسية وجدتا أن الشارع أكثر أماناً لهما من جدران المنزل.. تلك الطفلتين (11 سنة و9 سنوات) دفع بهما بعض المتسكعين الى إحدى المحلات التجارية المغلقة لمضغ شجرة القات لتجلسا بجانبهما وهما يمضغان القات والكارثة أن الحاضرين هناك ربما اعتادوا الامر ولم تعد مثل هذه المشاهد تثير غيرتهم او عصبيتهم ابداً.
وفي زاوية أخرى تجلس إحدى النساء مع فتاة لها اعتادت على الظهور بنفس المكان.. من حديثها اتضح أنها كانت تعيش مع ابنتها في منزل كباقي النساء وبعد طلاقها انتقلت للسكن مع أخيها في العاصمة صنعاء.
وبمرارة وألم حدثتنا كيف أن زوجة أخيها -التي هي في الاساس قريبة لها- ظلت طيلة قترة بقائها في منزلهما تمارس عليها ألوان العذاب وتتلذذ في اهانتها وجعلها تقضي كل وقتها في المنزل كخادمة لاولادها. كان لابد لهذه الأم المسكينة بعد رحلة عذاب مضنية أن يكون مصيرها الشارع ، اذ لا دولة تحمي مثل هؤلاء ولا ضمان إجتماعي قادر على أن يمنع كرامة وشرف هؤلاء من أن يذبحان على قارعات الطرق. حين سألتها عن ما يمكن أن تنتظره من المستقبل.. لم تجد ما تقوله سوى أنها احتضنت ابنتها التي قدمت للتو ودخلت في نوبة بكاء حاولت قطعها بأن ناشدت كل من له القدرة على لملمة لحمها وابنتها أن يمنحها أي عمل مهما كان... لكن دون جدوى. إمرأة أخرى تبلغ من العمر (36) عاماً قالت أنها تعمل في هذه المهنة منذ ثمان سنوات وعندما حاولت أن اسألها عن سبب توسلها تعذر علي أن آخذ منها إجابات ولم أحصل منها سوى انها أرملة وليس لديها من يعولها أو يكفلها وعندما سألتها عن تعرضها للتحرش والمضايقات مثلما تتعرض لها بعض المتسولات نفت بشدة وردت بانفعالات إن دلت على شيء فانما تدل على خوفها من معرفة حقيقة ما يدور في هذا الوسط وفي مقابلها وقف شخص ظهر عليه الترقب والقلق وعند اقترابي منها أخذ هو جانباً مقابلاً لها وشعرت بأنها لن تفتح فمها إلاَ بعد إذنه مما أكد لي حقيقة المعلومات التي ترددها بعض الفتيات المتسولات والتي تشير الى وجود عصابات واشخاص يستغلون المتسولات وبالذات الشابات منهن ً وهو ما أكدته عجوز التقيتها في باب اليمن وهي أرملة ولديها ابنة واحدة متزوجة بررت عدم تعرضها للتحرش والمعاكسات بكبر سنها وبأنها عجوز لم تعد تتمتع بصحة كافية وحين سألتها عن امكانية تعرض المتسولات من الفتيات الشابات وباقي النساء للتحرش والمعاكسات تهربت باسلوب ظريف جداً وقالت بانها لا تريد ان تحمل نفسها ذنب أحد وبدت في عينيها مرارة حزن وندم كما ظهرت عليها نظرات شك وريبة وتساؤل يدور في خاطرها قرأته وكأنه يقول ما الذي استطيع أن اقدمه ؟ وهل تتوفر لهن الحياة الكريمة ؟ وهل يتم توفير
الامن للنساء المتسولات؟.
إمرأة أخرى في ربيع عمرها حدثتني بأنها لا تملك شيئاً في هذه الدنيا «لا بيت ولا مال ولا وظيفة أو مأوى ولم تسعفها غير مهنة التسول التي تسد رمقها وأطفالها الصغار وأنها طريقة سهلة لمن تنقطع عنه فرص العيش و بانهن لايبذلن جهداً خصوصاً المتسولات الشابات اللاتي دائماً ما يحصلن على مبالغ مالية كبيرة".
والغريب في سوق شميلة وجود أعداد كبيرة من السيارات الفخمة امام مركز صنعاء للمعارض الدولية يقمن باصطياد بعض الفتيات ويؤكد احدهم بأن هذا الامر صار مألوفاً في تلك المنطقة.
استغلال رسمي
حاولت كثيراً أن استطلع الفتيات المتسولات عن أسباب مزاولتهن لهذه المهنة لكن كثيرات يتهربن من الاجابة عن هذا السؤال اوعن مجرد الحديث معي وعندما أتحدث لاحداهن سرعان ما يتحول كلامها إلى انفعال وحماس وتهرب خصوصاً عند اقتراب بعض الاشخاص وما لفت انتباهي خلال تجوالي في سوق شميلة لثلاث أيام متتالية هو وجود شخصين تثير تحركاتهما الريبة ولهما ملامح قاسية ومخيفة جداً ودائماً ما كنت المحهما في كل مرة اتحدث فيها مع المتسولات داخل السوق.
وعند استطلاع كثير منهن تبين ان هناك اشخاصاً مكلفين من دار مكافحة التسول يوزعون حسب المناطق ومهمتهم متابعة المتسولات والابلاغ عنهن.. لكن وظيفة هؤلاء تحولت الى ابتزاز واستغلال ..فبدلاً من مساهمتهم في الابلاغ عن المتسولات اصبحوا هم من ينظمون اعمالها من حيث توزيع المتسولات على المناطق والشوارع والاحياء والاكثر من ذلك ان هناك شخصاُ في سوق شميلة (تحتفظ الصحيفة باسمه) يقوم بفرض اتاوات على المتسولات وكان الامر اكثر غرابة حين اكتشفنا أن هذا الشخص يتبع دار مكافحة التسول و تلقبه المتسولات بـ(محمد العماني). وتؤكد كثير منهن أن هذا الشخص هو المسؤل عن المنطقة وله سلطة تخوله ابقائهن أو اخراجهن من السجن. وتقول إحداهن إن هذا الشخص ياخذ مبلغ خمسمائة ريال من كل متسولة اسبوعياً وفي حال القاء القبض على بعضهن تحت مبرر القضاء على ظاهرة التسول والحد من انتشارها في مثل هذه الاماكن لا يتم اخراجهن الا بعد دفع مبالغ مالية كبيرة تؤخذ منهن قسراً مقابل الحرية. وبعد عناء طويل تمكنت من الالتقاء بمن تعد ربما المسؤولة عن المتسولات ويتجاوز عمرها الثلاثين عاماً بقليل، ذكرت بأن لها في سوق شميلة ما يقارب الخمس سنوات وكان لديها طفلان والآن لديها ستة أطفال تعيلهم من التسول بسبب أن زوجها رجل فقير جداً ويعمل بأجر يومي في سوق حراج باب اليمن وبالكاد يحصل على مائتي ريال يومياً.
وعن ظروف تسولها أكدت قيام الشخص المذكور سابقاً بأخذ مبلغ خمسمائة ريال كل اسبوع من كل متسولة واذا رفضت أياً منهن دفع المبلغ يتم أخذها الى الدار بتهمة التسول.. وزادت بأن هذا يقوم بحمايتهن من أن يتم القبض عليهن عند التحرشات والمضايقات وقالت إن النساء المحترمات لا يسلمن من التحرش فكيف نحن وهم يعتبروننا لقمة سائغة.
وحكت تلك المرأة كيف أن سيارة فارهة يأتي بها أصحابها الى السوق بقصد التحرش وعندما تقترب منها الفتاة يتم اخذها بالقوة الى داخل السيارة.
واشارت الى أن الفتيات المتسولات يتعرضن للمضايقات والتحرشات في السوق سواءً تحرشاً لفظياً أو جسدياً وحين يتم القبض على أي منهن فيتعذر عليهن الخروج من السجن الا بعد دفع مبالغ مالية كبيرة وتتفاوت تلك المبالغ المبالغ المطلوبة من المتسولات حيث يؤخذ من الشابات اضعاف ما يؤخذ من المسنات .واكدت ان الشخص الذي يأخذ منهن الاتاوات هو من بيده الابلاغ عن أي منهن مؤكدة أنها دخلت السجن لمدة يومين (سجن الدار) ولم تخرج منه الا بعد دفع مبلغ آربعة الاف ريال وتشير الى أن عملية الاعتقالات للمتسولات تأتي على غفلة منهن حيث يتم اجتذابهن من الخلف بطريقة همجية وخالية من الانسانية ويتم سحبها إلى الباص الحكومي التابع لدار مكافحة التسول ..موضحة بأن القسم ممتلئ بالنساء والفتيات والرجال والاطفال المسنين والمجانين والمكان مزدحم بالعديد منهن وعند الامساك بهم لا يتم التفريق والتمييز بين المرأة والرجل العجوز والطفل في المعاملة.
بعد ذلك التقينا الاخ سليم الجهمي والذي يعمل في بيع القات والذي قال بأنه يدافع عن المتسولات دائما بدون مقابل وعادة مايقف في وجه الشخص الذي يأخذ الاتاوات منهن واعترض اكثر من مره طريقة.. لكن انكسار وخضوع المتسولات والتزامهن بالدفع لم يساعده في حمايتهن من التعرض للمعاكسات والتحرشات من قبل بعض الاشخاص. واكد الجهمي الذي يتفق مع في طرحه مع كثير مما اشارت اليه المتسولات من انه يوجد اكثر من شخص يأخذ الاتاوات من المتسولات مقابل السكوت وعدم الابلاغ عنهن وان الشخص المسؤول الذي تحدثت عنه كل المتسولات لديه تلفون محمول وبحكم عمله في دار رعاية المتسولين وبعلمه بوقت خروج حملات التفتيش فان كل المتسولات قبل خروجهن في الصباح يتواصلن معه وفي حال خروج الباص فإنهن يلتزمن بيوتهن ولا يخرجن للتسول وفي حال عدم خروجه يمارسهن نشاطاتهن الطبيعية كباقي الايام.
ظلم المجتمع
كثير من النساء اللاتي قابلتهن اكدن بانهن مطلقات أو ارامل وتتشابه اجاباتهن وعكس حديثهن الاساليب والاوضاع التي يعشن فيها وتقول احداهن ان اي مبلغ تحصل عليه مهما كانت حقارته أفضل من أن تسرق أو تسلك طريق الحرام. ومما لاحظناه أن الاماكن لم تعد تحد من حركة وانتشار المتسولات، فصار من السهل جداً أن تلقاهن في أي مكان ترتاده.. في سوق شميلة وشارع حدة والزبيري و امام بوابات الجامعات وفي الاسواق الشعبية واسواق القات.
وفي باب اليمن حيث يتجمع عدداً من السواح العرب والاجانب ترى تجمعات هائلة وكبيرة للمتسولات من فتيات وأطفال ونساء جميعهم عكسوا صورة مزرية ومشينة عن بلدنا فصغيرات السن لا يفلتن الشخص في باب اليمن الا بعد أن يأخذن منه مبلغاً من المال كما يشهد باب اليمن وجود كثير من المسنات التي ترتفع اصواتهن بطلب العون والمساعدة.
عناية غائبة
وتؤكد كثير من المتسولات انهن على استعداد لترك التسول اذا ما لاقين اهتماماُ او تعويضاً وحلاً لمشاكلهن الاجتماعية سواءً من قبل الدولة او من قبل الافراد الذين يستطيعون توفير اعمالاً مناسبة تليق بهن.
وتقول التي تعتبر مسؤولة عنهن: لو وجد في المسؤولين والجهات المعنية خيراً عليهم ان يتلمسوا أوضاع المتسولات مؤكدة أنه لا توجد امرأة اوفتاة ترضى لنفسها وضع كهذا وانها وغيرها من النساء لايتسولن الا رغماً عنهن عندما يشتد جوع اطفالهن وحاجتهم للطعام.
وتساءلت عن مصيرما يسمى بالضمان الاجتماعي الذي يذهب الى بعض المتنفذين أو غير المحتاجين في حين أن الكثير ممن هم بأمس الحاجة له لا يرون له أثراً مؤكدةً أن المجتمع يظلم الكثيرات ولا يرحمهن.
مستقبل مجهول
في خضم وضع كهذا ترى أي مستقبل تنتظره تلك المتسولات؟ وأي أنفس حقيرة تلك التي تدنت بإنسانيتها لتستغل تلك الفتيات وتأكل ما حصلن عليه من فتات مقابل تنازلهن عن حقهن في العيش بحياة كريمة؟ ومن المسؤول عن قتل براءة تلك الفتيات اللاتي اضيف الى جانب قهر المجتمع لهن يعاملن بالنظرة الدونية والاحتقار والازدراء واصبحن صيداً سهلاً لذوي النفوس المنخلعة من انسانيتها؟ وأين دور الجهات الرسمية التي لها صلة مباشرة بتلك الفتيات؟!.
سؤال نطرحه على طاولة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها من الجهات ذات العلاقة.
عن الوسط