السعودية.. فاعلٌ عالمي يصنع التحولات ويُعيد تشكيل التوازنات
بقلم/ صلاح الدين الاسدي
نشر منذ: 7 ساعات و 59 دقيقة
الثلاثاء 18 فبراير-شباط 2025 04:46 م
 

في خضم تحولات عالمية جارفة، تتعالى مكانة المملكة العربية السعودية كقوة دولية فاعلة، ترفض الانحصار في إطار الصور النمطية، وتنطلق بثباتٍ نحو تشكيل واقعٍ جديدٍ بخطى استراتيجية واعية.

 

تجاوزت المملكة كونها جسرٌ جيوسياسي يربط بين الشرق والغرب، إلى صانعٍ رئيس في المعادلات الدولية، تُدير دبلوماسيتها بلغة المصالح المتبادلة، وتُوازن ببراعة بين القوى العالمية، مُرسخةً نفسها كلاعبٍ محوري في هندسة النظام العالمي الجديد.  

 

وعلى الصعيد الإقليمي، حيث تشتدُّ حرارة التوترات، تُترجم هذه الرؤية الاستراتيجية نفسها عبر سياساتٍ استباقيةٍ لصناعة الاستقرار، فمن إعادة اللحمة الخليجية عبر مصالحة تاريخية، إلى حواراتٍ سياسية إقليمية ودولية أعادت ترسيم خريطة التحالفات، وصولًا إلى مبادراتها الحاضنة للحلول السلمية في اليمن والسودان ولبنان، تُثبت المملكة أن الأمن ليس شعارًا سياسيًا، بل حجرَ زاويةٍ في معادلة التنمية الشاملة.

 

مؤخرًا، برزت المملكة العربية السعودية كوسيطٍ دوليٍ فاعلٍ في ملفاتٍ إشكاليةٍ تبدو فيها الخلافات عميقةً بين الأطراف، لا سيما في أزمة روسيا وأوكرانيا، حيث استطاعت الرياض توظيف علاقاتها المتوازنة مع موسكو وواشنطن وكييف لتعزيز الحلول الوسطى، ففي عام 2022، نجحت المملكة في التوسط لتبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا شمل مئات المقاتلين، بما فيهم مقاتلون من دول غربية، في خطوةٍ أشاد بها المجتمع الدولي كعلامةٍ على مصداقية الدور السعودي، عكست من خلالها استراتيجية السعودية الدبلوماسيةً التي تقوم على "الحياد الإيجابي"، حيث تستثمر المملكة مكانتها كشريكٍ اقتصاديٍ وسياسيٍ لكل الأطراف دون انحياز، وقدرتها على إدارة الحوار مع قوى متنافسة في آنٍ واحد.. هذا النهج السياسي الفريد يُبرز تحول الرياض من لاعبٍ إقليميٍ إلى فاعلٍ عالميٍ قادرٍ على تجاوز الاستقطابات، مستفيدةً من ثقلها في أسواق الطاقة وتاريخها في المبادرات الإنسانية..كما يُرسخ هذا الدور فكرة أن النظام العالمي الجديد لم يعد حكرًا على القوى التقليدية، بل بات يتسع لدولٍ تمتلك رؤيةً مستقلةً وقدرةً على صنع تأثيرٍ في القضايا المصيرية.

 

ولا تقف جهود المملكة عند حدود السياسة، بل تمدُ أياديها البيضاء إلى جميع أنحاء العالم عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، كما تركز في رؤيتها على بناء اقتصادٍ مستقبليٍّ ينبض بالحياة، تترجم الرؤية الثاقبة 2030، وتشقُّ معها مشاريع عملاقة طريقها من رمال الصحراء لتُحدث ثورةً في مفاهيم التنمية: "نيوم" التي تعيد تعريف المدن الذكية، و"القدية" التي تختزل مستقبل السياحة العالمية، و"العلا" المتحوّلة إلى متحفٍ مفتوحٍ للتراث الإنساني...هذه الطفرة التنموية عملت على التطوير الجذريٍّ للهوية الوطنية، حيث تلتقي التكنولوجيا المتقدمة مع الإرث الحضاري العريق.  

 

وفي سياق بناء الإنسان – الركيزة الأساسية لأي تحولٍ تنموي – تشهد الجامعات السعودية قفزةً نوعيةً نحو العالمية..فبفضل استثماراتٍ ضخمةٍ في البنية البحثية والتحول الرقمي، تتصدر مؤسساتها التعليمية مراتب متقدمة في التصنيفات الدولية، محوّلة المملكة من مستهلكٍ للمعارف إلى مصدرٍ لها، وجعلت التحول التعليمي الذي وصلت إليه جزءًا من استراتيجيةٍ أوسع تُدرك معها أن المعرفة هي سلاح المستقبل، وأن الاستثمار في العقول هو الضمانة الوحيدة للريادة في عصر الثورة الصناعية الرابعة.  

 

وفي موازاة التطور المعرفي، تُحدث المملكة ثورةً في مفهوم الحوكمة عبر تحويل القطاع الحكومي إلى نموذجٍ رقميٍّ فريد..من منصة "أبشر" التي حوّلت التعاملات الحكومية إلى تجربةٍ إلكترونيةٍ سلسة، إلى المعركة الشرسة ضد الفساد التي استردت مليارات الريالات، تُعيد السعودية صياغة العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة...هذا التحول شكّل نقلةً ثقافيةً عميقةً تعلي من قيمة الشفافية والمساءلة، وتُرسّخ مبدأ أن التقدم التقني يجب أن يسير يدًا بيدٍ مع النزاهة المؤسسية.  

 

ولا تنفصل هذه النهضة الشاملة عن انطلاقةٍ ثقافيةٍ تجسّد روح العصر دون التنكر للجذور، ففي المشهد السعودي اليوم، تتعانق مهرجانات الموسيقى العالمية مع فنون الخط العربي، وتزدهر دور السينما بجانب متاحف التراث، في تناغمٍ فريدٍ يُحافظ على الهوية ويستلهم آفاق الحداثة.  

 

في مواجهة أصوات التشكيك العالقة في ذاكرة الماضي، ترد المملكة بلغةٍ لا تقبل الجدل: أرقامٌ اقتصاديةٌ صاعدة، ومبادرات سلامٍ غيرت خريطة التحالفات، واستثماراتٌ تنمويةٌ حوّلت الصحراء إلى مراكز إشعاعٍ حضاري، وإنجازاتٌ ثقافيةٌ تخطف أنظار العالم.

 

 اليوم، بينما يراهن البعض على استمرار الصورة النمطية التي شكلتها وسائل الإعلام المعادية، تكتب السعودية فصولًا جديدةً من التاريخ بخطى واثقة، مُثبتةً أن التحول الحقيقي لا يُقاس بالخطابات، بل بالإرادة التي تحوّل المستحيل إلى واقعٍ ملموس، وبالرؤية التي ترى في التحديات فرصًا لصناعة المجد.