15 يناير تفسير حركة التاريخ والحياة
بقلم/ كاتب/رداد السلامي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 22 يوماً
الأحد 15 يناير-كانون الثاني 2012 08:44 م
لا أدري من أين أبدا ، فبداية التحولات التاريخية تأتي قدرا على غير موعد منا ، وصحيح أن الشعوب هي من تصنع أقدارها ، لكن الذي يكتب الاقدار هو الله وحده ويحدد حدوثها بدقة مهما حاول الإنسان الزعم انه صانع أقداره ، ذلك أن إرادة الله ومشيئته وكلمته هي الحاكمة بداية ونهاية.

ومنطلقي كمسلم في تفسير حركة التاريخ والحياة ومن ينشأ فيها من تغيرات ينطلق من مصادر تفسيرية حيوية لا تعترف بالمصادفات ، ولا تلغي الحقائق الكبرى لصالح تفسيرات ضيقة ، لتجعل من المعدة مثلا هي أساس الحركة ، ومن الخبز دافع الثورة ومادتها الأساسية .

صحيح ان هذه جزئيات في الحركة ، ذلك أننا مأمورون بالسعي في الأرض والمشي في مناكبها لتحصيلها ، ولكن ليست هي الغاية و المنتهى ، ولا تصلح مادة تفسيرية ، لأنها لا تكرس إلا مفاهيم الذين يرون في الحياة قطعة خبز وامتلاء معدة ، ليأكلون كما تأكل الأنعام ، ذلك أن الثورات حركة حيوية كامنة في قلب التكوين الإنساني الحي الباحث عن البقاء والخلود ،فالله عز وجل قال لآدم حين أدخله الجنة "إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ * وَأَنّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىَ * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ" فخرج منها بفعل هذه الوسوسة الشيطانية التي آل إبليس ان لا يدعها حتى يظل آدم وذريته ، وهي وسوسة مستمرة ومتطورة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مدعومة بترسانة من الأفكار المتغيرة والفلسفات التي تتغيا في عملها عملية الإضلال بفيض من الدفق الإعلامي الخطير.

فكمسلمون نتملك الفكر القادر على تحدي وقائع الحياة المادية والفكرية والفلسفية ، الفكر القادر على المواجهة والتحدي القائم على أسس ثابتة وأصول قوية قويمة تمنح الفرد والمجتمع الروح الوثابة والطاقة المتجددة ، والبذل المستمر في سبيل جعل الحياة الإنسانية أكثر اهتداء واستقامة وسموا في سلوكها ومعاملاتها وأخلاقها .

نحن لدينا فكر يجادل الخارج بالداخل ويتحدى بصبر وثبات الفكر المادي القائم على فلسفة تجادل الداخل بالخارج ، من هذا المنطلق فإن الله عز وجل قال "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " وهذا هو قانون التغيير الذي يتحدى الفكر الفلسفي المادي الذي أراد ان يختزل حقائق التغيير وحركة التاريخ في الحياة بخواء المعدة ، ولقمة الخبز ، مستغلا حاجة الناس أبشع استغلال كي يجذر ذووه مفاهيمهم الفلسفية المادية وقناعاتهم الأيدلوجية لصياغتهم وفق أفكارهم ورؤاهم ، وتبديد الأسس الروحية والاعتقادية بوهم ان الواقع يمكن ان يستنزف روح الإيمان والضمير الحي في صدورهم .

إن المخزون القيمي والروحي لأي امة هو من يدفعها الى فعل التغيير والثورة ، إن الجوعى لا يصنعون ثورة ، وإن من يرضخون لقهر الحاجة لا يجيدون نحت الأحلام في ضمير الجيل ولا يستطيعون المواجهة في مواجهات المصير الكبرى بكافة اشكالها ومستوياتها ، إن تحدي الظلم ومواجهته هو من صميم ديننا ومن لب قرءاننا ، فالثورة مبعثها الكرامة المتمثلة في حفظ قيم الدين وتشريعاته التي جاءت لصيانة كرامة الإنسان وحريته ووجوده وحقه في الحياة بكرامة ، وبلا أكراهات أيا كانت ، إن شيوع الفساد واستشراء الهدم واستغلال حاجات الناس لإفسادهم وردهم عن دينهم لهي من أقوى دوافع الثورة وأساس أسبابها ، فالامة المستقيمة في مسلكها ، وامتثالها لقيمها شكلا ومضمونا ، والتي تجدد من مخزونها الروحي والقيمي ، هي الأمة القادرة على مواجهة أعتا إمبراطوريات الظلم ، ونظم الاستبداد والفتك ، إنها تؤمن أن الله اوجد الخير في الأرض وأودع فيها الرزق ولكن الظلمة والجبابرة والمتفرعنون يحتكرونه والباذخين يفسدون به قيم الأمة ، ويسعون في الأرض فسادا ، ولذلك فالأمة التي تتنكب هدى أنبيائها تصاب بنفسية انهزامية كما قال قوم موسى لموسى عليه السلام " لاطاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده" ويتفرعن حكامها ، ويحركون أساطير الكلام والإعلام ، لخداعها والاستخفاف بعقولها ، كي تصبح سجينة أوهام ، في حالة سكونية لا تستطيع المواجهة ، موعودة بالفقر والمستقبل السيء ان هي تحركت لتقرير مصيرها.

إن 15 يناير كانت الشرارة الأولى ، في مواجهة نظام استعظم ذاته وأراد ان يبني مملكة القهر ميراثا لأجيالنا وسلبا لمصيرنا وقيمنا ومستقبلنا ، وكرامتنا ، وكانت صوتا بريئا في حنجرة وطن أشحبته السنون العجاف وعجرفة نظام اراد ان يصبغ حياة اليمنيين وفق قناعاته التوريثية وأوهامه الفلسفية ، والسياسية ، وكان ولابد ان تتحرك هذه الكوكبة الشبابية كي تنفخ من روحها الحي في جسد الموتى ، الخانعون ، إننا شعب مؤمن بربه ، ولن تستطيع أي قوة سوى قوة الله أن تقهره ، سواء كانت فرعونية ام قارونية ، لن تجعلنا رعاع بلا قيم ولا كرامة ، ولن يتاجر بمستقبل الجيل وقيمه أيا كان .

إن أحلام اليوم حقائق الغد ، كما قال الشهيد حسن البناء رحمة الله تعالى ، والثورة كانت حلما شبه الذين لايدركون سنة الله في الحياة ذووه بالمجانين ، واليوم لنا أحلام ستكون غدا حقائق بإذن الله تعالى ، وعاش شعبنا اليمني المؤمن حرا أبيا لا ينحني الا لخالفه عز وجل.