إرهاصات الثورة المنسية
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 16 يوماً
الأحد 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:44 م

بعد حوالي عشرة شهور مضت من عمر ثورتنا المباركة، وبعد التضحيات التي قدمها ويقدمها شعبنا الصابر وصموده المنقطع النظير، لا بد لنا من وقفة تقييمية لمراجعة الحسابات - حتى لا نقع في المحظور- فما الذي تحقق حتى الان وما الذي ينتظر تحقيقه..

فها هو العالم الذي راهنا عليه كثيراً يغض عنا الطرف، يخذل نضالنا ويتجاهل ثورتنا ويتجه لإلباسها ثياب الأزمة السياسية عبر ما سمي بـ (المبادرة الخليجية) التي لم ولن يتمخض عنها سوى المزيد من إطلاق العنان للدكتاتور وجنوده كي يعيثوا في الأرض الفساد والبطش، وهنا أتساءل: ماذا يمكننا كمثقفين أو ككتاب قوله لأسر الشهداء والجرحى، ما نوع العزاء الذي يمكن أن يخفف عنهم، وما هي الكلمات المؤثرة التي ستعينهم على تجاوز مصابهم ومحنتهم حتى نختارها بعناية ؟!!

كل ذلك في ظل تباطؤ (الحسم الثوري)، والركون الغير مبرر للمبادرات الخارجية المتخاذلة التي شجعت القتلة على المزيد من سفك الدماء، فضلاً عن الموقف المريب لـ (الجامعة العريية) وتجاهلها المخزي لأرواح اليمنيين ، وتعاظم تدهور الأوضاع المعيشية لليمنيين وإستمرار (العقاب الجماعي) الذي فرضه عليهم هذا النظام الفاسد، وإستحالة تنحي صالح عن السلطة - كما إعتاد أن يصرح - وإستمرار القوات التابعة لنجله بالقتل اليومي الممنهج للنساء والأطفال في تعز وأرحب..

وحتى لو تم التوقيع على المبادرة الخليجية، فهل ستتحقق لشعبنا الآمال التي يصبو إليها، هل بمجرد تنحي صالح ونقله سلطاته لنائبه مقابل إعطائه ما يرغب من ضمانات، ستتنزل علينا بركات الديموقراطية وثمار المواطنة المتساوية ونعيم الحياة الآمنة الرغيدة التي حلمنا بها وضحينا لأجلها..

حتى لا نفقد البوصلة ونتوه في دهاليز السياسة وتجاذباتها: ينبغي أن نتفق أولاً، ونضع الخطوط العريضة، لماذا قامت ثورتنا، وماذا يريد شعبنا، وهل نحن نسعى حقاً للإستجابة الصادقة للجماهير الثائرة التي آمنت بالثورة والتغيير والحرية كخيارات لا رجعة عنها، أم سنبقى نلهث وراء مخرج يرضي جميع الأطراف عبر إتفاق سياسي يحفظ للأخرين أمنهم ويراعي مصالحهم، أم أننا نبحث اليوم عن (وصفة سحرية) تحقن دماء اليمنيين وتبعد عنهم شبح الحرب الأهلية أكثر من أي شيء آخر..

فجماهير شعبنا التي ثارت كافة لاسقاط النظام، مقدمة التضحيات تلو التضحيات في سبيل (الحسم الثوري) الذي تأخر وتأخر، لم تيأس أبداً وهتفت عالياً (الشعب يريد مجلس إنتقالي)، ولما جاء المجلس الإنتقالي جامداً بارداً ولم يغير من واقع الأمر شيئاً، هبت تلك الجماهير من كل مكان ساخطة ناقمة رافضة للمؤامرة الخليجية وللحلول الترقيعية، وها هي اليوم تنادي وتطالب بمحاكمة القتلة ومعاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها وعلى الدماء التي سفكوها..

تلك الجماهير الصابرة المرابطة هي صاحبة القرار يا أولوا الأبصار، تلك الجماهير المغلوبة على أمرها والتي بدأ صبرها ينفذ لن ترضى بالتأكيد بأقل من تلبية جميع ما تصبو إليه، طال الزمن أو قصر!!

فيا ترى ما هو شكل التسوية السياسية المطروحة، وما هي ملامح المرحلة القادمة: دولة هشة مائعة يرأسها (عبدربه هادي) لفترة طويلة، وحكومة فاشلة منقسمة على نفسها، وإنتخابات فاقدة الشرعية مسبقاً – لأنها تجري في ظل نظام غير شرعي - وجيش منقسم متعدد الولاءات، وكتل ومراكز قوى متصارعة متناحرة، ومحافظات خارجة بالكامل عن سلطة الدولة..

ناهيك عن إستمرار الأزمة المعيشية الخانقة المستعرة والفساد المستشري وإستمرار حالة الإستنفار الأمني والشحن النفسي والتخوين وتبادل الإتهامات، والعنف والترويع وو..... - بمعنى آخر صومال آخر - يمن مظلم قاتم ليس بأفضل حال من يمن ما قبل الثورة!!

ومن ناحية أخرى إيجابية، فالعشرة الشهور المنصرمة على ما بها من تضحيات وأوجاع كانت أشبه ما يكون بآلام ما قبل الولادة، كانت برأيي إعلاناً وتمهيداً لا بد منه لبدء مشروع نهوض وطني، وولادة يمن جديد مشرق..

ألم نكن نائمون فصحونا، ومخدرون فانتبهنا، ومخدوعون فوعينا، ألم تجعل الثورة من المستحيل ممكناً، ومن الخيال حقيقة ماثلة للعيان، ألم تفجر الطاقات وتشحذ الهمم، ألم تقتل فينا الخوف واليأس والخمول، ألم توحدنا وتعلمنا وتقوينا كما لم يحدث من قبل..

اليوم لم تعد تنطلي على شعبنا حيل علي صالح وألاعيبه، وخدعه وأكاذيبه، شعبنا عرف طريقه، شعبنا شب عن الطوق، علينا أن نعترف بأن ما عانته بلادنا من أيام صعبة كان بمثابة تحدي كبير وإمتحان صعب إجتازه شعبنا بنجاح، بعيدا عن المبادرات الهلامية الفارغة والحسابات الجوفاء - التي تريد حرفنا عن المسار الصحيح - ستستمر ثورتنا بالتأكيد وستظل هاماتنا شامخة وصيحاتنا مدوية وهتافنا واحد ((لن يحكمنا صالح ومن على شاكلته بعد اليوم))..