مأزق الإعلام اليمني وثورة المؤسسات المضادة
بقلم/ د. عبد الملك الضرعي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و يوم واحد
الأحد 05 فبراير-شباط 2012 05:38 م

منذ شهر فبراير2011م تعرضت الساحة الوطنية اليمنية لمجموعة من التحولات الهامة على الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، وكانت الساحة الإعلامية في مقدمة المكونات الاجتماعية التي شهدت مثل هذه التحولات ، حيث بادر عدد من الإعلاميين والإعلاميات المرموقين بتحديد مواقف واضحة من الخطاب الإعلامي الذي كانت تروج له السلطة وعلى وجه الخصوص بعد أحداث جمعة الكرامة الدامية التي مثلت بداية للمواجهات التي كانت تهدف لإجبار المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء على تركها.

إن الإعلام بصوره المختلفة المرئي والمسموع والمقرؤ الداخلي والخارجي مثل أحد أدوات المواجهة بين قوى الثورة والسلطة ، وقد تمكنت السلطة من كسب العديد من الجولات وقوى الثورة كسبت جولات أخرى ، ومن الأساليب التي اتخذتها السلطة للسيطرة على الساحة الإعلامية خلال تلك الفترة تحييد قناة الجزيرة من خلال تسريب فلم على أنه من داخل السجن المركز، وعلى الرغم من إعتذار الجزيرة بعد دقائق من العرض إلاَّ أن إعلام السلطة ظل يكرر ذلك المشهد لمئات المرات في اليوم بهدف إبعاد شريحة واسعة من المشاهدين عن قناة الجزيرة ، وبنفس تلك الآلية تم تصيد بعض أخطاء قناة سهيل وعدد من الوسائل الإعلامية التي تقدم رؤى الثورة بما فيها المواقع الإلكترونية التي تم حجب غالبيتها.

لقد مر عام 2011م وسط هيمنة رسمية على مختلف وسائل إعلام الدولة التي كانت تنقل وجهة نظر واحدة تمثل الحزب الحاكم على الرغم من تمويلها من قبل الشعب ، بل أن أبشع جرائم القتل ضد شباب الثورة جوار المدينة الرياضية وبنك الدم كانت استباقاً لتوجه الشباب إلى التلفزيون والإذاعة حسب ما ردده الإعلام الرسمي خلال تلك الفترة.

على الرغم من تفرد السلطة بالخطاب الإعلامي خلال العام الماضي وتناول أفضع التهم ضد قوى التغيير والمعارضة ، فقد شهد العام الحالي تحولات هامة أفرزتها المبادرة الخليجية إنتهت بتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي كانت وزارة الإعلام فيها من نصيب المعارضة.

منذ أن تسلم وزير الإعلام الأستاذ على العمراني مهام الوزارة عادت بعض القيادات الهامة المناصرة للثورة الشبابية إلى مواقعها القديمة ، وهي تدرك طبيعة المرحلة التي تتطلب خطاباً إعلامياً وطنياً، يبتعد عن تمجيد الأشخاص ويقترب من الروح الوطنية ، كما يرتكز على مبدأ الشفافية في طرح القضايا الوطنية التي أشارت إليها المبادرة الخليجية ومنها القضية الجنوبية وغيرها.

إن ألإشكالية التي يعاني منها الإعلام اليمني بشكل عام والإعلام الرسمي بشكل خاص تتمثل في قوى الممانعة التي ترفض تغيير مسار الخطاب الإعلام على أسس وطنية وحدوية ، وبالتالي فهي تستخدم مختلف إمكانياتها المادية والبشرية لوقف أي تحول هادف لإصلاح الخطاب الإعلامي ، وتمثل محاولة إغتيال وزير الإعلام ومحاصرة واقتحام مؤسسة الثورة للصحافة والأنباء وإصدار أعداد من الصحيفة دون موافقة ومعرفة الطاقم الإعلامي الرسمي للصحيفة ،وكذا محاصرة صحيفة الجمهورية والتهديد بمحاصرة التلفزيون نماذج هامة لردود الأفعال العنيفة التي يمكن أن تواجه بها قوى التغيير في مواقع أخرى.

إن محاصرة واقتحام مؤسسة الثورة بعد حذف صورة الرئيس وأهداف ثورة26سبتمبر من الصفحة الرئيسية للجريدة ،إستمر على الرغم من موافقة قيادة الصحيفة على إصلاح ذلك الخطأ حسب ماتناولته بعض المواقع الألكترونية ، إلاَّ أن ذلك لم يجدي نفعاً فتم اقتحام الصحيفة والسيطرة عليها وإصدار أعداد لاتحمل سوى إسم مدير المؤسسة السابق(علي ناجي الرعوي)وأغلق الموقع الإلكتروني الرسمي للصحيفة!!!وهدف كل ذلك تقديم رسالة لكل المؤسسات الإعلامية بالقول أن أيدينا ستطول إي محاولة للتغيير وفي أي مؤسسة حكومية ، فلدينا المئات من الكوادر لازالوا في ميدان التحرير أو المدينة الرياضية وعصر وغيرها ،هؤلاء هم وقود المواجهة ومعهم ما نملكه من قوة عسكرية وأمنية ومليشيا قبلية لا قبل لوزارة الداخلية أو أدوات الدولة المدنية بمواجهتها.

إذا كانت محاصرة صحيفة الثورة جاءت كرد فعل لحذف صورة الرئيس وأهداف ثورة سبتمبر فلماذا تحاصر صحيفة الجمهورية إذن، هناك علامات استفهام عديدة حول ملابسات معركة الإعلام مع المتنفذين من سلطة عائلة صالح ومن يسيرون في فلكهم وتلك حقيقة من الصعب تجاهلها،فهناك العديد من الإحتمالات منها السياسي ومنها المصالح الشخصية ، حيث تدر مثل هذه الإضطرابات ملايين الريالات على المقاولين لحشد البسطاء من عامة أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره، فعند حشد المئات يتسلم المتنفذون وجبات غذائية مختلفة مثل اللحوم والأرز والخبز وغير ذلك وكذا المخصصات المالية ونثريات لألاف الأسماء الوهمية ، وبالتالي يتم توفير مبالغ طائلة من المبالغ المحسوبة للحالات الوهمية أو الخصومات التي تطال الحالات الموجودة ، مثل هؤلاء المتنفذون حريصون كل الحرص على إشاعة الفوضى لأنها وسيلتهم الوحيدة للثراء غير المشروع.

إن ردة الفعل المتمثلة باقتحام مؤسسة الثورة للصحافة لم تكن تساوى ما يعتبره الكثيرون خطأ صحفي ، مع أن البعض قد يبرر إزالة صورة الرئيس صالح بالتحول السياسي القائم على التوافق والشراكة التي حوتها المبادرة الخليجية ، والأمر كذلك بالنسبة لأهداف ثورة سبتمبر الخالدة حيث يرى البعض أن ماحدث ليس إنتقاصاً من تضحيات أبطال الثورة اليمنية بل خروجاً عن المألوف خاصة بعد التحولات التي شهدتها الساحة اليمنية بقيام الوحدة اليمنية الخالدة ، وبالتالي مع تقدير كل اليمنيين لمناضلي الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبريرى البعض أن مؤسسات الدولة الرسمية يجب أن تنعكس فيها متغيرات عام 1990م كأن تشمل الصفحة الأولى أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر.

يعاني سكان حي مؤسسة الثورة من توسع الخيام يوم بعد آخر لأنصار صالح وتكرار الزيارات من قبل رموز قبلية وسياسية معروفة بمساندتها لصالح إلى ذلك المكان ، تلك الشخصيات تدعم توسع الخيام وتشد من أزر البسطاء من العامة مقابل وجبات طعام ومصروف جيب!!!تلك الرموز القبلية والسياسية تقدم رسالة واضحة للقوى التي بدأت بماعرف بثورة المؤسسات ومن تلك مؤسسة الثورة للصحافة ومثيلاتها ، ولسان حالهم يقول إذا كنتم قمتم بثورة المؤسسات من داخلها وعبر موظفيكم فإن ثورتنا المضادة ستأتي من خارجها ، وتصرفهم ذلك جزء من تصرفات أخرى تستهدف الحالة الأمنية التي تتولى إدارتها وزارة الداخلية المحسوبة على المعارضة ، نرجوه تعالى أن يمن على يمننا الحبيب بالأمن والإستقرار والحرية إنه على مايشاء قدير.