الإعلام الأمني ينشر أسماء ضحايا حادث التصادم الأليم في طريق شحن بمحافظة المهرة موسكو هربت قيادي ايراني من ميناء الحديدة.. تورط متزايد لروسيا مع الحوثيين في اليمن وامريكا تدرس كيفية الرد اول دولة عربية تعلن عن تطوير 8 منظومات متكاملة لصناعة الطيران مركز الملك سلمان للإغاثة يقدّم مساعدات غذائية في الضالع حادث مروري مروع في المهرة يخلف 11 ضحية إعادة فتح طريق مطار عدن بعد سنوات من الإغلاق هذا ما سيحدث في 2040.. ماسك يبشر بخبر مخيف! رسالة من رئيس "فيفا" للأهلي المصري بعد وصوله إلى ما قبل نهائي كأس القارات للأندية قوات الشرعية تسحق محاولة تسلل حوثية غربي تعز الشرعية تطلب دعماً دولياً لاستعادة السيطرة على الشواطئ اليمنية
«الدولة الآن هي قيس سعيّد وقيس سعيّد هو الدولة».. هذا أصدق ما كتبه أحد الصحافيين التونسيين للتعبير عن طبيعة المرحلة الحالية منذ أن قرر الرئيس التونسي في 22 سبتمبر/ أيلول إسقاط أجزاء من الدستور الصادر عام 2014 والابقاء على البعض الآخر، مانحا نفسه سلطة الحكم بمراسيم بعد شهرين من إقدامه على عزل رئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمان وتولي مهام السلطة التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية.
وصف يعيد إلى الأذهان المقولة الشهيرة المنسوبة للملك الفرنسي «لويس الرابع عشر» الذي حكم فرنسا بين 1661- 1715 والملقب بـ «الملك الشمس» حين قال «الدولة هي أنا» حتى غدت مثلا شائعا للتعبير عن الشطط في الاستبداد. وإذا كان التاريخ العربي يحيلنا إلى من عرف باسم «الحاكم بأمر الله» الخليفة الفاطمي السادس الذي حكم من 996 إلى1021، فإن قيس سعيّد يجوز أن نطلق عليه دون تجن «الحاكم بأمره».
الأمر الرئاسي الذي أصدره الرئيس التونسي لم يكتف بتفصيل الدستور وتفكيكه على مزاجه الشخصي، فأبقى على ما يريد ورمى بغيره، وإنما احتكر لنفسه أيضا تعديل الدستور والقانون الانتخابي معلنا أنه سيتولى التشريع عبر أوامر رئاسية، وسيغير النظام السياسي للبلاد. يحدث كل ذلك دون تحديد سقف زمني ودون وجود أية هيئة رقابية على ما سيفعله ودون إمكانية للطعن في أي أمر رئاسي يمكن أن يصدره مع أن الله وحده سبحانه من «لا معقّب لكلماته».
أما المجالات التي يمكن أن يفتي فيها الرئيس بمفرده، وتصدر كقوانين باتة ونهائية، فقائمتها طويلة من الشغل والصحة والثقافة والاعلام والبيئة والجيش والأمن والمعاهدات الدولية والأحزاب والجمعيات والنقابات والقضاء والانتخابات والجنح والجنايات والضرائب والأداءات بمعنى كل مناحي الحياة في البلاد تقريبا، حتى أن البعض ساخرا ما إذا كان العلم الوطني والنشيد الرسمي سيبقيان على حالهما أم لا.
واضح الآن أن الأمر لم يعد يتعلق بالتصدي لـ «خطر داهم» يهدد الدولة، ولا حتى بوضع حد لحالة من الفوضى والتسيب والفساد وانعدام المسؤولية تسببت فيها منظومة سياسية مهترئة وحكومة عاجزة وبرلمان مثير للسخرية، وإنما هي رغبة جامحة للحكم الفردي.
كل ذلك شكّل صدمة لكل من توهّم أن ما قام به الرئيس ليلة 25 يوليو/ تموز من حل الحكومة وتعليق صلاحيات البرلمان إنما جاء لمصلحة وطنية ضاغطة غفرت له تعسفه البيّن في اللجوء إلى الفصل 80 من الدستور. لقد أفاق كثير من هؤلاء الآن، وليس الجميع، على أن ذلك كان بعض الحق الذي يراد به كل الباطل.
لا شك في أن الوضع السابق كان مزريا ساهم كثيرون في مزيد تعفينه، ولا شك كذلك أن حركة «النهضة» ورئيسها على وجه الخصوص لم تنجح في شيء نجاحها في تأليب الناس ضدها بسبب انتهازيتها وحرصها على البقاء في الحكم، مهما كان الثمن. لقد انزلقت هذه الحركة تدريجيا في نفس ممارسات حزب الراحل بن علي السابقة من سوء تصرف ومحسوبيات ووضع اليد مع لوبيات الفساد وباروناته، ورفض زعيمها للديمقراطية داخل حزبه وتجاهله للأصوات الداعية للإصلاح وضرورة تخليه عن رئاسة مجلس النواب وغير ذلك كثير، وكل ما سبق يفسر في البداية تهليل الكثير من التونسيين ابتهاجا بالتخلص من هذه الرموز المكروهة للغاية.
هذا الوضع انعكس الآن حتى على المشهد السياسي الحالي في البلاد فالمخاوف الجمّة التي أثارتها خطوات الرئيس جعلت معظم الأحزاب تعدل عقارب ساعاتها، إلا قلة ممن أعمى الكره الأيديولوجي قلوبها وعقولها. ومع أن عددا من الأحزاب أصدرت بيانات مشتركة وصلت حد اتهام سعيّد بأنه بات «فاقدا للشرعية» وكذلك إلى إنشاء تنسيقيات للتصدي لتوجهاته المخيفة إلا أنها ليست مستعدة، الآن على الأقل، لوضع اليد مع حركة «النهضة» لأن ذلك سيكون مجلبة للسخط والغضب الشعبيين.
المطمئن نسبيا أن المجتمع المدني التونسي بدأ يستفيق ويتحرك، بعد مرحلة من الانتظار والضبابية وبعض الأمل في الرئيس، فنزل الناس إلى الشارع في وقفات احتجاجية قد تشهد المزيد من الزخم في المستقبل، كما شرعت الكثير من المنظمات في إصدار البيانات المشتركة المحذرة من مخاطر الحكم الفردي المطلق وويلاته في بلد تآمر عليه كثيرون، من الداخل والخارج، لإجهاض تجربته المتميزة رغم كل العثرات. ومع أن «الاتحاد العام التونسي للشغل» بات أكثر انتقادا للرئيس بعد فترة من المهادنة والتفهّم إلا أن تحرّكه الحقيقي في الشارع لإحباط أي نزعة استبدادية هو الذي سيكون المرجح للقوى الرافضة مع قطاعات رمزية وازنة كالقضاة والمحامين وغيرهم.
أما أقوى المناهضين للرئيس سعيّد فيبقى بلا جدال الوضع الاقتصادي الذي بات بعض الخبراء يخشون عليه من مصير لبنان أو اليونان، فعندما يصطدم الناس أكثر فأكثر بمزيد تردي المستوى المعيشي وارتفاع الأسعار سيدركون وقتها أنه ليس بالشعارات والكلام الفارغ يعالج الاقتصاد أو يتم التصدي للفساد. كل الأمل أن يدرك الجميع ذلك سريعا دون أن تضطر البلاد إلى دفع ثمن فاحش كهذا.