مأرب برس تحاور الناقد الحسامي
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 7 أيام
الثلاثاء 17 فبراير-شباط 2009 05:06 م

في مقالة منشورة في هذا الموقع البديع بعنوان " الحسامي الناقد الذي يشبه القط" أشرت إلى ما أشار إليه المراقبون للمشهد النقدي العربي اليوم ، إذ يرشحون الدكتور عبد الحميد الحسامي لتسنم مكانة في صدارة الضوء ناقدا مثابرا يسعى إلى حل الكثير من إشكاليات النقد المعاصر وتحريره مما علق به من شوائب الضعف والتقليد والعاطفة .

  أعرف الحسامي شاعرا مقتدرا وأعرفه ناقدا ذا مشروع يسعى " لجمع أشتات الجهود الفردية المفككة " تحت راية " مؤصلة وأصيلة تنأى عن التقليد للحركات الوافدة " ، فإن يكن الدكتور عبد القادر القط " شيخ النقاد " فالحسامي " أميرهم" .

حاوره / عبد المنعم الشيباني

 مأرب بريس تحاور الناقد الحسامي لتعرف منه أكثر عن ( مشروعه النقدي الجديد ).

 * أكدت أيها الدكتور الناقد غير مرة أن من أبرز إشكاليات النقد الأدبي المعاصر في اليمن والبلاد العربية " الهوس بالتقليد وتكرار ما قاله الآخرون " . اشرح للجمهور هذه الإشكالية و ما معناها ؟

أولاً أقدم ثنائي الجميل لموقع مأرب برس الذي يعد بوابة مفتوحة للمعرفة ، وثانياً أزجي كلمة شكر ندية للزميل الشاعر عبد المنعم الشيباني الذي يحرص على التواصل الجاد مع فضاء المعرفة والأدب.

* أما فيما يخص السؤال فأود الإشارة إلى أن التقليد حاجة إنسانية يفرضها قانون التعايش الاجتماعي حيث إن المغلوب يقلد الغالب ..... وفي مضمار الدراسات الأدبية والنقدية يعد التقليد إشكالية عميقة لأن الطريق المألوف مأنوس لدى النفس وسهل للعابرين ، أما تجشم الصعاب واجتراح طرائق جديدة ومسالك غير مألوفه فيعد شاقاً على النفس ، وهذا يسري على كثير من وقفات الحياة الأدبية عموماً ولو أجلنا النظر في تاريخنا الأدبي والنقدي منذ الجاهلية إلى اليوم سنجد عمق هذه الإشكالية حتى قال أحدهم :

ما أرانا نقول إلا معاراً ... وقد ظل العرب يقفون على الأطلال و يبكون ويستبكون ( نبكي الديار كما بكى ابن حذام )....

وربما إذا عملنا على استقراء رحلة النقد الأدبي العربي فسنجد أن النقاط المتجاوزة للمألوف والنقلات النوعية في حياة النقد العربي هي قليلة وقد قوبلت برفض حاد ومعارضة شديدة لأنها تجاوزت المألوف في العرف اللغوي ، وقد وضع النقاد أصول الشعر أو ما سمي بـ" عمود الشعر " ومعناه جملة من القواعد التي ينبغي للأديب الالتزام بها في بناء نصه الإبداعي ، وهو نوع من محاولة التقعيد على غرار ما فعل أصحاب العلوم الأخرى " أصول الحديث ، أصول الفقه ، أصول التفسير ....أصول النحو ...." وكان من يخرج عنها يجابه بالرفض والتنكر " لماذا لا تقول من الشعر ما يفهم ؟ وسموا بأصحاب مذهب البديع ...

  واليوم تتجسد هذه الإشكالية بمظاهر أعمق إذ إن الغرب المهيمن بحضارته قد استهوى أنظار الأدباء والنقاد فراحوا يقلدون الأدب الغربي تقليداً أعمى في بعض حالاته وصار هناك ولع بالتقليد شأنهم في ذلك شأن التقليد في مساقات الحياة المختلفة في المأكل والملبس وقصات الشعر والموضات وغير ذلك والمؤسف أننا نقلد الآخر الغربي في ما لا يضيف جديداً إلى حياتنا ونعزف عن تقليده في الأمور التي يمكن أن تشكل إضافات مهمة ونقلات نوعية في حياتنا ، إن التقليد آفة من آفات الفكر النقدي المعاصر وهو مظهر من مظاهر غياب الإحساس بالهوية واحترام الذات لأن الذي يحترم ذاته لا يصغي لسوى ذاته وإن أصغى لخارج الذات فإنه يصغي إليها بالقدر الذي يشكل إضافة إلى خصوصيته .

  إن أزمة الشعور بالخصوصية أصبحت أزمة عامة تستوعب كل مجالات حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية .....

إننا أمة ينبغي أن يكون لها خصوصيتها المتميزة وحينما نتسلح بهذا الشعور فإننا يمكن أن نصنع مشروعنا الخاص بنا .

 * قرأت الكثير من أبحاثك حول النقد وعرفت أن الناقد اليمني صدى للحركات النقدية العربية والتي هي أصلا صدى للأوروبية والغربية يعني ( سارق سرق سارق ) ........ نطلب المزيد من إيضاح هذه النقطة وبيان ما قد تظنه أنت أضرارا على شخصية الناقد اليمني والعربي .؟

إن قضية المركز والهامش في ثقافتنا العربية قضية عميقة فاليمن كما يرى عدد من الدارسين لم تكن يوماً ما مركزاً للدولة العربية الإسلامية مثل بغداد ، دمشق ، القاهرة ... وعاشت اليمن في منطقة الظل سياسياً مما جعلها أيضاً تعيش في منطقة الظل ثقافياً ولا يعني ذلك أن اليمن ظلت في موقع الهامش دوماً ، لكنها استطاعت أن تحتفي بـمراحل تاريخية كانت ثرية ومتجاوزة استقطبت اليمن فيها أنظار الدارسين والعلماء لا سيما في عصر الدولة الرسولية التي تعد المرحلة الذهبية للثقافية اليمنية وتلتها مدرسة التجديد الفكري على يد ابن الوزير والمقبلي والصنعاني والشوكاني ، وفي تلك المرحلة عاش اليمن لحظات إشراق وتفوق علمي وثقافي لكن ما سوى ذلك فقد عاش الأدب اليمني والثقافة اليمنية في كثير من أحوالهما معتمدين على المراكز الثقافية العربية المذكورة آنفاً واليوم تتجلى هذه الإشكالية فالناقد اليمني يأخذ عن النقاد المصريين والعراقيين والشاميين والمغاربة ، في الوقت الذي يأخذ فيه أولئك من النقاد الغربيين عن طريق الترجمة أو عن طريق المثاقفة المباشرة وخصوصاً المغاربة ، بمعنى أن النقد اليمني هو محاكاة عن محاكاة بحسب تعبير أفلاطون ، وبالإمكان أن يتجاوز النقاد هذه الإشكالية بأن يخطُّوا مشاريعهم النقدية الخاصة بهم دون أن يلجأوا إلى إلغاء الذات والتقليد الكامل للمقولات النقدية المستوردة ، إن الناقد الذي ينفق عشرات السنوات في التقليد واللهاث وراء الموضة النقدية قادر أن يؤسس خلالها لمنظور نقدي خاص ولا بأس في أن يستلهم تجارب الآخرين لكن بشرط أن يخصب بها مشروعه النقدي لا أن يذوب في ذوات الآخرين ، نحن بحاجة إلى أن نتلمس الذات وإحياء قدراتها وتنمية إمكانياتها لا أن نسلبها أبرز مقومات وجودها وهو الخصوصية الذاتية وهذا لن يتأتى إلا بالثقافية العميقة والإلمام الواسع ، والإمعان في قراءة الثقافة العربية الإسلامية والنظر إليها دون احتقار والنظر إلى ثقافة الآخر دون انبهار .

 * ماهو ملخص مشروعك ( لوضع إستراتيجية نقدية عربية يمنية واضحة المعالم ؟)

لا أستطيع القول بأني أمتلك مقومات نظرية خاصة للنقد اليمني ، ولكن أستطيع أن أقول وبثقة: إني حريص كل الحرص على أن أتلمس طريقي بهدوء وتريث وقراءة دؤوبة .. حريص على استلهام التجربة النقدية المعاصرة ، ومواكبة المتجدد والجديد فيها وهذا يقتضي متابعة حثيثة وقراءة فاحصة ، وفي المقابل فإنني أتجه بعين أخرى إلى المنجز العربي في الدرس البلاغي والنقدي وأحاول أن أقف ملياً أمام انجازاته وأراوح بين التراث العربي والمنجز النقدي الغربي ، وفي الوقت نفسه أحاول أن أقرأ التجارب النقدية المعاصرة للنقاد العرب لأنتزع - من كل ذلك- موقفاً نقدياً يتسم بالمرونة والوعي والمواكبة فضلاً عن أني أطمح لتبرئة النقد من اللغة المهشمة المتقعرة .

كما أني أطمح في مسيرتي النقدية إلى تقريب المصطلح النقدي للقارئ وأن أزاوج بين النظري والتطبيقي ولذلك حاولت في( الحداثة في الشعر اليمني المعاصر ) وهي أطروحتي للدكتوراه أن أستفيد من المنهج البنيوي ، وفي كتاب ( التحول الاجتماعي في اليمن من خلال الفن القصصي)- البحث الفائز بجائزة السعيد للإبداع الأدبي الدورة العاشرة - قدمت الدراسة وفقاً للمنهج البنيوي التكويني وفي دراستي( للخطاب النسوي في كتاب الأمالي )وظفت منهج تحليل الخطاب وفي بحثي عن( النرجسية في شعر الزبيري) وظفت معطيات المنهج النفسي وفي دراسة حالية أعكف على إنجازها وظفت المنهج الثقافي وفي دراسة عن الرواية اليمنية أزمع تقديمها لنادي جدة الأدبي في مؤتمر قادم في شهر مارس وظفت معطيات المنهج البيئي وهكذا في كل دراسة من هذه الدراسات أفضل أن أقدم رؤية تنظيرية ميسرة لهذه المناهج وأضفي على الدراسة تجديداً حينما أشفع التنظيري بالتطبيقي مما ييسر على القارئ استيعاب هذه المناهج وتطبيقها في الوقت نفسه .

ولا يفوتني إلى أن لدي اهتماماً كبيراً بتقديم الأصوات الإبداعية الشابة للمشهد النقدي وقد قمت بعدد من الدراسات بتقديم تجارب عدد من المبدعين في مجالات الشعر والقصة والرواية ولعل آخر دراسة لي في هذا المضمار عن رواية الضباب أتى .. الضباب رحل للقاص محمد عبد الوكيل جازم قراءة من منظور بيئي وهو البحث الذي أنوي تقديمه في ملتقى قراءة النص – الرواية في الجزيرة والخليج – بدعوة مشكورة من نادي جدة الأدبي في مارس القادم ، وقبله قراءة لمجموعة ( قلبك يا صديقي) للقاصة نجلاء العمري ، ومنذ سنوات وأنا أتعقب التجربة الإبداعية اليمنية باهتمام ومثابرة ، ولا تزال مكتبتي حافلة بالأعمال الإبداعية للشباب حيث انتهز بين الوقت والآخر كل سانحة لأقدم تجاربهم للمشهد النقدي المعاصر .

وفي هذا العام نظراً لوجودي في جامعة الملك خالد يفرض علي ذلك أن أقوم بتقديم المشهد الإبداعي اليمني على مستوى أوسع من خلال الصحف والمجلات والمنابر الثقافية الأخرى .

و في سياق آخر أعمل على تجديد طرائق التدريس في الجامعة بما يخدم مشروعي التقدي حيث أعمل على ربط الطلاب بالواقع الإبداعي المعاصر وأدرس للطلاب أعمال المبدعين الشباب في الشعر والقصة والرواية

وهي خطوة تؤتي ثمارها مع مرور السنوات وخلال عدد من الفصول الدراسية قمت بتعريف الطلاب في جامعة تعز وإب والجامعة الوطنية ـ والآن في المملكة العربية السعودية بعدد من المبدعين المغمورين على طول وعرض الخارطة اليمنية والعربية .

وفوق كل ذلك أتزود بالقراءة كل يوم حتى صارت القراءة بالنسبة لي كالأكسجين لا أستطيع الحياة دونها ولا أزعم أني بلغت في العلم شيئا فأنا اعتز بأني أشعر في كل لحظة بأني تلميذ صغير في محراب المعرفة ...

ورسالتي التي نذرت نفسي لها هي رسالة المعرفة والتنوير وأرجو من الله أن يوفقني للقيام بمسؤلياتها .

 * أخيرا أفتنا أيها الناقد في مفهوم الشعر الحر وأوزان الخليل بن أحمد ولما ذا هو شعر حر إن كان مقيدا بقواعد الفراهيدي ؟ .....وأما الشق الثاني من السؤال: أفتنا فيما يسمى " القصيدة النثرية "... ما لونها ؟

فيما يخص الشعر الحر هناك تعارض فيما يخص الشعر الحر في المفهوم الغربي وبينما درج عليه النقاد العرب في تسمية الشعر الحر ففي الغرب يطلقون الشعر الحر على الشعر المتحرر من الأوزان والقوافي وينبغي أن يقابله في العربية الشعر المنثور ، أما ما يتعلق بمصطلح الشعر الحر فكأن رواد الشعر الحر في الوطن العربي قد ظنوا أنهم في تحولهم من البيت الشعري إلى التفعيلة تحرروا من سلطة النظام الخليلي فسموه شعراً حراً لأنه لا ينتظم على إيقاع البيت الشعري الموحد وحرف الروي الموحد من بدء القصيدة إلى نهايتها فأمامهم إمكانية في توزيع التفعيلات وفي تعديد حرف الروي بمعنى أن الشعر الحر كما بينته نازك الملائكة هو تصرف في توزيع التفعيلات العروضية وقد أخذت نازك تضع قيوداً وشروطاً للشعر الحر إلا أن الشعراء من بعدها لم يلتزموا بشروطها بل اتهمها النقاد بأنها رجعية وخاصة عندما ألفت كتابها قضايا الشعر المعاصر ووضعت في ضوابط عديدة للشعر الحر بعد أن كتبت مقدمة ديوانها شظايا رماد وثارت فيه على الشعر الخليلي أو العمودي كما يحلوا لبعض النقاد أن يسموه وقد أطلقت على القافية الإله المغرورة وكانت نازك أيامها عائدة من الولايات المتحدة وكانت ثائرة نقدية ثورة توازي جموحها الفكري أيضاً لكنها بعد ذلك هدأت فكرياً وتعقلت ابداعياً أما ما يسمى بقصيدة النثر فهو موضوع آخر يجسد ما يسميه بعض النقاد بالمرحلة الثانية من مراحل الحداثة الشعرية العربية بعد مرحلة الأربعينيات المتجسدة بحداثة الشعر الحر إذ جاءت دعوات على يد أنسي الحاج وأدونيس وغيرهما من المتعصبين لفكرة قصيدة النثر ولا شك في أن قصيدة النثر التي ظهرت في فرنسا خصوصاً وكتبت عنها سوزان برنار في كتابها قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا كانت مدعاة لأن يتسابق هؤلاء في اقتباس مقولاتها والتبشير بها على أنها آرائهم الجديدة وقد كتب الشاعر العراقي سامي مهدي كتابه ( أفق الحداثة وحداثة النمط – قراءة في مجلة شعر ) وجلى فيه كل اقتباسات أدونيس وأرجعها إلى مصادرها الأساسية لدى سوزان برنار وأكد بالنصوص الواضحة والقطعية اختزال واختلاس أدونيس لهذه الآراء بمعنى أنها أي قصيدة النثر تنظيرياً وإبداعياً لم تكن نابعة من صميم الحاجة الإبداعية التي تقتضيها الذات العربية في تحولها المعاصر بل كانت مجتلبة من الآخر الغربي ونحن لا نعارض أن تكون هناك قصيدة بشكل من الأشكال لكننا نعارض إقحام أي شيء من خارج الذات ومحاولة فرضه قسراً على الذائقة العربية مدعوماً بتوجهات مراكز معينة ، إننا ندعو إلى أن يترك الإبداع نهراً يشق طريقه بنفسه كما شق طريقه في الأندلس وكتب الموشحات الأندلسية لحاجة إبداعية اقتضتها التحولات الذائقة ولم تفرض من خارجها ـ إن كثيرا من النقاد يرون أن قصيدة النثر لم تتخلق في صلب التجربة الإبداعية العربية ـ وأنها تشبه أطفال الأنابيب ، وهذا هو السر الذي جعل قصيدة النثر تتعثر منذ خمسين عاماً ولم تستطع أن تقوم على ساقيها . 

أشكركم ثانية وأرجو لكم وللموقع دوام التوفيق والتألق .