هذا مارأيته في حاضرة بلاد اليمن
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 10 أيام
الأربعاء 25 إبريل-نيسان 2007 07:41 ص

مأرب برس ـ خاص

صنعاء عاصمة الروح,او حاضرة اليمن, أو عاصمة بلاد السعيدة, سموها كيفما شئتم, صنعاء التي تشرفت بمؤتمر الاستثمار أخيرًا هي رائدة المقال, وسيدة الموقف, وهي من اقصدها في مقالي هذا دون غيرها , وإياك اعني واسمعي يا جاره, أبى قلمي إلا أن يتحدث عنها لتملي عليه العين ما رأته, والإذن ما سمعته .

كنت احلم وأنا لم أزال صبيا يافعا يترعرع في سفوح محافظة البيضاء, أن أرى صنعاء وان أعيش في رباها, كانت صنعاء لي كل أمنياتي, وكان الشوق يلتهب في صدري كلما ذكرت لي تلك المدينة, مهبط أفئدة وزراء اليمن وشعرائها وثوارها, وكانت دائما ما تشدني كلمات الشاعر أبو بكر المحضار والحان فنان العرب محمد عبده ( أحب صنعاء ) .

وعند الحديث عن صنعاء أتخيل مبانيها الشاهقة ناطحات السحاب, أتخيل شوارعها ذات الأنوار الذهبية التي تنبعث من رؤوس الأعمدة الكهربائية, أتخيل أن هناك حظاً سعيداً وافق سكان صنعاء ليكون هم سكان صنعاء, كنت في صباي أرى في عيني الصغيرتين صنعاء غير ما يراها الآخرون .

وعندما حالفني الحظ الاسواء والقدر المحتوم, رأيت صنعاء وعشت فيها دهرا ولم يعد فيها ما كنت احلم به .

• رأيت صنعاء وهي تضم بين مبانيها وحاراتها عشرات الفقراء الذين لا يعرف بهم احد, ولم تصلهم حالات الظمان الاجتماعي, وجبه الإفطار هي الوجبة التي تتناولها العائلة طوال ذلك اليوم.

• رأيت أزال اليمن وفي جولاتها عشرات الباعة المتجولون, الذين يحملون شهادات البكالوريوس من كافة التخصصات, بعد أن أصبحت الوزارات المعنية لا تستوعب إلا أولئك الذين يملكون شيكات بنكية دون غيرهم, من الكفاءات التي لا تجد ما تسد به رمقها, فضلا عن امتلاكها لقيمة مواصلات من باب اليمن إلى حي شميلة, وأصبحت الجولات هي ملاذهم الأخير لينتحروا على أرصفتها, وتذهب سنين الدراسة الجامعية أدراج الرياح, ليفضلوا البقاء على رصيف الفقر في انتظار المستقبل المجهول الذي لا يرحم أحداً, في بلد لا يحمي أحداً .

• رأيت عاصمة بلاد الإيمان وهي تفرش تربتها الواسعة, لترتوي أشجارها وحدائقها وحتى مجاريها, بدماء الأبرياء الذين تغتالهم رصاصات العنجهية والغدر, بين الفينة والأخرى, وهم صامتون لأنهم يؤمنون بالمثل الشعبي الذي يقول ( يد ما تستطيع كسرها حبها ), رايتها وقد تحولت إلى غابة يتعلم فيها وحوش البشرية, فن الافتراس, ليصطادوا ضعيف لا تحميه قبيلة ولا يؤويه حزب, ولا يدافع عنه مال, ولا ترحمه دولة, ولا يحميه نظام أو قانون, ولا يجيره احد, ليصادروا ممتلكاته وحتى حقوقه في الحياة .

• رأيت حاضرة بلاد السعيدة وهي ترتدي حلة الحزن, وهي تبكي أسرة كان لها أمل أن تعيش في منزل متواضع يسترها من افتراش الشوارع, لكن لم تكتمل أمنيات تلك الأسرة البسيطة بل تبخرت الأمنيات كما يتبخر ماء البحر في أيام الصيف القائض, حينما هاجمت ذلك البيت اسماك القرش الحكومية التي تحمل النجم المحرقة فوق كتفيها .

• رأيت أم اليمن لم تعد أم اليمن الحنون, التي تحن لفراق أبنائها, وتتوجع لتوجعهم , بل أصبحت مثل ذات الثديات التي تأكل أبنائها, وتصادر حقهم الإلهي المشروع لهم في العيش بحياة كريمة, وأصبحت أشبه ما تكون ببحر تأكل فيه الأسماك الكبيرة الأسماك الصغيرة, التي لا تجد ملاذا للهروب من مصيدة الصياد, أو مأمناً من افتراس الأسماك ذات العيار الثقيل الوزن, القوي البنية الواسع البطن .

• رأيت صنعاء وهي تمد ترابها لشيخ في السبعينات من عمره, لينام على ذلك التراب المختلط بالحصى, ليلفح البرد القارس جسده الضعيف, في لحظة فقدت فيها الجهات المعنية كل معاني الإنسانية, ليشتهر معها فقراء الطبقة الفقيرة بمجانين الشوارع في المصطلح اليمني.

• رأيت في عاصمة بلاد الحكمة ــ ولا حكمة ــ أنماطاً تجسد فيها جاهلية ما قبل الإسلام في أبهى صورها, فالضعيف تصادر ممتلكاته, والقوي يبسط نفوذه والقبيلة هي الحاضرة في عالم الافتراس داخل غابة الموت, في ارض اليمن, وداحس والغبراء تتجدد كل يوم, مع تجدد كل مسئول في منصب حكومي رفيع.

• هناك تحت قباب المآذن الشامخة, تتصبب الوجوه عرقاً, ويذوب القلب كمداً, وهو يرى عشرات المتسؤلين الذين يقطعون تسليم الإمام بأوراق المستشفيات, وعرض أوراق المحاكم ضدهم, وإذلال الزمن لهم, وانعدام العمل في شتى الجهات التي يولوا وجوههم نحوها, وإغلاق كل أبواب الرزق في وجوههم, ناهيك عن المغرمين الذين أضاعت الدولة حقهم المشروع في إعطائهم نصيبهم من الزكاة, لتتحول إلى إيداعات في حساب من يتولون جبايتها دون غيرهم, متناسيين قول المولى جل وعلا (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)) .

• وعلى امتداد عاصمة الروح رأيت مخبرين يحيطون بي وبكل شريف في كل مكان, ومن كل زاوية, فهم معك في الباص, في التاكسي في المطعم, في المتجر في الجامعة ,في ثنايا تحركاتك, في جوارك وأنت واقف بين يدي ربك, في أجهزة هاتفك يتنصتون عليك, ويسجلون أنفاسك ويحصون عليك كل شيء, ليتحول كل شيء في نظرك إلى مخبرين وجواسيس, حتى أولئك المجانين نحسبهم مخبرين وتابعين لأجهزة الدولة, التي اختلطت مهمتها وتشابكت, فمن امن سياسي إلى امن قومي , إلى استخبارات عسكرية, إلى مكافحة الإرهاب, حتى أصبح أفراد تلك الأجهزة وحدها قادرين على تشكيل دولة لو أرادوا ذلك .

• رأيت في حرم جامعتها الأبية ( جامعة صنعاء ), انتهاك يطال أسوارها, ويتعداه إلى قاعاتها, طلاب يوقفون عن دراستهم لأنهم تفوهوا بحرية الديمقراطية, وآخرين تم اقتيادهم إلى دهاليز الأمن السياسي المظلمة كما تقاد الذبيحة إلى مسلخ الموت, ليخرجوا دون تهمة, بنصيحة سياسية توصيهم بتجنب السياسة .

• رأيت ... ورأيت ... ورأيت ... ولكن ليس من راء كمن سمع, وكما قال شاعرنا المتنبي خذ ما رأيت ودع شيئا سمعت به . 

مدير تحرير موقع البيضاء نيوز

Aref78@hotmail.com