أغراض التأليف عند مراجع الشيعة
بقلم/ احمد الظرافي
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 4 أيام
الإثنين 10 مايو 2010 03:59 م

أن تهافت مراجع الشيعة وآياتهم على كتب السنة، والاستناد على شواهد منتقاة منها، في كتابة بحوث أو ودراسات أو مقالات تثبت وجهة نظرهم في العديد من المسائل، كالوصية لعلي بن أبي طالب، وكمظلومية أهل البيت وكبطلان الشورى في السقيفة. إن هذه وغيرها ليس الهدف منها – في رأيي - تأكيد وجهة نظرهم في حد ذاتها، حول تلك المسائل، إنما هدفهم الأساسي هو مخاطبة عقول أتباعهم..وغسل أدمغتهم .. للتحكم في وجهة نظرهم، ومصادرة عقولهم، أو إقفالها بقفل ( غثيمي ) محكم. وهذا هو ديدن مراجع الشيعة مع أتباعهم.

أغراض التأليف عند الشيعة مقارنة بالسنة

إن العالم الشيعي عندما يتكلم في حوار عام في قناة تلفزيونية أو في محاضرة مفتوحة، - وحتى لو كان يبدو أنه يخاطب مجموع الناس - هو يركز بدرجة أساسية على مخاطبة عقول وعواطف أتباعه من عوام الشيعة، بطريقة غير مباشرة، وهو عندما يؤلف كتابا، أو أبحثا، إنما يؤلفه ليكون بمثابة كتاب مقرر على أتباعه أو منشور أو تعميم ( ملزم ) لهم. ونفس الشيء عندما هو يرد على عالم - سني مثلا - فالهدف الأساسي لهذا المرجع الشيعي هو التأثير على عقول وعوطف أتباعه من الشيعة. فتابعه الشيعي الساذج لا يغيب عن باله، فهو شغله الشاغل، ومدار اهتمامه، فهو كما يقول المثل إياك أعني وأسمعي يا جارة.

وهنا تكمن نقطة الاختلاف العظيمة بين مراجع الشيعة، وبين علماء أهل السنة، فمؤلفات أهل السنة في الحديث والفقه والسيرة والتفسير والتاريخ، المقصود بها العلم، سواء العلم الشرعي أو بالتاريخ والحوادث أو غير ذلك من علوم. وهناك سبعة مجالات أو أغراض للكتابة والتأليف،لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها، حسب تعبير حاجي خليفة صاحب كتاب " كشف الظنون" وهذه الأغراض السبعة هي:

- اختراع جديد - وإتمام ناقص - وشرح غامض - واختصار طويل - وجمع متفرق - وترتيب مختلط - وتصحيح خطأ.

ومدار مؤلفات علماء السنة هو حول هذه الأغراض. والمخاطب في هذه الكتب هم الراغبين في التعلم، من المسلمين وغيرهم.

وطبعا نحن لا ندعي العصمة لعلماء السنة ولا نزكيهم على الله، وبالتالي لا ننكر أن هناك مؤلفات قد يدفع إليها الهوى أو الغلو أو الأغراض السياسية أو المذهبية أو الحزبية. ولكن نحن هنا نتحدث بشكل عام.

هذا بالنسبة لأغراض التأليف عند علماء السنة.

أما بالنسبة لأغراض التأليف عند علماء الشيعة، فهو في العموم توجيه الشيعة، والتحكم فيهم، والسيطرة عليهم، بزرع رأي محد دفي عقولهم، من شانه أن يحول بينهم وبين فهم الرأي المخالف أو تقبله، إن لم يكن تنفيرهم من هذا المخالف، وصناعة حاجز أو جدار سميك بينهم وبينه ( كجدار برلين الذين كان يفصل بين ألمانيا الشرقية وألمانية الغربية في فترة الحرب الباردة ) فالمخاطب في مؤلفات علماء الشيعة هو الفرد الشيعي لغرض تحصينه من أفكار أهل السنة ولكي يكون عنده مناعة ضدها، أكثر من كون تلك المؤلفات تخاطب الباحثين عن العلم والمعرفة.

وقلما يكون هدف المرجع الشيعي تغطية غرض أو أكثر من أغراض التأليف التي ذكرناها سابقا.

كتاب المراجعات نموذجا

لعل من أبرز كتب الشيعة الحديثة التي ألفت خصيصا لهذا الغرض - أي لمصادرة عقول الشيعة- هو كتاب المراجعات لعبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي. فهذا الكتاب في ظاهره موجه للسنة وللشيعة. لكنه في مضمونه وفي محتواه موجه لأتباعه من الشيعة. والحقيقة أن من يقرأ هذا الكتاب سيعرف أن عبد الحسين شرف الدين قد عرف كيف يخاطب قلوب الشيعة وعرف كيف يدغدغ عواطفهم، ويؤثر عليهم، ومن ثم عرف كيف يصادر عقولهم، ولعل ذلك هو سر الافتتان بهذا الكتاب لدى عوام الشيعة، لدرجة أنه أصبح بمثابة دستور عند بعضهم. وإن كل من له عقل وقرأ هذا الكتاب سيتضح له أن الغرض من تأليف هذا الكتاب هو مخاطبة عوام الشيعة أنفسهم وتوجيههم الوجهة التي يريدها عبد الحسين شرف الدين ومراجع الشيعة. وسأذكر على ذلك مثالا واحدا.

فعبد الحسين شرف الدين في إحدى الرسائل التي يزعم أنها متبادلة بينه وبين شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري، يورد فيها – أي في رسالة البشري - ما يفيد أن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما هي أفضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. وطبعا هذا عالم أزهري كبير بل هو شيخ علماء الأزهر في وقته.

فيرد عليه عبد الحسين شرف الدين مصححا بما معناه: كلا عائشة ليست هيأفضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم .. وإنما أفضل زوجاته عليه الصلاة والسلام، هي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. ثم يتبع ذلك بذكر مناقب خديجة..وكأن شيخ الأزهر يجهل هذه المناقب؟ وشيخ الأزهر هنا – بطبيعة الحال - ينطق بلسان حال أهل السنة. فبالله عليكم. هل شيخ الأزهر يجهل أن خديجة هي أفضل زوجات النبيصلى الله عليه وسلم؟ّ بل هل هناك مثقف سني يجهل هذه الحقيقة؟!

علما بأن شيخ الأزهر صاحب هذه المناظرة ولد قبل عبد الحسين شرف الدين باثنين وأربعين سنة ..فسليم البشري ولد عام 1248هـ وتوفي عام 1335هـ. بينما عبد الحسين شرف الدين ولد عام 1290هـ وتوفي عام 1377هـ. وهذه التواريخ موجودة في كتاب المراجعات نفسه.

إنما عبد الحسين شرف الدين بهذه المعلومة إنما هو يخاطب عقول وعواطفأتباعه الشيعة. ويجعلهم هم الذين يقررون الأحكام بأنفسهم، ودون أن يذكر لهم ذلك – وأكيد أنهم سيفعلون ذلك تلقائيا -.

وهذا مثل واحد فقط ..والكتاب يزخر بأمثلة كثيرة من هذا القبيل.

والمهم أنه بهذه الطريقة استطاع علماء الشيعة قديما وحديثا السيطرة علىعقول أتباعهم وجعلهم يدينون بالطاعة العمياء، وفي نفس الوقت استطاعوا التحكم في وجهة نظرهم تجاه السنة وإظهارها في عيونهم بصورة سلبية قاتمة. وهذا كما استطاع المستشرقون التحكم في وجهة النظر الغربية تجاه الإسلام في العصر الحديث.

مثال آخر: الشيعة وما حدث في السقيفة

يزعم الشيعة الإمامية أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو وريث النبي صلى الله عليه وسلم، وخليفته بلا فصل. ويوردون لتأييد هذا الزعم نصوص كثيرة – ومع ذلك نجد أن كثيرا من مؤلفات الشيعة تنطلق من السقيفة، وما حدث فيها من خلاف وجدال ومن ملابسات ومواقف صاحبت بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ويبذل علماء الشيعة جهدا ضخما لإثبات أن هذه البيعة لم تقم على الشورى، ولم تكن بيعة شرعية صحيحة، ومن ثم اعتبار ذلك سبب المصائب والدواهي التي حدثت بعد ذلك في تاريخ الإسلام. وهناك عشرات المؤلفات الشيعية القديمة والحديثة حول السقيفة ناهيك عما يرد حولها في سياقات كتبهم بمناسبة أو بدون مناسبة.

هذا مع أن صحة البيعة أو عدم صحتها، شرعيتها أو بطلانها، لا يقدم ولا يؤخر، وليس له أهمية عند علماء الشيعة، لأن القضية بالنسبة للشيعة ليست في شرعية أو عدم شرعية بيعة الصديق وإنما القضية هي أن الخلافة منصوصة على علي بن أبي طالب بنصوص إلهية ونبوية. فلماذا يا ترى يكلف الشيعة أنفسهم بذل هذا المجهود الضخم لإثبات بطلان بيعة أبي بكر الصديق؟ ولماذا يصدعون رءوسنا بالحديث حول السقيفة وحول تداعيات هذا الحدث؟ طالما هو وصي النبي وخليفته بلا فصل وطالما والقضية قد حسمت بالنص الإلهي والنبوي.

الجواب:

لا يخرج الأمر عما سبق أن تحدثت عنه وهو أن هذا الكم الهائل من الكلام حول السقيفة، ليس المقصود به العلم، أو إحقاق حق أو إبطال باطل، إنما هو كلام موجه أساسا لعوام الشيعة، وذلك لعدة أهداف منها:

أولا:- إثبات مسألة مؤامرة الصحابة وفي مقدمتهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح رضوان الله عليهم على أبتزاز الحق – أي الخلافة – من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ثانيا:- إثبات تهافت الصحابة على الخلافة وتفرق كلمتهم واختلافهم فيما بينهم، وعودتهم لما كانوا عليه من أمور الجاهلية، بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.

ثالثا:- إثبات عدم اهتمام الصحابة بدفن النبي صلى الله عليه وسلم وكيف أنهم انصرفوا عنه قبل أن يوارى الثرى لكي يبتزوا الخلافة من صاحبها الحقيقي.

رابعا:- إثارة الزوابع والأدخنة والأتربة حول الموقف العظيم والخالد الذي وقفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين وقف مخاطبا الناس الذين أصابتهم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالصدمة وطاشت عقولهم وأنكروا أنفسهم، قائلا بكل رباطة جأش:" أيها الناس من كان يعبد محمد فإن محمدا قد مات.ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت "..

وهذا الكلام مع كثرة التكرار ينقش نقشا في عقول الصغار من الشيعة فينشأ وهو معقد من الصحابة ولديه حصانة من السنة، حتى لا يكاد يطيق سماع اسم صحابي جليل....ويسمع بالمواقف العظيمة التي وقفها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلا يبالي ولا تعني له شيئا..

والله تعالى أعلم.