مسيرة تنظيم القاعدة في اليمن
بقلم/ عبد الإله حيدر شائع
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 14 سبتمبر-أيلول 2009 09:28 م

مع اقتراب الذكرى الثامنة للحادي عشر من سبتمبر نفذت القاعدة محاولة اغتيال الأمير محمد بن نائف الشخصية السعودية الأمنية الإقليمية في قصره بمدينة جده أواخر أغسطس 2009؛ وأعادت العملية الأكثر جرأة على مستوى المنطقة إلى الساحة الإعلامية والأمنية السجال القائم عن حقيقة حجم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتصريحات الأمنية المتتالية بتحجيمه والقضاء عليه أو إضعافه.

• مسيرة القاعدة في اليمن

كانت القاعدة في اليمن تتخذ من القيادة المركزية للتنظيم قيادة موحدة حتى تم اختيار أبو علي الحارثي -42 عاما- أول قيادة محلية لفرع القاعدة، وكان اهتمام القيادة المركزية تأسيس ركائز تمهد لانتقال الشيخ أسامة الشيخ أسامة بن لادن الشيخ أسامة بن لادن لليمن ، ولكن الحادي عشر من سبتمبر 2001 عجلت بمقتل القيادة المحلية وتفكيك خلايا التنظيم قتلا واعتقالا مابين العام (2002-2006) واقتصرت اهتمامات القاعدة في اليمن بعد ذلك على متابعة الجبهات الساخنة في العراق وأفغانستان والصومال وغيرها، ونشر الأفكار والأخبار والمواد الإعلامية المتعلقة بتلك الجبهات، وإبقاء اليمن محطة انتقال وإمداد بشري لتلك الجبهات من مختلف مناطق العالم.

وقد مثل الثالث من فبراير 2006 تاريخا جديدا على الساحة اليمنية والإقليمية للقاعدة؛ حين سجل ثلاثة وعشرون مشتبها بالإرهاب -بينهم قياديون في تنظيم القاعدة- هروبا من أهم سجن للأمن السياسي في اليمن، وأعاد تجميع خلاياه تحت قيادة جديدة تمت مبايعتها في السجن (أبو بصير ناصر عبد الكريم الوحيشي-33 عاما- أمير التنظيم الجديد) وتمت عملية الهروب عبر حفر نفق (طوله 45 متر، وعمقه خمسة أمتار، في من أقل شهرين).

أقامت القيادة الجديدة –بعد استقرارها خارج السجن- معسكرات تدريب، وبدأت مد خطوط الاتصال مع جميع الفروع للقاعدة في العالم بما فيها القيادة المركزية في أفغانستان، وتوافدت عناصر تبايع الإمارة الجديدة في اليمن بعد تزكية التنظيم الأم لها في خطاب للرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري نوفمبر 2008.

واهتمت الإمارة الجديدة بالانتشار الأفقي في أوساط المجتمع اليمني، ونفذت عمليات قليلة في ثلاث سنوات (أربع عمليات) أبرزها اقتحام السفارة الأمريكية في صنعاء سبتمبر 2008، واغتيال قيادات أمنيه هامة في مكافحة الإرهاب .

واستكمل التنظيم بناء هيكلته بإنشاء اللجنة الشرعية، وفريق التصنيع الذي صمم مواد شديدة الانفجار واخفائها في جسد منفذ عملية محاولة اغتيال الأمير، وفريق التنظيم والتدريب.

 وأولت القيادة الجديدة اهتماما بالجانب الدعائي والإعلامي فأنشأت مؤسسة إعلامية بإمكانات متطورة أنتجت مواد فلميه دعائية، وصوتيه، ومجلة دورية (صدى الملاحم) ومطبوعات وكتب وبيانات وبلاغات تتابع موقفها من مجريات الساحة في المنطقة، وانتظمت في إصداراتها التحريضية وتوثيق أعمالها الميدانية والتدريبية.

وتزايدت إصدارات القاعدة في شبه الجزيرة العربية بحسب السنوات، فأصدرت فلما واحدا في العام 2007 (بدر اليمن 1و2؛ يحكي عن محاولة ضرب منشآت نفطية في اليمن) وشريطين صوتيين للأمير أبو بصير (وعد صادق) وللمسؤول العسكري أبو هريرة الصنعاني ( فرية التفاوض مع الحكومة).

وشهد العام 2008 ولادة مؤسسة الملاحم الإعلامية التابعة للتنظيم دشنت باكورة إصداراتها بالمجلة الدورية (صدى الملاحم) وفيلما واحدا صدر بمناسبة الذكرى الثانية لهروبهم من السجن بعنوان (غونتانامو اليمن؛ يحكي قصة السجون اليمنية) كما صدر أواخر ذلك العام شريطا صوتيا لندوة فكرية يبرر فيها الهجوم على السفارة الأمريكية في صنعاء سبتمبر ذلك العام.

وكان للعام الحالي 2009 النصيب الأوفر من الإصدارات الفلمية، والمطبوعات؛ فاستفتح بالفيلم الذي يجمع القيادة الجديدة بعد الاندماج للتنظيم في اليمن والسعودية لأول مرة في إصدار مرئي واحد بعنوان (هنا نبدأ وفي الأقصى نلتقي) تلاه الفيلم الوثائقي (القصاص العادل ؛ حوى توثيق اغتيال قيادات أمنية محلية في مكافحة الإرهاب) وسلسلة فلمية بعنوان (فزت ورب الكعبة -1- ؛ تضمن وصايا منفذي عملية استهداف الكوريين الجنوبيين في اليمن) وفيلم (غزوة الفرقان؛ يكشف لأول مرة بعدسة القاعدة الهجوم على السفارة الأمريكية في صنعاء ووصايا المنفذين) وفيلم (معركة مآرب؛ التي اشتبكت فيها وحدات من الحرس الجمهوري مطلع أغسطس الماضي مع القاعدة في محافظة مآرب-170 كلم شمال شرق صنعاء).

كما أصدرت عشرة أعداد من مجلتها الدورية –تصدر كل شهرين قمريين- صدى الملاحم، وتفننت في مواضيعها وطرحها، وإخراجها من الناحية الفنية، وأصدرت كتابين؛ الأول يقرر عدم شرعية النظام ومرتكزاته بعنوان (كسر طاغوت اليمن ونظامه الديمقراطي) والثاني دراسة بعنوان (القول الصراح في حكم استهداف السياح)

وأصدرت شريطا صوتيا لأمير التنظيم أبو بصير يعلن موقفه في قضية سياسية محلية، الحراك الجنوبي في اليمن، معلنا دعمه للمتظاهرين والرافضين "لنظام صنعاء الظالم (...) دون الدعوة إلى شمال أو جنوب فالكل في دين الله سواء" بحسب ما ورد في الكلمة الصوتية التي حملت عنوان (إلى أهلنا في الجنوب) .

وقد حقق موقف القاعدة من قضية الجنوب اختراقا نفسيا لدى أبناء المناطق الجنوبية تمكنت القاعدة بعدها من التحرك والتجنيد في أوساطها، ومن نشر رسالتها الإعلامية والدعائية، عزز من ذلك موقف أكبر قيادي في الحراك الجنوبي (طارق الفضلي) حين صرح أنه "من يقف معنا نقف معه" تعليقا له على تصريحات أمير القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

ونجحت المؤسسة الإعلامية للقاعدة في خلق علاقة انسجام مع الصحافة والإعلام المحلي الأهلي الحزبي والمستقل، وأجرت حوارا صحفيا مع أمير التنظيم هو الأول من نوعه كان يحمل طابع الخطاب السياسي مما وسع من انتشار سمعتها، وأتاح للرأي العام والنخبة من مناقشتها والحوار معها.

ووصلت الإمارة الجديدة بالتنظيم إلى المستوى الإقليمي، وكانت أهم خطوة إعادة التنظيم على مستوى شبة الجزيرة العربية بعد توافد شباب التنظيم من السعودية ونجاحهم في الالتحاق بفرع اليمن الذي تحول بعد ذلك إلى مقر للقيادة الإقليمية الجديدة.

  

القاعدة في القصر الملكي

ومن يوم إعلان تحول القاعدة في اليمن إلى قيادة إقليمية في يناير الماضي 2009 تحت مسمى (تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) وهي تحاول إثبات الدور الإقليمي، وبدا ذلك حين ظهرت تشكيلة القيادة الجديدة وهي تضم شخصيات سعودية؛ الرجل الثاني في التنظيم (سعيد علي الشهري) والقائد الميداني الذي سلم نفسه للأمن السعودي بعد ذاك (محمد العوفي) وظهر في خطابه المتلفز يناير الماضي وهو يطلق تهديده بإرساله "قنبلة المُعَبدَي –أحد منفذي تفجيرات المحيا في الرياض 2003- إلى الأمير نائف وزير الداخلية السعودي" .

لم تصل القنبلة إلى الأمير الأب، بل إلى الأمير الإبن، وليس بالخطأ؛ إنما كانت الخطة تهدف إلى القضاء على الذي يوصف بأنه "قاهر الإرهاب" بدلا من والده الأمير نائف الذي سلم ملف القاعدة إلى إبنه الأمير محمد.

لم يكن "قاهر الإرهاب" يتوقع أن يقهره الإرهاب يوما في بيته وقصره، ووسط حاشيته ورجال أمنه وحمايته، بعد أن تحدث إلى المنفذ هاتفيا وأقنعه بنقله بطائرته لمقابلته في قصره، ولكن لماذا هذه المرة دخلت القاعدة إلى القصر الملكي للأسرة السعودية الحاكمة ولم تذهب إلى منشأة النفط أبقيق أو السفارة الأمريكية في الرياض كما فعلت في صنعاء قبل أقل من عام من تنفيذ محاولة الاغتيال؟

أرادت القاعدة أن تثبت أنها تمكنت من النيل من الأسرة الحاكمة في السعودية، وأنها لم تعد بعيدا عن مرمى أهدافها وعملياتها بعد أن خاضت معركة "نزع الشريعة" معها على مدى عقدين من الزمان بدأت مطلع تسعينيات القرن الماضي حين سمحت الحكومة السعودية بدخول وتمركز القوات الأمريكية على أراضيها بالقرب من الحرمين الشريفين، مستندة إلى قوة المؤسسة الدينية آنذاك التي تقف إلى جانبها على الدوام.

ولم تجروء القاعدة على الدخول إلى القصر الملكي إلا بعد أن اعتقدت أنها نجحت في كسر الطوق الأمني وتجاوز المؤسسة الدينية، ولم يبق في المعركة فاعلا تتفوق به الحكومة السعودية سوى المال والإعلام.

 والعربية السعودية ارتكزت من البداية في نظامها على بعد أيديولوجي بسبب المكان الذي يسيطر عليه ملك الأسرة الحاكمة، بلاد الحرمين ومهبط الوحي لأخر الرسالات؛ الإسلام.

وأقامت الحكومة السعودية تحالفا وثيقا مع السلفية ، وتبادلا المصالح؛ السلفية تعطي الشرعية للملك ونظام الحكم، والأخير يسمح لها بالعمل في جوانب حياتيه عامة تنشر وتفرض تفسيرها المتشدد للإسلام، وتنشئ مؤسساتها الخيرية العابرة للقارات، مع الحفاظ على إبقائها بعيدة عن الاستراتيجيات والخطط الجوهرية للدولة إلا في حالة مباركتها ومنحها الشرعية؛ كفتوى شرعية وجود القوات الغربية في البلاد، وجواز الصلح مع اليهود التي رد عليها الشيخ أسامة بن لادن في رسالة مطولة كأول خطوة منه لهدم الدولة السعودية، ووصلت خطواته اليوم إلى قصر الأمير بالمتفجرات.

لم تكن القاعدة بادئ الأمر سوى محرضا إعلاميا وتعبويا ضد ممارسات الأسرة الحاكمة، وبدت في معركتها مطلع الأمر مركزة على ما تصفه بمصالح "الحملة الصهيو-صليبية"، وعلى مدى مايقرب من عقدين كاملين (1990-2009) وهي تسير بخطوات منتظمة حتى تمكنت مؤخرا من الوصول إلى الأسرة الحاكمة للنيل منها مباشرة.

ومن جانبها؛ أوكلت الأسرة الحاكمة المهمة لرجال الدين السلفيين لمواجهة القاعدة كي يفندوا أفكار ها ومعتقداتها ويخوضوا معها معركة العقول، بينما هي تهتم بمعركة "القلوب والدولارات" عن طريق العصا الأمنية بالسجون القاسية أو السجون الناعمة التابعة للجنة المناصحة التي يقود برنامجها الأمير محمد بن نائف.

واستغلت الأسرة الحاكمة عمليات القاعدة ووجودها لتقليص حجم ودور المؤسسة الدينية الذي تعاظم وبدا مزعجا في سنوات ما قبل الحادي عشر من سبتمبر، وسعت لاستغلال ورقة الإرهاب للتخلص منها تدريجيا عن طريق تحميلها جذور العنف، ودواعيه الفكرية، وبكشف تناقضاتها أمام جبهة المعارضين لها، و فتح المواجهة المباشرة معها.

و بدأت بذلك أيضا من خلال تصعيد الليبراليين، وإفساح المجال أمام نقاش الأفكار في الإعلام وعرضها للرأي العام بدلا من استئثار الرأي السلفي لتقنين الحياة اليومية، وإفساح المزيد من الحريات الاجتماعية والشخصية والفكرية داخل المملكة.

 وساهمت مواقف السعودية من الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وموقفها من القضية الفلسطينية في إبهات وكسر هيبة وقداسة مؤسسة الفتوى داخل المملكة، مما سرع من خطوات الشيخ أسامة بن لادن للولوج إلى قصر الإمارة لمحاولة اغتيال الأمير.

وهذه الخطوة الأخيرة عززت القناعة لدى القاعدة أنها حطمت السياج الأهم والأقوى لمحوريته وارتكاز نظام الحكم عليه في المملكة؛ وهو المؤسسة الدينية، لدرجة أن النظام السعودي عجز أن يدافع عن نفسه أمام الرأي العام الإسلامي حين بدا له "متواطئا" مع العدوان الاسرائيلي على غزة ديسمبر-يناير 2009، وظهور لقاءات قيادات الحكم في السعودية بالحاخامات الاسرائيلية في مؤتمر حوار الأديان في مدريد، ولقاء العاهل السعودي بالرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز في الجمعية العامة للأمم المتحدة 2008، ومشاركة السعودية رسميا في مؤتمر أنابولس للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بوفد رفيع المستوى، ومبادرة الملك عبد الله التي تكفل لإسرائيل التطبيع الكامل مع الدول العربية.

جاءت تلك الخطوات المتقدمة للنظام على محك قضايا حساسة أمام الرأي العام، وبعد أن غيبت الحكومة عشرات العلماء المعروفين من علماء الشريعة في السجون السعودية؛ أمثال الشيخ خالد الراشد الذي اعتقلته سلطات الأمن السعودية عقب خطبة له ردا على الرسوم المسيئة في الدنمارك منذ ثلاث سنوات، والشيخ سليمان العلوان والشيخ سعيد بن زعير وعلي الخضير منذ أكثر من سبع سنوات؛ رداعلى فتاوى لهم ترفض العدوان الأمريكي على العراق وأفغانستان والتسهيل للحملة العسكرية.

وظهر جليا أن الأسرة الحاكمة في الرياض ما عادت تحتمل أي صوت معارض على خلفية دينية، فلجأت إلى الاعتقالات الجماعية بدواعي الإرهاب والقضاء على "الفئة الضالة" وجذورها الفكرية، وضمت السجون إلى جانب عشرات العلماء مئات من طلبة العلم الشرعي، وآلافا من أتباعهم.

تعميم الحالة اليمنية

ولم تكتف الأسرة الحاكمة باعتقال علماء وأساتذة الشريعة بل وصلت الاعتقالات إلى الأكاديميين والتخصصات العلمية المعملية كأساتذة الكيمياء والفيزياء، فقد أعلنت السلطات الأمنية السعودية أواخر يوليو 2009 عن اعتقالها 44 شخصا معظمهم درجاتهم أكاديمية تصل إلى الدكتوراه وتخصصاتهم في الهندسة والفيزياء والكيمياء.

وصار الأمر معتمدا على سياسة الأمن والإعلام، وبرزت إلى الساحة برامج "الأمن الفكري" وملاحقة الجذور، وتجفيف المنابع بإغلاق مؤسسات وجمعيات خيرية وعلمية.

واستنتجت القاعدة أن الأسرة الحاكمة في أضعف حالاتها وماهي إلا "ضربة أو ضربتان" حتى يسقط ويتهاوى ويتفكك النظام، بعد أن اعتقدت أنها أخرجت المؤسسة الدينية من اللعبة الدائرة تحت مسمى "حرب الإرهاب"، وقد أكدت المعارضة السعودية في الخارج تعليقا على محاولة الاغتيال أنها جاءت متزامنة في وقت ينخر الفساد المالي والإداري والأخلاقي الأسرة الحاكمة والمجتمع السعودي على حد سواء .

وأرادت القاعدة من عمليتها هذه -والمرتقبة- إلى نقل الحالة اليمنية إلى السعودية، حيث تعيش اليمن سلطة مركزية فاقدة للسيطرة، وخصوم النظام في صنعاء أصبحوا أكثر من المعاضدين لها، والضغط عليها صار من كل اتجاه؛ محليا وإقليميا ودوليا.

فتعميم الحالة اليمنية باتجاه المملكة يمدد مساحة الانطلاق لتنظيم القاعدة إلى جبهة الشام والعراق حيث تتمركز مجاميع وطلائع هامة لها هناك، في إطار خطه أعلنتها القاعدة و رسمت من خلالها خارطتها لتحرير فلسطين؛ كما حدد الإصدار المرئي الأول للقيادة الإقليمية الجديدة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب (هنا نبدأ وفي الأقصى نلتقي).

 والتنظيم من يوم نشأته في السعودية بصورة رسمية ومعلنة في مايو 2003 واليمن تنتقل بين الأدوار؛ دور الدعم اللوجستي بالتدريب وتامين الانتقال للجبهات الأخرى وتأمين خطوط الاتصال و النقل والتسليح والتدريب، أو دور احتضان القيادة الإقليمية كما حدث مؤخرا والقيادة المركزية بزعامة الشيخ أسامة الشيخ أسامة بن لادن الشيخ أسامة بن لادن كما هو مرتقب.

الرعب والإرهاب

عززت العملية من حضور القاعدة في شبه الجزيرة العربية إقليميا وعالميا على المستوى الأمني والإعلامي، خصوصا بعد أن حملت التركيبة المعقدة للمواد المتفجرة غموضا قد يطول إيضاحه، وطريقة التفجير سرا ليس من الواضح قريبا فك رموزها أمام تحدي القاعدة من معرفة "كنهها وطريقة تفجيرها" و بعد فشل أجهزة التفتيش في الكشف عنها، ونجاح المنفذ من تفجيرها في المكان المحدد لها وإصابة الأمير بجروح خارجية طفيفة تركت جروحا داخلية عميقة، مما يعزز أن العملية كانت تهدف إلى تحقيق الرعب والإرهاب؛ وقد فعلت.

وقد أظهرت المكالمة الهاتفية بين المنفذ وبين الأمير -كشفت عنها وسائل الإعلام السعودية الرسمية - قدرة فائقة لدى المنفذ المفترض على المناورة، والتماسك، والإمساك بخيوط الحوار حتى إقناع الأمير بالمقابلة له شخصيا، وإرسال طائرته الخاصة لتحمله إليه.

كما أن العملية جرى التمهيد لها إعلاميا بخطوات لم يفطن لها رجال الأمن والاستخبارات ومحللوهم، حين أصدرت القاعدة بيانا في أواخر شهر إبريل تحدثت فيه عن (كتيبة الأهوال) التي تضم عناصر بشرية مفخخة بالأحزمة الناسفة والسيارات والعبوات التي لا تكتشفها أجهزة الأمن التقنية والتقليدية؛ كحالة عبد الله طالع عسيري -سعودي الجنسي، 24عاما- منفذ عملية محاولة الاغتيال في قصر الأمير محمد بن نائف، وقالت القاعدة حينها في بيانها أن "هذه الكتيبة مخصصة لخطف أرواح القيادات الأمنية" .

 وجاءت الإشارة الثانية عن طريق فيلم أصدرته القاعدة في يونيو بعنوان (القصاص العادل) يتباهى بنجاحه في اغتيال قيادات أمنية محلية كان لها دور بارز في حرب الإرهاب وملاحقة القاعدة (الضابطان حمود قصيلة، ومحمد ربيش) نجح الأمريكيون في عهدهم من تفكيك التنظيم واعتقال واغتيال قياداته؛ أبرزهم أول زعيم للقاعدة في اليمن أبو علي الحارثي ورفاقه الستة مطلع نوفمبر 2002 على صحراء مآرب بطائرة البرايداتور التابعة للمخابرات المركزية الأمريكية CIA .

وقد جرى اغتيال القيادي الأمني (محمد ربيش) في محافظة مآرب -170كلم شمال شرق صنعاء- أكتوبر 2008 بطريقة مبتكرة –على مستوى عمليات القاعدة محليا وعالميا- بتصنيع ظرف مفخخ تم تقديمه له كهدية وصلت إليه بغلاف يوحي أنها مقدمة من الأجهزة الأمنية العليا في صنعاء بمناسبة أعياد الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر) .

 بينما عملية اغتيال مدير مباحث مآرب (حمود قصيله) تمت بطريقة مشابهة لمحاولة اغتيال الأمير محمد بن نائف، حين أوهمت القاعدة أن بعض أفرادهم استسلموا وأصبحوا مجندين لصالح السلطات الأمنية، وهم نفس الأفراد الذين نفذوا بعد ذلك اغتيال الضابط (قصيله) منتصف العام 2007 بعد أن نجحوا من اختراقه وإقناعه بأنهم سيقدمون له رؤوس القاعدة المطلوبة.

وفي محاولة اغتيال الأمير قامت القاعدة بخطوات العمليتين السابقتين؛ الاختراق بغرض التسليم، والابتكار في الوسيلة، وقد جاءت استجابة الأمير محمد بن نائف لطلب (عسيري) -منفذ العملية والمطلوب على لائحة الـ85- أن يرسل له طائرة خاصة لنقله للالتقاء به شخصيا؛ بناء على عملية تسليم سابقة قام بها محمد العوفي -المطلوب على لائحة الـ 85- حين سلم نفسه بعد إعلان القيادة الإقليمية الجديدة للتنظيم دونما عناء من الحكومة السعودية أو اليمنية، وبقرار محض من العوفي نفسه لأسباب ذاتيه، وهذا ما طمأن السلطات الأمنية السعودية، فاستغلت القاعدة الاعتقاد السائد لدى الأمن السعودي أن أعضاء القاعدة من قائمة المطلوبين سيأتون تباعا بنفس الطريقة.

وكانت أول خطوة في اغتيال الأمير عملية تسليم العوفي نفسه، رغم عدم وجود مؤشرات مادية على أنها مدبرة من التنظيم، إلا انه استفاد من الصورة التي أحدثتها عملية وطريقة التسليم؛ مما خلق أجواء متفائلة مكنت القاعدة النفاذ من خلالها إلى قصر الأمير، وقبل ذلك إلى عقليته متجاوزة ذكاءه الأمني وخبرته في التعامل مع الإرهاب.

ستظل محاولة اغتيال الأمير تلقي بظلال الرعب حتى اكتشاف سر المتفجرات وآلية التفجير، لأن غموضها يجعل إمكانية تكراراها على أي شخصية أو هدف في أي مكان في العالم ممكنا، فالقاعدة تثبت بالعملية هذه أنها تسبق خصومها بخطوات كما سبقته في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهجمات مومباي 2008، وغيرها كالتي كانت في العاصمة الإسبانية مدريد (مارس 2004) أو العاصمة البريطانية لندن (يوليو 2005) أو عمليات الأربعاء الأسود (أغسطس 2009) في العاصمة العراقية بغداد التي اخترقت شاحنات مفخخة تابعة لدولة العراق الإسلامية –والقاعدة أبرز مكوناتها- المنطقة الخضراء الأكثر تحصينا، ومقرات وزارة الخارجية والمالية؛ موقعة مئات القتلى والجرحى بينهم أصحاب مناصب سيادية مدية وعسكرية وأمنية في الدولة العراقية.

* عبد الإله حيدر شائع

صحفي متخصص في شؤون الإرهاب

abdulela@gmail.com