عن طالبان وأفغانستان النصر اوالهزيمة
بقلم/ أ د منصور عزيز الزنداني
نشر منذ: 3 سنوات و شهرين و 19 يوماً
السبت 21 أغسطس-آب 2021 04:27 م
 

140000 مائة واربعين الف جندي وضابط اجنبي شاركوا مع 325000 جندي وضابط من القوات الحكومية الأفغانية ، كان حلفا عسكريا من اربعين دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قاتلوا في كل الأراضي الأفغانية في المدن والأرياف في الجبال والوديان .

جائوا الى افغانستان غزاة مستعمرين . اخضعوا افغانستان بالقوة العسكرية لحلف الناتو من القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والكندية والألمانية والتركية وغيرها من القوات المشتركة لحلف الناتو (حلف الناتو يضم 27 دولة) مع احدث ما انتجته مصانع السلاح الغربية من عتاد عسكري متطور

 

. استخدموا كل وسائل الإذلال ضد شعب مسلم عشق الحرية والاستقلال في دياره وارضه ووطنه عبر التأريخ . سجنوا عشرات الآلاف من ابنائه شبابا وشيوخا ونساءً واطفالا ، استخدموا كل انواع الأسلحة وجربوا السلاح القديم والسلاح الجديد على أجساد ابناء الشعب الأفغاني .

دمروا البيوت في المدن والقرى قتلوا الانسان بلا رحمة . هَجروهم من ارضهم ومنازلهم نهبواممتلكات المواطن الافغاني لا فرق بين غني وفقير .

انشأوا حكومة افغانية تأتمر بأمر المستعمر الغازي الامريكي وحلفائه غيروا كثيرا من الهوية الثقافية والأسلامية للشعب الأفغاني زرعوا الهوية الغربية الليبرالية في افغانستان المحافظة بلا حسيب ولا رقيب فرضوها في المدارس والمعاهد والجامعات وفي وسائل الأعلام وفي كل مؤسسات الدولة العامة والخاصة لم يختلفوا في ذلك عن الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات من القرن الماضي حين فرض هويته الشيوعية على الشعب الأفغاني .

استبدلوا الهوية الأفغانية بهويتهم الغربية تطاولوا على كل ما له علاقة بعقيدة الشعب وهي ايضا عقيدة الأمة الاسلامية التي يدين بها شعوب سبع وخمسون دولة اسلامية وجميعهم اعضاء في منظمة التعاون الاسلامي وهي ثاني اكبر منظمة حكومية دولية في العالم بعد الامم المتحدة وفيها ما يقرب من مليار وتسعمائة مليون مسلم . استمرت الحرب خلال الفترة الممتدة من اكتوبر 2001 وحتى اغسطس 2021 من قبل امريكا وحلفائها المحليين والإقليميين والدوليين ضد طالبان ومن يشاركها في مقاومة الوجود الأجنبي على ارضهم .

مارس الغزاة سياسة استعمارية مرعبة شبيهة بسياسات الدول الاستعمارية في افريقيا وآسيا في القرن العشرين كان ذلك يجري امام العالم كله دولا ومنظمات حكومية دولية مثل الامم المتحدة ومنظمة التعاون الاسلامي وامام المنظمات الحكومية الإقليمية مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوربي والاتحاد الافريقي ومنظمة الوحدة الأمريكية ومنظمات حقوق الانسان الرسمية والمدنية العالميه .

الجميع لم يعترضوا او يظهروا حتى البعض من الإستنكار تجاه ما كان يجري في ارض افغانستان من اهدار لكرامة الانسان وكرامة القانون الدولي او مبدأ حرية الشعوب وحقوق الانسان وحق تقرير المصير وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول او تهديد سيادتها او تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر . لم يسجل اي موقف لمجلس الأمن الدولي لرفض ذلك السلوك الإستعماري الجماعي البربري الممنهج لدولة يبلغ عدد سكانها نحو اربعين مليون مواطن حيث كانت ولازالت دولة عضو في الأمم المتحدة .

والأغرب من ذلك ان مجلس الامن اصدر قرارا واحدا عام 2002 شرعن فيه التواجد العسكري للدول التي شنت الحرب على افغانستان وقد أنشأ بموجبه ما سمي حينها بالقوات الدولية المساعدة على حفظ الأمن في افغانستا واوكلت المهمة لقوات الناتو . لقد خاض الشعب الأفغاني قتالا مريرا ضد المحتلين دفاعا عن ارضه وحريته قٌتل في الحرب وجرح مئآت الآلاف من الأفغان والجزء الأكبر من الضحايا كان من المدنيين غير المحاربين

. وشُرد ايضا الملايين ليعيشوا خارج وطنهم او في الكهوف وقمم الجبال تلاحقهم قذائف الدبابات والمدافع واحدث الطائرات الحربية الغربية بصواريخها وقنابلها المدمرة وحتى الطائرات المسيرة . وقد صاحب هذه الحرب العسكرية الأوربية الأمريكية على الشعب الأفغاني حربا اعلامية وثقافية حولت كذبا شعبا بأكمله الى شعب إرهابي يهدد العالم ويهدد الحضارة الإنسانية جمعاء

. ولأن الأفغان وفي مقدمتهم كتائب طالبان قد رفضوا الاستسلام لجيوش الإستعمار الدولي الجديد الذي بدأ في العام الأول للألفية الثالثة ، ولأنهم رفضوا ايضا التواجد العسكري الأجنبي في بلادهم واعلنوا مقاومتهم له حتى التحرير الكامل واستعادة سيادة بلادهم ولأنهم ايضا قد اتخذوا قرار المواجهة وطرد المستعمر غير مترددين او مساومين فقد كان الكفاح المسلح هو خيارهم الوحيد مثلهم مثل كافة شعوب العالم التي قاومت الاستعمار الأجنبي لأوطانهم

. وبالرغم من ان المقاومين الافغان قد ادركوا انهم يواجهون خصوما لا ينقصهم العدد او العدة وان امكاناتهم وقدراتهم المحدودة لا يمكن اخضاعها للمقارنة بقوة عدوهم ، الا انهم دخلوا في الحرب ضد امريكا وحلفائها الدوليين والمحليين وكانوا على ثقة ان النصر من عند الله وان الله ينصر من ينصره وان شعبهم سيكون لهم البيئة الحاضنة والداعم الرئيسي لهم في حربهم العادلة مع المعتدين وهو ما كان على ارض الواقع . ورغم ان حرب التحرير قد استمرت نحو عشرين عاما فقد كانت الخسائر فيها ترتفع يوما بعد آخر يصاحب ذلك صمتا عالميا متعمدا عن جرائم الحرب الأمريكية وعن الاحتلال الأجنبي لأفغانستان حتى كادت تلك الحرب الدولية ان تكون من الحروب المنسية .

غير ان الشعب الأفغاني المسلم المعروف عبر التأريخ بقاهر الإمبراطوريات لم يستسلم للأمر الواقع ولم يختلق الأعذار بأنه قد تخصص بهزيمة الإمبراطوريات تاريخيا لأنه كان يحارب كل امبراطورية لوحدها فقد سجل التأريخ انهم هزموا جحافل إمبراطورية الإسكندر الأكبر الإغريقي ثم هزموا الامبراطورية المغولية وايضا امبراطورية الهند والامبراطورية البريطانية التي لم تغيب عنها الشمس .

وفي نهاية القرن الماضي هزموا الإمبراطورية السوفيتية واخيرا وفي الأيام الماضية هزموا التحالف الدولي الذي ضم إمبراطوريات ثلاث الأمريكية والبريطانية والفرنسية مجتمعةً مع حلفائهم في الناتو وغيره من دول الإقليم التي كانت تقدم التسهيلات اللوجستية لدول العدوان على الشعب الافغاني.

. ان النصر العظيم الذي حققه الشعب الافغاني قبل ايام قليلة كان نتيجة حتمية لعوامل عديدة منها العقيدة والإيمان عند المقاتلين وعامل الإرادة الصلبة عند قادتهم وثقتهم بشعبهم وثقت شعبهم بهم وإعتمادهم على عدالة حربهم متجاوزين في ذلك قلة الامكانات وخاصة في جانب التسليح والموارد المالية والبشرية ومتجاوزين الحصار الاقتصادي المفروض عليهم وغياب الدعم الدولي الا ان إعتمادهم على قدراتهم الذاتية المحدودة جدا وإيمانهم بعدالة قضيتهم فقد استطاعوا هزيمة الدول الغازية التي سُمح لها اخيرا مغادرة افغانستان الى ديارها مهزومة منكسرة بإتفاق سياسي بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية .

افغانستان اليوم دولة حرة سيادتها وقرارها بيد ابنائها وهي بحاجة الأن الى وقف الصراع الداخلي وتحقيق مصالحة وطنية من خلال اتفاق على عفو عام حقيقي والإلتزام به كميثاق شرف في كل ما مضى من خلافات وقضايا سياسية والتوجه نحو العمل الجماعي في صناعة المستقبل من خلال حوارات وطنية ترعى المصالح الوطنية للشعب الأفغاني وبعيدة كل البعد عن النفوذ الخارجي الذي لا يرى الا مصالحه في مواجهة المصالح الأفغانية.

. ان الإعتراف بالمواثيق الدولية التي وقعت عليها افغانستان واحترامها سيكون عاملا حاسما في قبول المجتمع الدولي لها كدولة محبة للسلام وسيكون ذلك مقدمة اساسية لاحترام المصالح المتبادلة بينها وبين دول العالم .كما ان المجتمع الدولي مطالبا اليوم اكثر من اي وقت مضى بعدم التدخل في الشئون الداخلية لأفغانستان وبدلا من ذلك على دول العالم ان تسعى الى بناء جسور تعاونها مع افغانستان واحترام مصالح الشعب الافغاني كأساس لانطلاق علاقاتها الدولية مع شعوب العالم ، والتي يجب ان تؤمن بها افغانستان الدولة وتمارسها كقانون وسياسة بهدف الاسهام في تحقيق الامن والسلم الدوليين ..

ولن يتحقق مبدأ التعايش السلمي بين الأمم الا بإحترام الدول الكبرى لسيادة الدول الصغرى والتخلي عن مفهوم السيطرة والنفوذ والاستكبار العالمي في السياسة الدولية وفرض إرادة الدول المتقدمة على الدول الأقل تقدما . افغانستان تخرج الآن من حرب ممتدة لأربعين عام داخلية وخارجية دًمر فيها الكثير من قدراتها الاقتصادية وهي مصنفة انها من أفقر دول العالم وتراجعت في نسيجها الإجتماعي الذي هو الآن في أسوأ حالاته وكل منظومتها الصحية والتعليمية والبنية التحتية في ما يعرف بالتوصيف العالمي بأنها الأقل نموا وتحتاج الى اقتصاد قوي لإعادة بناء دولة بكل مرافقها ولن يتحقق ذلك الا بإيقاف كل اقتصاد الحرب وتحويله الى صناعة اقتصاد السلام الذي سينعكس اثره الايجابي على افغانستان كدولة وشعب.

. ان افغانستان تتسع لجميع ابنائها والشعوب التي تحكم بالاستبداد تظل عاجزة في تحقيق اية نهضة تذكر وعلى العكس من ذلك فإن الشعوب الحرة بطوائفها وفئاتها المختلفة هي التي تصنع المعجزات لأوطانها . والتأريخ الأسلامي يؤكد لنا هذه الحقيقة فعندما كانت الدولة الاسلامية تقيم مسألة العدل والمساواة بين ابنائها استطاعت ان تكون الدولة الأولى في السياسة الدولية .

وعندما ترك المسلمون ثقافة الحرية المنضبطة بمبادئهم الإسلامية وجدنا ان الدول الاسلامية تقف اليوم في الصف الأخير بين الأمم . افغانستان كدولة هي جزء من المجتمع الدولي والدول الكبرى في النظام الدولي المعاصر عليها مسؤلية جماعية لتقدم لأفغانتسات المساعدة الضرورية في تجاوز حالة الحرب والانتقال الى حالة السلم وأولى هذه الخطوات ان تتوقف عن دعم الأطراف الأفغانية او تشجيعها في الثأر والإنتقام او مدها بالدعم لاستمرار الحرب .

مصالحها مع افغانستا ستكون محمية بالدولة الافغانية وفي الأمن والإستقرار وحكم القانون والعمس تماما في ظل الفوضى سيخسر الجميع . كمان ان افغانستان كدولة وشعب هي جزء من الأمة الإسلامية وهي عضو في منظمة التعاون الأسلامي وتعاونها الأخوي مع افغانستان واجب اسلامي وانساني وتستطيع الدول الإسلامية ان تعمل الكثير في دعم السلام ورفض الإحتراب الداخلي وحتى التدخل الخارجي في الشئون الداخلية الأفغانية . الدول الاسلامية تستطيع دعم اقتصاد افغانستان والمساهمة في مشاريع التدريب والتنمية وخاصة في المجال الصحي والتعليمي. يجب على الدول الاسلامية ان تدعم السلام بين كافة الأشقاء الأفغان وأن تدعم الحكومة الأفغانية وتمنع عودة الحرب بين أبناء الشعب الأفغاني. هناك من يدعم أمراء الحرب ويخطط لحرب اهلية جديدة مسوؤلية الدول الأسلامية وبالتعاون مع المجتمع الدولي ان تقف جميعا ضد دعاة الحرب وتأخذ بأيديهم بدلا من ذلك ليكونوا دعاة سلام .

كما أن منظمة التعاون الأسلامي اليوم مطالبة بفتح مكتب لها في أفغانستان تكون أبرز مهامه تلقي المساعدات الأقتصادية للشعب الأفغاني بتنسيق كامل مع حكومتهم ، وأيضا ان يقوم مثل هذا المكتب في دعم الأطراف الافغانية في صناعة السلام المجتمعي والسياسي والحفاظ عليه

.* أستاذ العلاقات الدولية بجامعة صنعاء