آخر الاخبار

السفير اليمني بالدوحة يبحث مع وزيرة الدولة للتعاون الدولي القطرية تعزيز التعاون المشترك رئيس الوزراء يبلغ المبعوث الأممي بعد عودته من إيران: السلام لن يمر الا عبر المرجعيات الثلاث المتوافق عليها محلياً وإقليمياً ودولياً وزير دفاع خليجي يصدر بحقه حكم قضائي بسجنه 14 عاما وتغريمه أكثر من 60 مليون دولار حكم قضائي بسجن وزير داخلية خليجي 14 عاما وتغريمه أكثر من 60 مليون دولار . تعرف على القائمة الكاملة للأسماء الخليجية التي توجت في حفل Joy Awards 2025 بيان عاجل من مصلحة شؤون القبائل بخصوص هجوم الحوثيين على قرية حنكة آل مسعود .. دعوة للمواجهة بايدن: حشدنا أكثر من 20 دولة لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر .. هل سيصدق في استهداف الحوثيين تحركات دولية وإقليمية لإعادة صياغة المشهد اليمني .. والحاجة لمعركة وطنية يقودها اليمنيون بعيدا عن التدخلات  ملتقى الفنانين والأدباء ينظم المؤتمر الفني والأدبي الثاني للأدب والفن المقاوم بمأرب بمشاركة أكثر من 100 دولة و280 جهة عارضة اليمن تشارك في مؤتمر ومعرض الحج 1446هـ بجدة

نجاد والإمام المهدي
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 4 أيام
الثلاثاء 09 أكتوبر-تشرين الأول 2012 05:51 م

في عام 2005 وقف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد على منبر الأمم المتحدة، وحدث زعماء العالم بأنه شعر «بهالة من النور من حوله» لها صلة بحضرة الإمام المهدي، ودخل في أحاديث ليشرح لهم عن «الإمام الغائب» الذي دعا له أحمدي نجاد بالفرج العاجل، الإمام الذي قال أحمدي نجاد عنه يوما في مدينة قم أمام عدد من آياتها العظام إنه «يدير العالم كله، ونحن نرى يده المدبرة في شؤون البلاد كافة». بل إن إيران اليوم نووية في نظر أحمدي نجاد بفضل «معجزات الإمام المهدي» كما قال. بل إنه يؤكد للإيرانيين في موضع آخر أن أميركا لم تغز العراق للإطاحة بنظام صدام حسين وتسليم البلاد في ما بعد على طبق من «ماس» لإيران، ولكن لأنها - حسب أحمدي نجاد - كانت تعلم بقرب خروج الإمام المهدي وجاءت لتعوق «فرجه الشريف»، حيث يعد الأميركيون أكبر معوق لظهوره حسب تصريحات أحمدي نجاد نفسه «إن أكبر موانع الظهور على الإطلاق يتمثل في أميركا».

ولا يكتفي أحمدي نجاد بذلك، بل يخرج معلقا على مجازر النظام السوري ليؤكد أن النظام في سوريا لن يسقط لأن «الإمام المهدي معه»، في تناقض صريح مع فتوى شهيرة للخميني بـ«تكفير» حزب البعث الذي يقوم عليه نظام الأسد «الكافر» خمينيا والمؤيد نجاديا. وقد كرر أحمدي نجاد ذلك في أكثر من مناسبة، بما ينم عن ترسخ هذه الفكرة لديه، الأمر الذي يعكس جنوحا أسطوريا لدى شخصية قد نتقبل كونها «مُلا» له مكانة دينية في إحدى الحسينيات، لكن ليس رئيس دولة له منصب سياسي.

لا يبدو أن الدافع السياسي وحده هو الهدف من وراء تركيز أحمدي نجاد على العلاقة بينه وبين الإمام المهدي، بل إن الرئيس الإيراني «المؤمن» - بالإضافة إلى ذلك - يبدي اقتناعا تاما بإيمانه بأسطورة تشكلت قبل أكثر من ألف ومائة عام، ونقضها كثير من المحققين الشيعة القدماء والمعاصرين. وقد ساعد على تشكل هذا التيار «المهدوي» في السياسة الإيرانية كم ضخم من الكتابات والدروس الدينية المتكئة على هذه النظرية، ودعم ذلك كثير من الكتابات في الحقل الحوزوي في قم وغيرها من الحواضر الدينية في إيران، حيث يتحدث الكثير من القادة الدينيين عن قرب «عصر الظهور»، ويقصدون بذلك ظهور الإمام المهدي الذي ذكر الشيخ علي الكوراني أن الإيرانيين سيكون لهم دور محوري في تعجيل ظهوره ونصرته، حيث يقول عن الإيرانيين إنهم «أبكر الممهدين للإمام عليه السلام، لكن قيامهم لنصرته يكون في سنة الظهور»، ويضيف «حركة الإيرانيين تمر بخمس مراحل، آخرها قيامهم لنصرة الإمام عليه السلام في سنة ظهوره»، وغير ذلك من النصوص التي تزخر بها حوزات دينية زحفت على الساحات السياسية، وحولتها إلى نسخ سياسية من «حسينيات قم»، وهنا مكمن الخطر، إذ إن هذه المقولات الدينية التي تتكئ على كم غير قليل من الأساطير القديمة، قد لا تكون ذات خطر عندما تكون حبيسة الحوزات وحلقات الدروس، ولا تتعدى إطارها الديني، غير أنها عندما تخرج من هذه الحوزات لتصل إلى قمة الهرم السياسي في البلاد، فذلك مما يؤشر على خطورة الأمر على دولة مثل إيران تتحكم بها فئة من القوميين المتعصبين، والثيوقراطيين الدينيين، والنخب العسكرية، مع إقصاء واضح لفئات الشعب الأخرى ومنظمات المجتمع المدني، ناهيك عن الأجنحة الإصلاحية المعتدلة في مؤسسات الدولة في إيران التي طالتها سنوات من القمع حتى دخلت في ما يبدو أنه استسلام لقدرها وقدر بلاد يلعب بمصيرها رجال جمعوا إلى التفكير الغيبي قوة عسكرية مشبوبة بعاطفة قومية طاغية، وهذا قدر كاف من العوامل التي تحتاجها أمة من الأمم لتسرع نحو الانحدار.

واليوم وإيران ترزح تحت وطأة حصار اقتصادي هو الأعتى في تاريخها، والمواطن الإيراني يزداد حنينه إلى أيام الشاه، والعزلة السياسية تزيد من وطأة الحصار الاقتصادي، يتساءل المرء: ماذا يمكن لهذه المقولات الدينية أن تفعل لإيران؟ وهذا السؤال يقود إلى سؤال آخر يتمثل في ماهية الرؤى المتاحة أمام السلطة الثيوقراطية للخروج بإيران من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بها؟ هل بوسع نظرية الإمام المهدي أن تحل المعضل السياسي والاقتصادي في إيران؟ هل بوسع المقولات الغيبية وما أكثرها في إيران أن تعيد للريال الإيراني ثلث القيمة التي فقدها خلال أسبوع واحد؟ أو أن هذه المقولات ستعيد للصادرات الإيرانية من النفط 40 في المائة خسرها هذا القطاع بفعل العقوبات الأوروبية والأميركية؟ يقدر صندوق النقد الدولي أن احتياطيات إيران من العملة الصعبة بلغت 80 مليار دولار، ويقول غاري هوفباور، الخبير في التجارة بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إنه من المرجح أن تكون العقوبات الأخيرة قد اضطرت إيران إلى صرف نصف هذا المبلغ لتغطية العجز الناتج عن تضاؤل الصادرات من النفط، ولمنع الانهيارات المتلاحقة في سعر الريال، وهو الأمر الذي خرج بسببه آلاف الإيرانيين في مظاهرة باتجاه البنك المركزي الإيراني ترفع شعارات تصف أحمدي نجاد بالخائن، وتدعوه إلى التركيز على إيران بدلا من التركيز على سوريا ولبنان، فهل يمكن للنظريات «الماورائية» أن تقدم حلا عمليا لكل تلك الآفات؟ هل تستطيع هذه النظرية أن تعرض حلا للملف السوري الذي دس نجاد فيه أنفه بشكل يصعب عليه اليوم إخراجه منه؟

إيران اليوم في ورطة حقيقية، مشكلتها الأكبر ليست في الأزمات المتنوعة التي وقعت فيها، مشكلتها المستعصية هي في القيادة الدينية التي تحكمها، وفي رؤية هذه القيادة وفلسفتها وآليات تنفيذ سياساتها. ومشكلة القيادة الإيرانية تتلخص في أنها كذبت على شعبها كثيرا بالشعارات التي أرادتها لأغراض معينة، غير أن هذه الشعارات تضخمت بشكل مخيف آخذ في محاصرة هذه القيادة التي أنتجت هذه الشعارات، بحيث أصبح من الصعب التخلص منها من دون كلفة باهظة، أقلها التخلص من القيادة برمتها. وهكذا كان حال القيادة الدينية في إيران كحال الذي كذب كذبة لهدف في نفسه، وظل يرددها إلى أن صدقها، وعندما جاءت اللحظة التي أصبحت هذه الكذبة فيها عبئا عليه، أراد أن يتخلص منها، غير أنه وجد أن التخلص منها ربما كان أكثر كلفة من التمسك بها، فمضى متمسكا بها على مضض، ولا يدري هل يكاشف الناس بها ويهدم ما بناه على أساسها، أو يستمر عليها حتى يجد لنفسه حلا.

يقول أحمدي نجاد إن على الحكومة «تسوية مشاكل إيران الداخلية في أسرع وقت، إذ إن الوقت يداهمنا». ويفصل قصده في نفس لا يخلو من التفكير الأسطوري «حان الوقت لكي ننهض بواجباتنا العالمية، إيران ستكون محور قيادة (العالم) إن شاء الله».

ومع هذه الشخصية التي تقترب في خطاباتها وتصرفاتها من التفكير البوهيمي الممزوج برومانسية دينية، وحس قومي، دعونا ننتظر ما ستسفر عنه الأحداث القادمة، ونترقب أحد أمرين: خروج «مهدي نجاد» من سردابه، أو دخول أحمدي نجاد ومعه إيران كلها في سراديب لا نهاية لها، ولا خروج من عتماتها.