اللواء عبد الغني سلمان ..أربعينية نجم لا يغيب واسم لا ينطفئ
بقلم/ العميد علي محمد الحوري
نشر منذ: 3 سنوات و 6 أشهر و 7 أيام
الخميس 17 يونيو-حزيران 2021 08:56 م
 

تبدو البطولات الخارقة للمعقول والمتجاوزة للقدر المشهود من النضال والكفاح أشبه بحركة النجوم والكواكب التي يستحيل إيقافها أو التحكم بمسيرتها باعتبارها فعلاً خارقاً تتحرك بإرادة خفية محيرة لا يمكن تخيل دهشتها وعظمتها, إذ تماثلت لدي هذه المقارنة وأنا أحث قلمي وأتربص بأفكاري للمثول في الأربعينية المجيدة للشهيد البطل اللواء/ عبد الغني سلمان المدير الأسبق لدائرة شؤون الضباط بوزارة الدفاع,الذي ترك لنا مجداً أسطورياً ومثالية وطنية تشعرنا كزملاء ومنتمين لنفس قطاع هذا الرمز الخالد بعجز وتقزم إزاء هذا النجم المتوهج.

صاحب سيرة وتاريخ عظيم يمنح صاحبه خلوداً كنقش مسندي في معبد أوام عابر للسنين والأزمان . وقد دفعنا فقدان مثل هؤلاء الأبطال ونيلهم الشهادة وهم يذودون عن كرامة أوطانهم وحرية مجتمعاتهم لتتبع واستلهام كينونة وهوية فصليتهم على مر التاريخ في مختلف الثقافات والمعتقدات والأمم مع تعدد الأنماط وتباين الدوافع، إلا أننا سنجد في النهاية أنها في المجمل تتعلق بقضية وجود قائم على الحرية والكرامة ،فطر الإنسان منذ بدء الخلائق على التعلق به والتمسك بأصابعه بشغف يجعل الحياة لاشيء دون الحرية والكرامة ليتم بذلك التغلب على البقاء المستعبد وهدم جدار الذل والهوان، ففي كل مجتمع وفي كل حقبة تبزغ نجوم بمعايير المجد والإرادة المجتمعية والأحلام الشعبية الطامحة بالعيش الرغيد والسلام المستديم ،تأخذ هذه النجوم بمجتمعاتها إلى حيث النصر وأينما يقبع الاستقرار . وللاقتراب عن كثب من عالم البطل الشهيد عبد الغني سلمان بأفقه الشاسع وتفاصيله الملهمة ومواقفه المثيرة للشغف والتبجيل فإن الوقوف معها وتمثل فرادتها والانحناء كتعظيم وتأدب أمام هذا الاسم المشرف والبطل الملهم والقائد المحترف يعد فعلاً لازماً يفرض علينا استلهام الدرس المهم من شخص استثنائي له في كل خطوة عبرة وفي كل لحظة انتصار ومفخرة .

 اللواء/ عبد الغني سلمان مدير دائرة شؤون الضباط بوزارة الدفاع ليس مجرد شهيد قدم روحه ببسالة وحماس منقطع النظير أو مدير دائرة استشهد وكان ظفره بالشهادة جامحاً لنا أن نقف معه في هذه التأبينية الخاصة به، وإنما هذا الاسم السبئي تفرد بحيازته لكل معان وصفات القائد الملهم والرجل العبقري والإنسان المثالي الذي بلغ مكانة سامية من النبل والوطنية والتأثير والوعي الفطن القادر على استيعاب أصعب المواقف والتحديات والانحياز لصوت الحق والعزة ومن ثم الاندفاع خلف رؤيته ونظرته للحياة والعالم والامتثال الجم لدوره كقائد عسكري يذيب الصخرة الصلبة ويشق طريقه عبرها دون تخاذل أو استسلام ومن هنا فإن الرجل كان محيراً في نجاحه وبطلاً في جرأته ونبيلاً في مواقفه وإنسانيته وعبقرياً في نباهته وفطنته، تظافرت كل هذه السمات لتصنع منه قيادياً عسكرياً حداثياً في الخطط والوسائل القتالية والتأهيل التي مكنته من النصر على الخصوم مهما كان الفارق شاسعاً, فهو بحق عقلية عسكرية وطنية وعقلية إدارية خالدة تستحق ألا نهدر أي قدر من إبداعها أو نتجاهل طرفة من تفاصيلها كونها وصلت لمرحلة النبوغ والمثالية والتضحية في أرقى صورها، فيا لك من رجل حظي بكل قيم المجد والبطولة ومنح صفات الكمال والفروسية والوطنية الخصبة التي تفوح منها رائحة الحرية والنضال والمجد.

ولست مبالغاً في الإطراء والثناء على الرجل والشغف المحير بمسيرته الزاخرة والتي تكاد أغلبها لحظات نصر وعلو وإخلاص، وقد حيرني الشعور المؤلم والأسى الفظيع المنبعث من مختلف الأطياف السياسية والعسكرية والحزبية حين كان حزنهم كصفيحة سواد واحدة لم يشك أحدهم بمكانة رجلنا وعظمة شخصيته ونموذجية دوره الوطني ,حيث نعته القيادة السياسية والعسكرية والحزبية وحز في نفوسهم رحيله وخسارته. الجدير بالذكر أن اللواء عبد الغني سلمان ترك أثراً جلياً وإصلاحاً مشهوداً في قيادته لدائرة شؤون الضباط بوزارة الدفاع حيث أحدث نهضة تطويرية فنية وإدارية ومعلوماتية دقيقة مزودة بتقنيات حديثة وبناء قدرات عسكرية راقية وتوسيع دوائر التحديث والتأهيل الإداري والعسكري وتقديم خدمات جليلة ولمسات فنية وهيكلية في قيادة الأركان ومختلف دوائر مؤسسة وزارة الدفاع ويشهد بدوره وعقليته القيادية في خدمة الوطن والجيش كل رفاق دربه والقيادات العسكرية العليا الذين يرون فيه رجل دولة بامتياز وجنرالا عسكريا من طراز رفيع وعقلية ملهمة في الإصلاح والتطوير، ولذا فإن رحيله يشكل فقدانا للتوازن واتساعا لفوهات الفراغ والاختلال .. الخلود والمجد هما رفيقا اسمك وتاريخك أيها القيل العظيم . اللعنة على مليشيات الكهنوت والطغيان، والنصر للوطن.