الإسلام رهينة...
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 8 أيام
الإثنين 17 سبتمبر-أيلول 2012 02:59 م

دعوني أجعل العبارة التي من حقها أن تكون في نهاية هذا المقال في مقدمته: "الإسلام مختطف، الإسلام رهينة، خطفته القادعدة ونظام الآيات وحزب الله والحوثيون، وخطفه المتشددون الذين اختصروا الإسلام في جسد ورقعة ثياب، وتركوا روح الإسلام ". ، وخطه العوام الذين يحرقون السفارات وينهبونها باسم الدفاع عن النبي الكريم"

لقاعدة أخذت الإسلام وأدخلته معها في كهوف تورا بورا في أفغانستان وجبال وزيرستان في باكستان وجبال حطاط في اليمن، اعتقل الإسلام على يد عناصر من القاعدة ذهبوا به بعيداً إلى أعماق الصحراء الكبرى في أفريقيا وقفار الصومال، مقاطع الفيديو التي ترسلها القاعدة بين الحين والآخر لرهائنها المحتجزين في هذه الأماكن تظهر للمتأمل صورة رهينة أخرى موجودة دائماً في خلفية هذه المقاطع من الفيديو التي يظهر فيها كم كبير من الرهائن الغربيين والعرب وهم يناشدون دولهم العمل على إطلاق سراحهم بالاستجابة لمطالب القاعدة. الرهينة القابع في الزاوية الخلفية لكل مقطع ترسله القاعدة هو الإسلام. الإسلام الذي انتجت منه القاعدة نسخة حمراء، "لا تروى إلا بالدم" على حد تعبيرهم .

ينسى مسجلو هذه الفيديوهات الذين يرسلونها إلى الفضائيات أو يضعونها على الـ"يو تيوب" أنهم بعرضهم أفلامهم هذه، إنما يعرضون الإسلام رهينة منزوياً في الزوايا القصية من هذه الأفلام، يناشد المسلمين تحريره من خاطفيه. هذه المقاطع ينبغي الخروج للتظاهر ضدها لأنه "أفلام مسيئة" للإسلام بكليته. معلوم أن القاعدة تريد بعملها هذا أن "تقذف الرعب" في قلوب الساسة الذين يشنون الحرب عليها، ولكنها تقذف الرعب حقاً في قلوب ملايين البشر الذين هم في الاصل لا يتخذون موقفاً معادياً ضد الإسلم، في وقت يوظف هؤلاء الساسة تلك المقاطع لتبرير حروبهم على المسلمين.

وممن خطفوا الإسلام أحمدي نجاد ومعممو طهران. نجاد يبشر أن نظام بشار الأسد في سوريا لن يهزم لأن "الإمام المهدي يقاتل بأياديه الخفية التي تتحكم في الكون إلى جانبه" رغم انتماء بشار إلى البعث الذي أصدر الخميني فتوى شهيرة بتكفيره، في تناقض عجيب لا يقوى على ابتكاره إلا نظام يدعو للوحدة الإسلامية وينشر الفتن الطائفية بين المسلمين. النسخة النجادية من الإسلام هي بالتأكيد غير النسخة الأصلية التي بذل الحسين دمه في سبيلها، لأن هذه النسخة تقف إلى جانب الظالم ضد الشعب المظلوم، ولكنها لعبة السياسة التي بموجبها أخذ أحمدي نجاد الإسلام بعيداً، ودخل به سرداب الإمام المهدي، الذي يترآى لأوليائه في طهران ممن كشفت لهم الحجب وانسدلت عنهم الأستار .

وممن خطف الإسلام كذلك الحوثيون في اليمن. اعتقلوه في ليلة مظلمة وذهبوا به بعيداً إلى كهوف "صعدة"، ليتعايش مع المقولة المتخلقة "حصر الإمامة في البطنين". التي اختصرت الإسلام "الفكرة" في الإسلام "الأسرة" واختصرت الأسرة إلى نصفها، واختصرت الأنصاف إلى أنصاف إلى أن انتجت نسختها الخاصة من الإسلام التي تقضي بالتسليم بحقهم "في الإمامة لا ينازعهم فيها إلا "ظالم" حسب أقوال مراجعهم الكبار، في تفسير "سلالي" لدين جاء أصلاً "رحمة للعاليمن".

وممن خطفوا الإسلام أولائك "الحسينيين" الذين يتربعون على شاشات بعينها، ويدعون ليل نهار لـ"ثارات الحسين" ، ويصرخون "لبيك يا حسين"، من أجل الشحن الطائفي لا غير، لأن ضحايا الدعوة لثارات الحسين اليوم هم مئات آلاف العراقيين واليمنيين والسوريين الذين ذكر بعض هؤلاء "الحسينيين" أن على أهل العراق "الانتقام من أهل الشام الأمويين أعداء الإمام علي"، في إشارة إلى وجوب دعم نظام بشار. هؤلاء المعممون خطفوا الإسلام كذلك، ذهبوا به بعيداً إلى بطون الكتب الصفراء وحبسوه في قاروة من الحبر القديم، وجعلوه رهينة أحقادهم التاريخية على أقوام من الأمويين والعباسيين شبعوا موتاً. هم يفرقون الأمة باسم الحسين مع علمهم بإجماع الأمة على حبه ومكانته

 

الإسلام خطفته كذلك جموع من الذين انطلقوا لأغراضهم الخاصة يحرضون الشباب والمراهقين على مهاجمة سفارات غربية استنكرت بالفعل "الفيلم المسيء". نحن نختار المهمات السهلة لنريح ضمائرنا، ونزعم لأنفسنا في عملية من اللاوعي اننا قمنا بالواجب المستحق للنبي (ص) علينا بالدفاع عنه، في الوقت الذي لا يخلوا الكثير ممن تظاهروا ضد"الفيلم المسيء" من جرائم يندى لها جبين الإسلام ذاته، ومن هذه الجرائم نهب وسرقة أجهزة سفارات في عادة جاهلية جاء الإسلام لإبطالها. هؤلأء الغاضبون خطفوا الإسلام كذلك، لانهم اختاروا الطريق الأسهل للدفاع عنه، وللتنفيس عن غضب مكبوت ومتراكم أصلاً، ثم لا يلبثون ان يعودوا لممارسة أفعال منافية للإسلام، ومخالفة لأوامر النبي الذي خرجوا دفاعاً عنه. هل سأل أحد هؤلاء الغاضبين نفسه: لو كان محمد (ص) حياً، وراى "الفيلم المسيء"، هل كان سيفعل ما فعلوا هم. ولو فعل ما فعلوا وحاشاه، أما كان سيكرس الصورة التي اراد "الفيلم المسيء" أن يروجها عنه .

وممن خطفوا الإسلام شيوخ كثيرون خطفوا الأضواء بفتاوى منفلتة، لا يدرى لها أساس، تفرح بها الكثير من وسائل الإعلام التي تروق لها الإثارة الإعلامية، هؤلاء الشيوخ يتبرعون بتقديم خدمة مجانية لمواقع معادية للإسلام على جانبي الأطلسي لتستشهد بأقوالهم في دعم طروحاتها السيئة عن الإسلام. هم يصرخون ليل نهار بأنه لا توجد في الإسلام طبقة رجال دين، ومع ذلك فإنهم يسيرون على خطا رجال الدين في العصور الوسطى المسيحية الذين جعلوا الدين حرفة ووظيفة، وحشروه في قوالب من الروتين والجمود إلى أن ثار عليهم الناس وهدموا كنائسهم على رؤوسهم. الإسلام رهينة في يد أولائك "الظاهريين" الذين جعلوا الإسلام "مظهر جسد" عوضاً عن أن يكون "مجلى روح"، وأراحوا أنفسهم بالأخذ بأسهل ما يمكن أن يربطهم بالدين وهي المظاهر الحسية، وتركوا جوهر الدين القائم على التفكر والعقل والاجتهاد والبذل والعطاء وإنكار الذات .

  وممن خطف الإسلام هؤلاء العوام الذين شوهوا صورته في وقت أرادوا فيه الدفاع عن صورة نبيه. ينتج أحد المدفوعين فيلماً سينمائياً رديئاً، ومسيئاً لشخصية تاريخية، ونبي عظيم مثل محمد (ص)، ثم يذهب للاختباء، تاركاً آثار فيلمه حرائق ودماء، وغضب يغلي في عدد من العواصم. يتجاوز الأمر التظاهر إلى قتل وتهديد دبلوماسيين أدانوا "الفيلم المسيء"، مع ما لهم في الإسلام من حقوق الحماية والأمان. وهكذا في عرف التطرف مثير الفتنة ينجو ويدفع الثمن دبلوماسي حياته مصونة حسب تعاليم الإسلام نفسه .

انكفأ الإسلام مع انكفاء المد النهضوي الحديث عند الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، حتى العلامة الأمين لملم أطرافه وانكفأ وراء زعيق الروزخانات، واللعانين والمطبرين الذين طبعوا الإسلام بطابع دمائهم المسكوبة حزناً على الحسين.

وقف أحد العارفين يوماً على رأسه، فقيل له لم تفعل ذلك؟ قال: كي أرى العالم المقلوب. هذا الشرق المقلوب ينبغي أن يعود ليقف على قدميه، وهذه الحفلة التنكرية السمجة والمرعبة ينبغي أن تنتهي لأنها أخطر "فيلم مسيء" للرسول صلى الله عليه وسلم وللإسلام.