تعز .. البديعة المُبدِعة !
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 13 سنة و يوم واحد
الثلاثاء 27 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:41 م

لستُ مناطقي وأمقت المناطقية لفظاً ومدلولاً ، لكنني اليوم مجبرٌ بالحديث عن تعز .. تعز وحسب .. بمفرداتها التي لا تنتهي ، وبتفاصيلها التي لا تُمل .. إبداع الثورة المتجدد ، وعُنفوانها المتقد ..

تعز .. المارد الذي حطَّم أغلال الصغار .. الصامد ساخراً من نفخ الأباليس وكُهّان الحرب والدمار ..

فعندما نقول بأن تعز هي الثورة وقلبها النابض ، فذاك ليس من قبيل المبالغة الزائدة ، أو المناطقية المقيتة ، كما قد يتهمنا البعض ، وإنما لأن واقع الحال - كان ولايزال - يقول ذلك ، وما مسيرة الحياة الراجلة صوب ساحة التغيير بصنعاء ، إلاّ نموذجاً واضحاً ومتفرداً ، جسد لنا مقدرة أبناء الحالمة وأحرارها ، على التفنن في صناعة الفعل الثوري السلمي "المبدع" ، القائم على الابتكار، القادر على الإبهار ، والمبادر لقيادة الفعل في البلوغ إلى الهدف بكفاءة واقتدار.

لقد كانت مسيرة الحياة بحق ، واحدة من أروع صور الفعل الثوري السلمي المتحضر، الذي بعث الحياة إلى الروح من جديد ، أعني روح الثورة التي كانت قد حاولت الإجهاز عليها أطراف المعادلة السياسية ، باتفاقها الهلامي ذاك ، من خلال تلك التسوية الهزيلة التي تم فيها تقاسم السلطة بين كليهما ، فأفضت بالضرورة إلى تشكيل حكومة وفاق أقل ما يقال عنها بأنها "كسحاء" أو "عرجاء" ، مع تقديرنا كما بالغ احترامنا الشديد للعديد من الوزراء "الثوريين" الذين شاركوا فيها ، والذين أشفق عليهم شخصياً ، وأسأل الله "بصدق" أن يكون في عونهم .

وليست مسيرة الحياة الراجلة وحدها من تجلت فيها صور الإبداع الثوري لأبناء الحالمة ، ولكن الثورة في تعز ظلت تحكي على مدى الأشهر الماضية ، قصص إبداع أخرى كثيرة داخل وخارج ساحة الحرية ، تنوعت فيها فنون الإبداع الثوري "السلمي" بأشكال مختلفة وبصور شتى .

منتدى المبدعين على سبيل المثال شكل - وبلا شك - سمة رئيسية وهامة ، ميزت ساحة الحرية في تعز عن غيرها من الساحات منذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة ، فتحتَ سقف تلك الخيمة الكبيرة التي أقامها شباب الثورة وسط ساحة الحرية ، تكشَّفت لنا عبقرية الثوار في فنون الإبداع المختلفة ، فمن فن الكاريكاتور الساخر ، المعبر عن عمق الفساد الذي كان قد استشرى في كل أرجاء البلاد ، إلى تلك الرسومات الرائعة لأطفال الحالمة ، التي عبّروا من خلالها عن طفولتهم المنتهكة من قبل نظام أوغل في الفساد ، ثم تلك اللوحات البديعة التي حاكتها أيادي الرسامين والفنانين داخل ساحة الحرية ، أضف إليها فنون التصوير الفوتوغرافي والتوثيق المرئي والمسموع ، وكذا إدارة الندوات والحوارات داخل تلك الخيمة بين ألوان الطيف المختلفة داخل الساحة ، لتصبح بعد ذلك خيمة " منتدى المبدعين " مزاراً يعج بعشرات الآلاف من الناس على مدار الساعة ، حتى لحظة احتراقها كما بقية الخيام ، فيما بات يعرف بعد ذلك بـ "الهولوكوست" ، لتأتي تلك النيران المشتعلة في الخيام فتزيد من اشتعال جذوة الإرادة لدى الشباب المشتعل أصلاً في ساحة الحرية ، ولتثير حماسته أكثر بعكس ما أراد الفاعل ، ولتمنحه فرصاً أخرى جديدة لمزيد من الابتكار في استمرار فعله الثوري المبدع .. المتجدد ، والمستمر حتى هذه اللحظة .

كما أن الصفحة الرسمية لساحة الحرية بتعز ، شكلت - بدورها - رافداً قوياً ومهماً أسهم في صناعة الفعل الثوري المبدع ، من خلال الرصد الشامل للأحداث ، بأداء اتسم بقدر كبير من الحرفية والفاعلية ، لفت الأنظار إلى تلك المهارات الرائعة التي يتمتع بها شباب الحالمة الثائر، كما عكست تمتعه بالحس الصحفي أيضاً ، وكذا وعيه بمفردات التعاطي الإعلامي ، ثم إدراكه لمدى أهميته وتأثيره ، وبخاصة في ثورات الربيع العربي .

إن من سيراجع مسيرة عشرة أشهر أوقد تزيد ، مضت منذ بدء انطلاق الثورة وحتى اليوم ، سيجد أنه وفي كل مرة كان يظن فيها الكثيرون بأن جذوة الثورة قد خفتت ، أو انها قد تلاشت وأوشكت على الأفول ، كانت تعز سبَّاقة – وبشكل دائم - في ابتكار فعل ثوري جديد ، يعيد لها زخمها ويشعل جذوة عنفوانها ، ويبعث فيها الحياة من جديد ، وذاك هو السر الأكيد وراء استهدافها والتحريض المتعمد على قتل أبناءها على أساس مناطقي "ويؤسفني قول ذلك" لكنها الحقيقة الدامغة ، التي تمارسها عصابة صالح كل يوم وبأساليب ممنهجة سلفاً.. علّ بقتلهم تخمد نار تلك الثورة المشتعلة في تلك المدينة الحالمة "البديعة المبدعة" .. ولكن هيهات !