مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
في صورة رمزية ظهرت مرات متتالية خلال مظاهرات الاحتجاج التي ضربت صنعاء وعددا من المدن اليمنية ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح إبان العام المنصرم، ظهر متظاهرون يحملون نسخا من القرآن الكريم، إلى جانب آخرين يحملون صورة تشي جيفارا في إطار واحد، كما ظهرت مئات الصور ظهر فيها مئات آلاف المحتجين يؤدون الصلاة إلى جانب صور لذات المتظاهرين يمارسون ألوانا من الفنون المختلفة ويرفعون شعارات ليبرالية تنادي بالحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية في منظر ينم عن سيادة بعض القيم الليبرالية في المجتمع اليمني. وإذا ما قلنا إن الإسلاميين في اليمن كان لهم حضور قوي في تلك المظاهرات، فسيطرح هنا سؤال جوهري: هل نحن إزاء جيل جديد من «الإسلاميين الليبراليين» حسب تعبير «نيويورك تايمز» التي ذكرت أن «الإسلاميين الذين كان ينظر إليهم لفترة طويلة على أنهم خصوم الديمقراطية، أصبحوا اليوم يروجون لها ويمارسونها» (13/5/2012).
ننطلق من الصورة لرصد بعض عمليات التحول - على مستوى الخطاب - التي مر بها الإسلاميون في اليمن، خلال فترة الشهور التي أعقبت فبراير (شباط) 2011 (شهر اندلاع الانتفاضة اليمنية)، وصدى الخطاب الذي حمل هذه التحولات عند الآخر المحلي والغربي. حيث يبدو أن التيار الرئيسي للإسلاميين في اليمن - المتمثل في الإخوان المسلمين المنضوين في إطار التجمع اليمني للإصلاح - قد نجح إلى حد معقول كغيره من تيارات الإخوان في البلدان العربية التي مر بها الربيع العربي، في تجاوز الصورة النمطية التي شاعت عن الإسلاميين في وسائل إعلام وذهن المتلقين في العالم العربي والغرب، وهي الصورة التي كانت تظهر هذا التيار على اعتبار أنه اتجاه أصولي ذو موقف سلبي من قضايا الديمقراطية والمرأة والحقوق والحريات، وغيرها من القيم المدنية.
وجاء منح جائزة نوبل للسلام للناشطة اليمنية توكل كرمان وهي عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح ليدفع بالصورة الجديدة التي أرادتها التيارات الإسلامية لنفسها إلى مديات أبعد. فمنح الجائزة لكرمان بقدر ما هو موجه لدعم ثورة الشباب في اليمن، هو كذلك محاولة تصب في صالح تشكيل ملامح الصورة الجديدة التي بدأت تشق طريقها بطيئة لدى المتلقي العربي والغربي عن التيارات الإسلامية العاملة في الحق السياسي. كما يبدو أن محاولات الغرب في تقبل الأمر الواقع الذي أفضى ببعض هذه التيارات إلى صدارة المشهد السياسي ساعدت في الترويج للصورة الجديدة لتيارات إسلامية ترفع شعارات الديمقراطية والحداثة وحقوق المرأة والدولة المدنية.
وفي اليمن يحاول الإسلاميون تقديم تجربتهم في «اللقاء المشترك» على أساس أنها نموذج للتطور الفكري الذي مروا به حتى قبل ثورات الربيع العربي حيث استطاعوا التعايش ضمن مظلة واحدة مع ما كان يعد خصما فكريا وآيديولوجيا وسياسيا متمثلا في الحزب الاشتراكي اليمني الذي بلغت ذروة الخصومة معه حد تحالف الإصلاح مع الرئيس السابق أثناء حرب صيف 1994 في البلاد، كما أن التحالف ضمن اللقاء «المشترك» مع أحزاب ذات مرجعيات شيعية زيدية تمثلت في حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية، أكسب الإصلاح صورة براغماتية عابرة للمذهبية الطائفية.
وتأتي طروحات بعض القيادات في تيار «الإسلام السياسي» اليمني مكرسة ما رصد من تحولات على مستوى الخطاب، دون أن يعني ذلك بالضرورة تحولا على مستوى الممارسة. يقول محمد قحطان القيادي في التجمع اليمني للإصلاح «نحن حزب مفتوح، ولسنا مصنع علب» في إشارة إلى الانفتاح على سياسة الاختلاف في الرأي ضمن إطار الحزب الواحد وبين أعضائه، مما يشير إلى ملمح ليبرالي على مستوى الخطاب، في الحزب الذي يوصف بأنه تحالف إسلاميين (إخوان وسلفيين) مع بعض المشيخات القبلية، ودعم بعض القيادات في المؤسستين العسكرية والأمنية. وقال قحطان كذلك إن حزبه لا يرفع شعار «الإسلام هو الحل» وليس له أجندة سياسية إسلامية لأن اليمن «بلد مسلم ومتجانس، وعليه فإن الأولويات في اليمن أولويات عملية وليست دينية، مشيرا بشكل خاص إلى «محاربة الفقر وإرساء الاستقرار وبناء الدولة». (وكالة الصحافة الفرنسية - 13/11/2012).
ولكن ومع كل ما قدمه الخطاب الإسلامي في اليمن في الفترة ما بعد فبراير 2011 فإن الكثيرين يبدون تخوفهم من أن يكون الخطاب الجديد مجرد تكتيك للوصول إلى السلطة. وقد ظهرت مثل تلك الشكوك من بعض حلفاء الإصلاح في «اللقاء المشترك»، فبعض القياديين في «الاشتراكي» والأحزاب القومية يشككون في موقف الإصلاح من التبادل السلمي للسلطة، ويشكون من سيطرته على ساحات التغيير والحرية التي يرونها مقدمة لسيطرة محكمة على السلطة فيما بعد، كما يشككون في مصداقية الشعارات الجديدة التي يرفعها، ولا يخفون تخوفهم من بعض التوجهات السلفية داخل الإصلاح، كما أن بعض حلفاء الإصلاح في اللقاء المشترك يبعدهم عنه الاختلاف المذهبي، الأمر الذي جعل بعضهم يعيد فتح قنوات اتصال مع الرئيس السابق في تقارب جديد فيما يبدو بين الأحزاب التي تقترب من الحوثيين في الفكر والتوجه السياسي وبين تيار الرئيس السابق في الساحة اليمنية. كما ذهبت بعض القيادات الشابة إلى حد اتهام الإصلاح بسرقة ثورة الشباب في اليمن الأمر الذي جعل رجل الإصلاح القوي محمد اليدومي يرد عليه بقوله «الثورة لم تسرق كيف تسرق من صانعيها!» (قناة سهيل - 28/7/2012)
وعلى الرغم من تصريحات مسؤولين في اللقاء المشترك أن المشترك سيدوم على الأقل لفترتين انتخابيتين مقبلتين فإن التباينات الموجودة اليوم بين أعضائه قد تتسع في المستقبل القريب لتؤدي إلى إعادة رسم خريطة التحالفات السياسية في البلاد، بما في ذلك سعي بعض أعضاء المشترك لنسج تحالفات جديدة مع معسكر الرئيس صالح بعيدا عن مظلة المشترك نفسه، كما ذكر.
هذا على الصعيد المحلي، وأما على صعيد الصورة الجديدة للإسلاميين عموما، واليمنيين منهم على وجه الخصوص وأصدائها الغربية، فيبدو أن الفكرة السائدة في الغرب، والتي يمكن القول إنها تشكلت بعد سنوات مريرة من الحرب مع «القاعدة» تتمحور في أن التطرف في هذه الجماعات هو نتيجة طبيعية للاضطهاد الذي مورس ضدها. وحسب «نيويورك تايمز» فإن «قمع الحركات الإسلامية وتهميشها من قبل الحكام العلمانيين المتطرفين هو الذي ولد التطرف الإسلامي، فأيمن الظواهري ما هو إلا منتج لغرفة تعذيب حسني مبارك.. ومع انتفاء الاضطهاد عن الإسلاميين سيكونون أكثر ليبرالية، ومع مواجهة مسؤوليات الحكم سيغدون أكثر براغماتية» (12/5/2012).
ومع ذلك فيبدو أن الفعاليات السياسية الغربية التي غضت الطرف عن تصدر الإسلاميين في مشهد الربيع العربي، تفضل التريث في الحكم على تيارات «الإسلام السياسي» من خلال الممارسة العملية، ومدى احترام هذه التيارات للشعارات التي طرحتها أثناء فترة الانتفاضات العربية. وعلى الرغم من قبول تلك الفعاليات لحقيقة كون الإسلاميين اليوم يتصدرون - إلى حد ما - المشهد في بلدان الربيع العربي، فإن ذلك لا يعني أن هذه الفعاليات الغربية قد هضمت تماما الصورة الجديدة التي تحاول التيارات الإسلامية المعنية إذاعتها مؤخرا. يقول أليستر بيرت وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط «العنوان الرئيسي للإسلاميين ليس المهم هنا، المهم هو ما يعتقدون وماذا يقدمون، وماذا ينوون فعله.. ينبغي أن نقبل (حكومة إسلامية)، ولكن ينبغي أن تحاكم الحكومة أو الحزب الإسلامي على أساس أقوالهم» («الشرق الأوسط»: 3/9/2011)، بما يعني أن دوائر صنع القرار في الغرب اليوم ترصد كل ما يصدر عن التيارات الإسلامية المنخرطة في السياسة لتقيم أداءها وفقا للشعارات التي رفعتها والالتزامات التي قدمتها خلال الشهور الماضية. يقول السفير الأميركي في صنعاء في حوار له في هذه الجريدة إن الإصلاحيين «يشاركوننا وجهة نظرنا» («الشرق الأوسط»: 4/7/2012)، وهذا على مستوى الخطاب. فهل سيتحول هذا التوافق في وجهات النظر إلى سياسة مستمرة، وشراكة حقيقية فيما لو أفرزت الانتخابات المقبلة في فبراير 2014 فوز الإصلاح بالسلطة في اليمن؟
قامت توكل كرمان بجولات مكوكية خلال الشهور الماضية في عدد من العواصم الغربية، تركت فيها انطباع أن الإصلاح الذي تنتمي إليه تجلى في كرمان: فأقوالها تنم عن ليبرالية وغطاء رأسها ينم عن التزام ديني. والحكم سيظل للزمن في مدى قدرة كرمان / الإصلاح على إثبات أن غطاء الرأس لا يتعارض مع قيم الدولة المدنية الحديثة التي تتحدث عنها كثيرا.