مجزرة موسكو… هل تأكدت الصلة بين داااعش وأمريكا؟
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 7 أشهر و 13 يوماً
الخميس 28 مارس - آذار 2024 12:23 ص
 

أكثر من مئة قتيل سالت دماؤهم على أرضية إحدى القاعات الموسيقية في موسكو، نتيجة عملٍ إرهابيٍّ ينسجم مع تلك الوحشية التي ظهر بها العالم مؤخرا في التهاون بشأن الدماء البشرية. ضمن أداءٍ دراماتيكي لا يصيب بالدهشة، أعلن تنظيم داعش المسؤولية عن الحادث، مبررا ذلك بأنه يأتي في السياق الطبيعي للحرب المشتعلة بين الدول الإسلامية والدول المحاربة.

يضعنا هذا التبرير أمام معضلة هضم لمحتواه، لأن العداء المستعر حاليا ضد الدول الإسلامية، تمثله وبكثافة شديدة الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، لكنهما بمعزل تام عن عمليات التنظيم.

تبنّي داعش للعملية الإرهابية، لم يقنع بوتين ورجاله وإعلامه، فهم يشيرون بوضوح إلى جهات معادية استخدمت التنظيم في ضرب موسكو، فمن غيرها الولايات المتحدة، التي وصفت ممثلتها في مجلس الأمن الفيتو الروسي بالدنيء، بعد أن صوتت روسيا والصين في المجلس ضد مشروع أمريكي بوقف إطلاق النار في غزة، لم يكن سوى أحد القرارات المسيسة من أجل عيون الكيان الصهيوني؟ كانت مصادفة أن يتم هذا العمل الإرهابي في موسكو بعد يوم واحد من الفيتو الروسي، الذي عكّر المزاج الأمريكي والإسرائيلي؟ وهل لنا أن نغض الطرف عن وقوع هذه العملية في سياق أحداث التقدم الذي تحرزه روسيا في أوكرانيا، التي تقف الولايات المتحدة وأوروبا في ظهرها وتنوب هي عنهم في الصراع مع الروس؟

بوتين على قناعة بأن تنظيم داعش صناعة أمريكية، وصرح بذلك من قبل، ولا يقتنع بالتحذيرات الأمريكية السابقة، التي أكدت اعتزام التنظيم القيام بعمليات على الأراضي الروسية، بل لعلها دليل آخر لدى بوتين على تورط الولايات المتحدة في هذه العملية بأيدي التنظيم. وليس هذا الرأي جديدا على مسرح السياسة العالمية، الرئيس الأمريكي السابق ترامب نفسه، إبان حملته الانتخابية قبل ثمانية أعوام، اتهم باراك أوباما، والمنافسة الديمقراطية هيلاري كلينتون بتأسيس تنظيم داعش.

تنظيم داعش يعد إحدى أحجيات الألفية الجديدة، استفادت منه الدول الكبرى شرقا وغربا في تحقيق مصالحها الإمبريالية والسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، واستفادت منه الأنظمة الديكتاتورية العربية برمتها في ترتيب أوضاع داخلية وإقليمية متوائمة مع مصالح السلطة، ومع ذلك الجميع يتهم الجميع بأنه من صنع هذا التنظيم، لكن الولايات المتحدة هي أبرز المتهمين وأكثرهم في معطيات هذا الانتساب بشكل أو بآخر، إما بأنها صنعت هذا التنظيم، أو أنها اخترقته وقامت بتوجيهه عن طريق ألعاب المساومات والتفاهمات وتلاقي المصالح. هذا التنظيم أشهر سلاحه في وجه العالم كله تقريبا، عدا ما يتعلق بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية، فإنه بمنأى تام عنها، مع أنه من المفترض والطبيعي أن يكون الكيان الأمريكي الصهيوني هو العدو الأول للتنظيم المنتسب إلى التيار الديني، باعتبار أن قضية القدس وفلسطين هي القضية المركزية لكل الفصائل الإسلامية، لكنه مع ذلك يعيش في حالة انفصال تام عن القضية الفلسطينية.

لكن يجدر بنا الرجوع إلى الوراء قليلا للنظر في حراك هذا التنظيم المريب، وعلى وجه التحديد في توقيتات خروجه من سباته ومكمنه وتحركاته، فمثلا عندما تحرك التنظيم للدخول إلى الأراضي السورية، كانت الفصائل المعارضة قد استولت على سبعين في المئة من الأراضي السورية من النظام، وما إن دخل التنظيم على خط الصراع، وأعلن دولته المزعومة، ووجه سلاحه ضد النظام السوري وفصائل المعارضة معا، بدأ النظام يستعيد الأراضي التي فقدها في المعارك، فأعطى النظام قبلة الحياة، وحقق طموحات الولايات المتحدة، التي لم ترغب في إنهاء الصراع داخل سوريا، وإنما تحقيق توازن القوة بين الأطراف المتصارعة، بما يطيل أمد الحرب لإنهاك هذا البلد الذي يراد تقسيمه، والتنفذ فيه عن طريق التشكيلات الكردية الحليفة والمدعومة أمريكيا.

وفي ليبيا كان «مجلس شورى مجاهدي درنة» الذي يمثل فصائل الثوار، قد حقق إنجازات ضخمة على الأرض، في صراعه مع قوات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، الذي عاش سنوات في منفاه بالولايات المتحدة، وعاد منها إلى بنغازي عام 2011 إبان ثورات الربيع العربي. ما إن دخل تنظيم داعش على الخط، حتى بدد طاقة فصائل الثوار، حيث وجه سلاحه ضدها، ما أدى إلى تخفيف الضغط على قوات حفتر المدعوم من أمريكا ودول أخرى، وأدخل الأوضاع الليبية في حالة انسداد لأفق الحسم العسكري، وتواردت الأنباء حينها، بأن قوات حفتر كانت تتلقى أوامر بعدم التعرض لكتائب التنظيم المتوغلة. وفي سيناء المصرية وجد التنظيم ليجيش كل قدرات الدولة المصرية لمواجهته على مدى سنوات، وأصبح ذريعة لبطش النظام تحت مسمى الإرهاب، وتم تهجير السكان من مساحة شاسعة في رفح المتاخمة للحدود الفلسطينية بدعوى مواجهة الإرهاب، وتم تمرير وقبول كل فشل إداري واقتصادي تحت مظلة الانشغال بمواجهة الإرهاب، ثم بين عشية وضحاها يختفي شأن التنظيم، وتبدأ جولات التفاوض حول تهجير الفلسطينيين في سيناء، بموجب صفقة القرن التي ترعاها الولايات المتحدة من أجل طفلها المدلل، التي ترى مصلحتها في دعمه، فكيف نفهم هذه التراتيب؟ ولنا أن نتساءل: لماذا تحرك تنظيم داعش لتنفيذ هذا العمل الإرهابي البشع في موسكو، في الوقت الذي لا حديث للعالم سوى الإرهاب الصهيوني ضد أهل غزة، وبعد أن ظهرت للشعوب ازدواجية المعايير الأمريكية والدعم الأمريكي المفتوح للاحتلال؟ ألا يصب ذلك في صالح الكيان الإسرائيلي وراعيه الرسمي مِن تحول الأنظار إلى إرهاب إسلامي؟

ويتوارد العديد من الأسئلة حول هذا التنظيم وعلاقته بأمريكا:

كيف تمكن الآلاف من تنظيم داعش من الخروج من العراق بعد إعلان الولايات المتحدة القضاء على التنظيم؟ كيف يتمكن قادة وعناصر التنظيم من الفرار من السجون الأمريكية؟ فمن ذلك عملية الهروب العام قبل الماضي من سجن غويران بالحسكة، الذي يضم آلاف الدواعش، في قلب أكثر الأماكن تحصيناً وحراسة من قبل قوات سوريا الديمقراطية الموالية لأمريكا. العملية تمت تحت أنظار القوات الأمريكية المنتشرة في عدة مناطق من محافظة الحسكة، حتى إن «بي بي سي» عربية كتبت: «وكأنه فيلم هوليوودي تدور أحداثه في خضم معارك الحرب العالمية الثانية لعملية تحرير معتقلين خلف خطوط التماس». وما هو مصدر التمويلات الضخمة لهذا التنظيم، هل مصدرها دول لم تكتشفها المخابرات الأمريكية بقدراتها الجبارة حتى اليوم؟ أم أن الولايات المتحدة هي التي تمول بالفعل هذا التنظيم؟

أسئلة كثيرة تدور حول هذا التنظيم الذي يوجد حيث تحقق المصالح الأمريكية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون