سياسة الرهائن بين تركيا وأمريكا
بقلم/ د. سيد علي
نشر منذ: 6 سنوات و 3 أشهر و 10 أيام
الأحد 05 أغسطس-آب 2018 09:07 م


عرف التاريخ الإنسانى والسياسى مهن مختلفة أمتهنها ضعاف النفوس أو أصحاب القرار من قادة وزعماء وسياسيين أو حتى لصوص، وكانت مهنة "الرهائن" هى الأهم والأقدم بين المهن السياسية، لذلك وصفت بإنها المهنة "الاقذر" فى عالم السياسة حديثا وقديما.
 
الرهينة هو الشخص الذى يتم احجازة بصورة غير مشروعة بغرض إجباره أو إجبار دولتة على الإيفاء بأتفاق أو طلب سواء كان هذا الطلب مشروعا أو غير مشروع، كما فى الحالة التركية حاليا تجاه القس " اندرو برونسون " الذى تحتجزة تركيا حاليا منذ مايقارب العامين، ورغم أن التاريخ السياسى كان شاهدا على أن بعض القادة لهم ميولهم ونزعتهم العدأونية احيانا فى فرض أسلوبهم الرخيص على العمل السياسى من أجل فرض طلبات أو " أتأوة سياسية " على بعض الدول ، وتركيا حاليا تأخذ هذا النموذج باقتدار فى ظل السياسة التى ينتهجها رجب طيب ارودغان .
 
فى التاريخ المخزى للرهائن نجد أن اكبرها حدثا وفعلا عندما اقتحم مجموعة من الاسلاميين فى إيران السفارة الأمريكية بطهران دعما لثورة الخمينى واحتجزوا 52 أمريكا لمدة 444 عام 1979مما سبب ضجة كبرى فى العالم على اثره خسرت إيران تعاطفها الشعبى فى ثورتها التى صبغتها بنظرة اسلامية، برغم أن الإسلام الحقيقى يجرم تلك الافعال، وايضا نجد أزمة رهائن مسرح موسكو عام 2002، وايضا أزمة رهائن الكوريين الجنوبيين فى أفغانستان عام 2007 وكذلك ازمة رهائن حادث الحرم المكى على يد آل جيهمان العتيبى 1979.
 
هذا بخلاف رهائن الطائرات المتعددة والتى كان أغلبها من نصيب الإرهابيين وتجار المخدارات بغرض فرض اسلوب تفأوض رخيص تجاه دولة أو حكومة، وبالرغم أن الرهائن بشكل عام يتم اختطافهم لأسباب عدة منها للحصول على فديه أو لإحداث أثر سياسى أو لتحقيق الشهرة أو لإستخدامها كدروع بشرية.
 
لكن فى الحالة التركية ربما يكون الامر بشكل مختلف، برغم قذارة ألفعل فى كل الاحوال ، فعملية التوقيف والاحتجاز التى حدثت بتجاه القيس الامريكى اندرو برونسون والذى تم وضعه تحت الإقامة الجبرية بتهم زائفه ومكررة " كالإرهاب أو التجسس " فهذه التهم ليست غريبة من نظام اردوغان تجاه معارضية، لكن الغريب أنها تطول الابرياء منهم من ابناء شعبة ومنهم من هم من غير شعبة وبرونسون نموذجا على ذلك .
 
والغريب فى الامر أيضاً أن اردوغان ومعه أمير قطر هما أكثر من يحتفظون بالإهاربيين داخل بلدأنهم، ويدعمون باقى الإرهابيين خارج أوطأنهم، وفى الحالتين استطاعا ألفوز دون منازع بلقب الداعميين الأكبر للإرهاب فى العالم، وهو ما جعل العالم يسخر من ارودغان عندما نعت صفه الإرهاب بالقس برونسون، فلو كان القيس اندرو برنسون إرهابى كما يدعى الاتراك لكان اردوغان احتضنه وجعله مناضلا ودافع عنه فى كل المحافل الدولية، لكن المضحك أن اردوغان الذى يدافع عن الإرهاب يتهم القس المسالم برونسون بالإهاربى ، مما يجعلك تشعر أن الداعرة هى التى تدافع عن الشرف.
 
الامر مستغرب بعض الشئ خاصه أن القس برانسون الذى جلس فى تركيا أكثر من عشرين عاما مدافعا عنها ومناصرا لها دون أن يتدخل فى سياسية الدولة التركية، لذلك جلس قرابة الـ22 عاما دون أن يسبب لغطا أو ضجيجا ، فهو بطبيعتة الدينية إنسان مسالم، يدعو للمحبة والغير والسلام، وهذه التهم المعروف زيفها سلفا والتى حأول مجموعة الرئيس التركى وتحديدا المخابرات التركية الصاقها بالقس برونسون فى اعتقادى لاكثر من سبب، أولها أن يكون رهينة لمبادلتة بالزعيم التركى "فتح الله جولن" الذى حصل على حق اللجوء السياسى فى الولايات المتحدة الامريكية واصبح تحت حمايتها منذ سنوات مضت، وظهر ذلك عندما قال اردوغان خلال مؤتمر خطابى فى تركيا " هم يردون راهب ( يقصد برنسون ) ونحن لنا عندهم راهب " يقصد فتح الله جولن ".
 
وألمح أردوغان فى خطابه بمبادلة الراهب بالراهب فى تحدى سافر وواضح للمجتمع الدولى وليس لأمريكا فقط، وتناسى أن المسأومة فى ارواح وحياة الرهائن هى أقذر مسأومة عرفها التاريخ الآنسانى والسياسى وقبل ذلك الاخلاقى.
 
اما السبب الثانى فهو محأولة اردوغان إظهار بطولة "وهمية" أمام شعبة والمجتمع الإرهابى الذى يرعاه بأنه قادر على مجابهة المجتمع الدولى بأكملة وكسر أنف امريكا بمفرده، لكى يحقق قدرا من المكسب السياسى الذى بدأ يتدحرج للخلف فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تعيشها تركيا حاليا، خاصه بعد هبوط العملة وضعف الاقبال على الاستثمار فيها .
 
اما برونسون الذى يعيش منذ 1995 فى مدينة ازمير التركية، وهو اب لطفلين ولدو ايضا فى تركيا وهو راعى لكنيسه انجلية فى تركيا منذ 23 عاما، فهذا الرجل أنكر كافه التهم التى حأول الأتراك إلصاقها به وتبرأ منها تماما، فطبيعة الرجل نشر قيم المحبه بين الناس جميعا وهو على يقيين بإن السياسة مصدر للفرقة والاختلاف .
 
ولذلك على المجتمع الاسلامى وعلى "الازهر الشريف" تحديداً ان يتحرك بجدية للافراج عن القيس برونسون، ادأنه جريمة احتجازه من قبل الرئيس التركى، ولابد للعالم أن يعرف بأن ارودغان الذى يحأول إظهار نفسه وكأنه اميرا للمؤمنيين ، هو اميرا للارهاب ، ويجب على العالم ان يعرف ان جريمة الرهائن من الجرائم التى ينبذها الاسلام وهى من جرائم «البغي» المحرّم فى الإسلام، وان من يقوم بذلك هم قوم «خارجون على الحدود الشرعية»، ولا يعرفون آلية التفقّه فى دين الله. ففى كل الاحوال لا يجوز احتجاز المدنيين، حتى ولو كانوا من الأعداء، وتهديدهم بالقتل أو الحبس، بسبب عمل يرتكبه أو يمتنع عنه غيرهم وليسوا مسئولين عنه، ولا يمكنهم منعه، وعلى امتداد التاريخ الإسلامى كلهّ لم يثبت أن ارتكب أحد من المسلمين حادثة اختطاف رهائن أواحتجازهم، وأن ما يُروى عن النبى أنه أمر بخطف بعض أعدائه، مثل حادثة اختطاف ثمامة بن أثال الحنفي، هو مجرد روايات مدسوسة عن الإسلام، لينسبوا إليه ما ليس فيه من صفات تتنافى مع قواعد السماحة والرحمة والاعتدال التى تدعو إليها رسالة الإسلام
 
أن اختطاف الرهائن واحتجازهم يعتبران من أهم الجرائم التى يلجأ إليها الإرهابيون بصورة مستمرة، لما لهما من تأثير كبير على الرأى العام، وما يحقّقاه من نتائج سياسية ومنافع مادية للخاطفى ، وان السلام يدين تلك الافعال .
 
وعلى المجتمع الدولى ايضا ان يتحرك لانصاف برونسون من جحافل الاتراك ، وان يدين تلك الجرائم التى يقوم بها ارودغان تجاه المجتمع الدولى باكملة ، فالقانون الدولى الآنسانى يحظر اخذ الرهائن ويعتبرها جريمة حرب يعاقب من يفعلها أو يشارك فيها 
 
وعلى الولايات المتحدة الامريكية ان تمارس دورها فى الدفاع عن مواطنيها تجاه بعض القادة المتطرفين فكريا وسياسيا ، وايضا ان تمارس دورها فى الدفاع عن المجتمع الدولى ضد جرائم الإرهاب التى تمولها قطر وتركيا فى البلدان العربية وغير العربية .