عدن بوابة مفتوحة
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 6 سنوات و 7 أشهر و 7 أيام
الأحد 08 إبريل-نيسان 2018 04:07 م


من أبجديات نجاح أي مشروع عند التكوين والتأسيس , أن يسعى القائمون عليه إلى كسب ثقة رواده ومؤيديه . وذلك بالقيام ـ قولا وفعلا ـ بكل ما من شأنه أن يقوي أسسه ويساعد على تطوره ويساهم في تحقيق أهدافه المعلنة . وسياسيا تشكل ثقة الناس ركيزة أساس في النجاح والاستمرار , وتتحقق من خلال العمل الايجابي البناء , والمؤدي إلى نتائج تتوافق مع الأهداف المنشودة , وليس إلى عكس ذلك .
والغريب هنا أن لا نجد هذا الفهم والمنطلق متوفرا لدى المجلس الانتقالي الجنوبي , ومن وراءه دولة الإمارات الداعم الأساس له . فهو يزعم أن من أهدافه استعادة دولة الجنوب وحقوق الشعب المنهوبة , وتحقيق الأمن والعدل ومحاربة الفساد , ورفع مستوى المعيشة والتنمية وغيرها ... . ونجدها أهدافا سامية , ولكن بالنظر إلى وسائلها وأساليب تحقيقها نجد تناقضا لا يرسخ اطمئنانا ولا ثقة في أن الغد سيكون أفضل من الماضي والحاضر . فكل ما يراه الناس اليوم في ظل قيادة الإمارات , وسلطة المجلس وقوات النخبة والحزام , يدل على مزيد من الفساد والتسلط .
ـ يرى الناس وطنا يعج بالفساد من خلال ما يلمسونه من نهب واختلاس لأموال وإيرادات وطنية , ومن بسط وتملك لمؤسسات وأصول حكومية , ومن سطو واحتلال لبيوت وأراض وممتلكات خاصة , على يد رموز سياسية وأمنية وعسكرية ورجال عدل وقضاء , وحاشيتهم وأذنابهم , ممن قد أصموا أذاننا بموشحات محاربة الفساد والظلم .
ـ يرى الناس وطنا يعج بالفوضى والتمرد والتنازع , ولا مكان فيه إلا للأقوى نفوذا وتسلحا , ولا يخلو يوم فيه من عنف واغتيال وخطف , ومواجهة مسلحة هنا وهناك . وطنا أصبح الإنسان يخشى فيه على نفسه يوميا , من انتقام قائد , أو نزوة مسؤول , أو طمع متنفذ , أو شطحة جندي . وطنا لا أمن فيه ولا أمان , يغادره أهله من الوجهاء والعلماء والدعاة والتجار والمستثمرين والإعلاميين والحقوقيين , ومن مختلف شرائح المجتمع , فرادى وزرافات .
ـ يرى الناس وطنا لا وجود فيه لحرية الرأي والفكر والتميز والاستقلالية , فكل ما يلمسونه هو تبعية كاملة للإمارات وقيادتها العسكرية على أرضنا , فهي من تصيغ قرار المجلس , وتحرك القوات نحو تصفيات أخوية جنوبية . وطنا جعل المجلس الانتقالي فيه من نفسه الممثل الوحيد للجنوب , مقصيا كل المكونات والهيئات المعتبرة الأخرى , وجعل قواته القوة الوحيدة المهيمنة على الأرض متحدية كل القوات الأمنية والعسكرية النظامية والرسمية الأخرى . وطنا لا مساواة فيه ولا استقرارا ولا تنمية . طغت فيه العصبية المناطقية , وساد التنابز السياسي , وتدهورت البنية التحتية وتدنت الخدمات , وفي خضم هذا يدفع الأبرياء الثمن من أرواحهم وجراحهم , صارت حياتهم قلقا ورعبا ومعانات . بينما تحصد الإمارات خيراتنا . مقابل فتات لا يساوي زبد موجة من بحرنا , ولا ذرة غبار من ترابنا .
ـ دلائل جمة تلك التي لا تؤكد ما يدعيه المجلس والإمارات من تنمية وطن , وأمن مواطن . فماذا تريد الإمارات ومجلسها من هذه الخطط المرسومة والأفعال المدروسة على أرض الجنوب . أظن أن ذلك لا يخلو من أمرين :
ـ إما أن هذا هو ما تريده الإمارات تماما , ويحققه لها المجلس فعلا . أن يصل بالناس إلى قناعة جديدة معتبرة تؤكد إن الوحدة هي أهون شرا وأخف ضررا مما ينتظرهم في دولة الاستقلال . ولعل ما يؤكد ذلك أن من قادة المجلس الأعلى وفروعه بالمحافظات , قيادات مؤتمرية عليا , ومنهم من هم أشد وحدوية من أبناء الشمال . فهل يعقل أن تتحول فجأة أيدلوجية عشرات السنين لديهم إلى تضاد كلي مع ما اعتنقوه سياسيا وفكريا ؟ . كما أن الإمارات لا تخفى تحالفها مع أسرة صالح فكريا وسياسيا وماديا , فلا يعقل أن تسعى في فصل الجنوب وخسارة هذا التحالف القوي . بل إن الدلائل ربما تشير إلى نيتها تمكينهم الحكم عبر بوابة الجنوب . ولعل وجود طارق صالح والحرس الجمهوري في عدن إلا مقدمة لذلك . وربما نكتشف يوما أن مجلسنا وراعيه الخليجي ! وجه أخر لصالح والحوثي .
ـ وإما أنها تريد إطالة زمن الميوعة السياسية والغنج الدستوري والهذيان الشعبي , ليتسنى لها تحقيق أهدافها كاملة . وهي أهداف تخدم أرضها ودولتها , دون أي اعتبار لحقوق الجنوب وأهله . ويدل على ذلك أنها وقفت ومجلسها وقواتها موقف الند المتمرد على قرارات ومواقف الشرعية , وبلغ تحديها إلى حصار الحكومة وطردها من عدن . كما ويدل على ذلك ما تحقق من نتائج سلبية على المستوى الجماهيري , فقد بدأ التلاحم الجنوبي في التفكك , وأخذ الرأي الموحد في التفتت , وبدأ يسود التعصب المناطقي والقيادي .
ـ وهكذا فإن المتابع المراقب لأعمالهم وقراراتهم , أكانت تجاه الشرعية وسلطاتها التنفيذية , أو تجاه غيرهم من المكونات والشخصيات , سيجد أنهم يفقدون يوميا نسبة غير قليلة من ثقة الناس بهم والتفافهم حولهم . اليوم فقد الجنوبيون يقينهم السابق بأن الانفصال سيحمل لهم الخير والأمان , فقدوه في ظل سلطة كل منجزاتها أحداث دموية , وصدامات أخوية , وإجراءات لا قانونية , وانتهاكات لا إنسانية , طوال ساعات نهارها وليلها .