|
يبدو أن الخبراء العسكريين والسياسيين الذين أعدوا الاستراتيجية الأمريكية التي أعلنها الرئيس باراك أوباما بداية الشهر الجاري بشأن أفغانستان لم يستحضروا كل تاريخ ذلك البلد الذي أفشل استراتيجيات الاسكندر الكبير قبل 2500 سنة والإمبراطورية البريطانية عام 1842 م والاتحاد السوفييتي البائد الذي خرج يجر أذيال الخيبة والهزيمة عام 1989 رغم الزج بأقوى وحدات جيشه في المستنقع الأفغاني ، كما أن هؤلاء الخبراء ربما فاتهم تعقد الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان وباكستان بصورة مأساوية بعد مرور ثماني سنوات على بدء الحرب الأمريكية على تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
فالحكومة الأفغانية أصبحت مثالا للفشل والفساد وهي مستمرة في تدعيم علاقاتها مع أباطرة الجريمة والمخدرات وأمراء الحرب استعدادا لما بعد الانسحاب المأمول الذي أعلنه أوباما في إستراتيجيته يوليو 2011 ، وتستعد أيضا لأي تطور في علاقاتها بالإدارة الأمريكية التي ما فتئت تصفها بالفاسدة وتطلب مرارا من الرئيس حامد كرزاي تطهير مؤسسات حكومته من السارقين الذين أضعفوا ثقة الشعب بالحكومة مما جعلها تسخر كل المساعدات الأمريكية لدحر خصومها الداخليين بدلا من كسب ولاء الشعب وبالتالي كسب الحرب ضد طالبان .
أما الوضع السياسي في باكستان الحليف الاستراتيجي في الحرب على الإرهاب فهو أكثر تعقيدا وضبابية فالحكومة تتكشف عورات ضعفها كل يوم والانفجار الأخير بتاريخ 4 – 12 - 2009 في مسجد داخل القاعدة العسكرية في راوالبندي أكبر معاقل الجيش الباكستاني والذي أودى بحياة العشرات من العسكريين بينهم ضباط كبار رسالة تحمل دلالات كثيرة منها أن الخراب سيعم وسيصل إلى أكثر المناطق حساسية وأهمية كما أن الخلافات الحادة بين بعض القيادات العليا في الحكومة والجيش والاستخبارات الباكستانية بشأن التحالف مع واشنطن ورفض مساعداتها السخية لبلادهم زادت الموقف خطورة الأمر الذي جعل رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مايك مولن وقائد القيادة المركزية ديفيد بترايوس يوجهان اتهاما صريحا لعناصر من الاستخبارات الباكستانية بدعم طالبان والقاعدة في المناطق الحدودية بل إن أوباما نفسه تحدث عن محاولات تنظيم القاعدة لوضع يده على السلاح النووي الباكستاني ، وهذا يعني أن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية تستهدف بشكل جدي السلاح النووي الباكستاني لتجعله في مكان آمن لا نعلم حقيقة أين سيكون داخل باكستان أم خارجها؟؟.
أما حركة طالبان التي تدور حولها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة فإنها بعد ثمان سنوات من الحرب اشتد عودها وأصبحت أكثر التصاقا بقبائل البشتون التي يبلغ عددها أكثر من 40 مليون شخص يعيشون في أفغانستان وباكستان وهذه الحركة تسيطر الآن على 11 ولاية أفغانية بل إن نموذجا مشابها لها ولد وترعرع في باكستان وأصبح قوة عجز الجيش الباكستاني والطائرات الأمريكية من دون طيار عن تدميره والقضاء عليه خلال أربعة أعوام ، بل إن حركة طالبان باكستان وحركة طالبان أفغانستان أعلنتا عقب كشف أوباما نقاط إستراتيجيته إعادة التحالف بينهما وبدأتا استنفار جحافلهما استعدادا لفصل جديد من فصول المعركة مع القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي وحلف شمال الأطلسي .
أما تنظيم القاعدة الذي يؤرق أوباما كما أرق سلفه جورج بوش فقد أصبح بعد ثمان سنوات من الحرب عليه وملاحقته شبحا مخيفا يضع بصماته في أكثر من بلد بل ويعتبره البعض نموذجا لمقاومة عنيفة ضد السيطرة الغربية ، وعندما قال أوباما في خطابه أمام طلبة كلية ويست بوينت العسكرية إن استراتيجية ستدمر وتفكك القاعدة ربما رفعت هذه اللهجة معنويات عسكريين مستجدين لم يخبروا بعد ميدان القتال بعد ، أما المحللون العسكريون فيرون أن مفردات التدمير والتفكيك والإبادة لن تخرج عن إطارها النظري لأن القاعدة ليست منظمة تملك مكاتب وقواعد عسكرية في الأماكن التي تختبئ فيها على الحدود الأفغانية الباكستانية بل هي مجموعة من الأفراد والناشطين كما ينتشرون على حدود البلدين يعيشون في المدن الرئيسية وربما تكون الطريقة المثلى لهزيمة القاعدة وقف قتل المسلمين والتنكيل بهم كما قال غرهام فولر النائب السابق لرئيس مجلس الاستخبارات الوطني في وكالة الاستخبارات الأمريكية.
إن إرسال 30 ألف جندي أمريكي إضافي و 7 آلاف جندي من دول الحلف الأطلسي إلى أفغانستان يعني تمكين الحكومة الأفغانية من توسيع نفوذها على الأرض نسبيا وتعزيز خطط التصدي لتقنيات الكر والفر التي يعتمدها مقاتلو طالبان وقتل زعمائها والاستخدام المتعمد للقوة غير المتكافئة لجعل حياة السكان خطرة وقاسية مما قد يدفعهم لترك طالبان والعزوف عن الرغبة في القتال ، وهذا يعني أن ترهيب المدنيين وقتلهم جزء من الاستراتيجية الأمريكية والدليل على ذلك قصف الطائرات الأمريكية من دون طيار عددا من المناطق بصواريخ " هيلفاير " مما أدى إلى قتل وجرح عدد كبير من المدنيين في عدد من المناطق الأفغانية ، لكنني اعتقد أن هذا الأسلوب قد يؤدي إلى نتائج عكسية فعوضا عن إحداث شرخ بين السكان وطالبان من الممكن أن يجمعهم معا في مواجهة المحتل خاصة وأن المشاعر الوطنية المعادية للأجانب لا تزال متأججة .
كثير من المحللين تمنى أن يختط باراك أوباما لنفسه نهجا مغايرا غير الذي سلكه سلفه بوش وأن تتضمن استراتيجيته إشارات ولو خجولة لمبدأ المصالحة الوطنية بين الأفغان خاصة وأنه مقتنع بأن بلاده ليست مهتمة بخوض حرب بلا نهاية في أفغانستان ، لكن طالما وقد أصر على توفير القوة اللازمة لتدمير طالبان فإن الملا محمد عمر وحركته ومعهم تنظيم القاعدة سيقولون بلا شك للأمريكيين وحلفائهم إذا كان لديكم الساعات فلدينا الوقت وهذا ربما يجعلنا نشاهد خطابا للرئيس أوباما نفسه أو من يخلفه : إننا لا نزال نقاتل في أفغانستان بهدف حماية أمن مواطني الولايات المتحدة ومنع تلك البلاد من أن تتحول إلى منصة إطلاق للإرهابيين وهذا يعني المزيد من الغرق في الجرح النازف الذي ينظر إليه دافع الضرائب الأمريكي بأنه من نتائج العبث بلقمة عيشه وضمانه الصحي وقبل ذلك الاستهانة بحياة الجنود الأمريكيين.
M_HEMYARI_Y@YAHOO.COM
في السبت 19 ديسمبر-كانون الأول 2009 01:53:55 ص