الكتائب الدولية الناعمة للانقلاب
بقلم/ ياسين التميمي
نشر منذ: 8 سنوات و يوم واحد
الأربعاء 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2016 11:37 ص
المعركة في اليمن ليست فقط تلك التي تدور بين قوى مسلحة بالطائرات والدبابات والكاتيوشا ومدافع الهاوزر والرشاشات، إنها فقط الصورة الأكثر وضوحاً في سياق معركة متعددة المسارات يُشهر بعضُها أسلحةً أخطر بكثير من تلك نراها في ميادين القتال.
هناك كتائب ناعمة دولية لها امتدادات محلية، تعمل على الأرض وتحاول إعادة تكييف المعركة، وتوجيه نتائجها لصالح طرف دون آخر، وهذا الطرف يمثله الانقلابيون على وجه التحديد.
في الثلث الأخير من فترة حكمه عمل المخلوع صالح على بناء شبكة من المرتبطين بأجهزة الاستخبارات من الرجال والنساء، تم توزيعهم بعناية على السفارات والوكالات الدولية العاملة في صنعاء، وبعضهم انخرط في النشاط المدني وأسس منظمات تنشط في مختلف المجالات السياسية والحقوقية والإغاثية والبيئية.
واعتمد نظاماً غير مرئي من الرقابة على النشاط المدني في البلاد، وعمد إلى توجيه معظم الدعم الذي يأتي من المنظمات والحكومات الأجنبية بهدف بناء شركاء محليين من المجتمع المدني في اليمن، نحو المنظمات المرتبطة بأجهزته الاستخبارية.
توزعت الشبكة العنقودية من الناشطين المدنيين بشكل منظم من التبعية على أفراد عائلة صالح من الرجال والنساء، وعمل الجميع تحت إشراف أفراد عائلته، إلى حد تم معه توجيه نشاط المجتمع المدني نحو خدمة المشروع السياسي لصالح، عوضاً عن أن تكون هذه الشبكة من منظمات المجتمع المدني والناشطين الشريك الثالث في التنمية المستدامة، خصوصاً وأن معظم المعونات التي كان يتلقاها اليمن مثله مثل بقية البلدان الأقل نمواً، كانت تقتضي وجود شراكة مع المجتمع المدني.
وفي موازاة هذا الجهد من التحشيد المدني لغايات سياسية، كان للحوثيين أذرعتهم الخاصة التي تتداخل مع شبكة المخلوع صالح.
وفي حين كانت العلاقات مع أجهزة صالح تحقق لهم مصالح مضمونة، كانت الرابطة السلالية مع زعيم الحوثيين هي المحرك الأساسي لنشاطهم المدني الموجه لفائدة المشروع الحوثي الذي يشكل بدوره مشروعاً منفصلاً تماماً عن مشروع المخلوع صالح.
ذلك أن مشروع الحوثيين هو استعادة الإمامة، بكل ما يحمله هذا المشروع من أفكار بالية ومقبورة بشأن الحكم، فهي تقوم على أوهام الاصطفاء السلالي التي تمنح الحق لعائلة أو سلالة بعينها في الحكم.
من يصدق أن طبقة من الناشطين في الحقل المدني، ممن يتمتعون بحظ وافر من الثقافة ويتحدثون اللغات الأجنبية بطلاقة، كرسوا أنفسهم طيلة العقدين الماضيين، لخدمة المشروع السلالي لاستعادة السلطة عبر العمل كذراع ناعم لتنظيم إرهابي طائفي مرتبط بإيران.
ولكن هذا حدث ويحدث بالفعل، وقد ساهم في تأسيس معركة موازية أشد تأثيراً على طموح السلطة الشرعية في استعادة الدولة وإعادة اليمنيين إلى مسار الانتقال السياسي نحو الدولة المدنية الاتحادية.
تعتمد منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش، وغيرها من المنظمات مثل أكسفام وحتى الوكالات التابعة للأمم المتحدة في نشاطها باليمن على شركاء ينتمون إلى الشبكة العنقودية المرتبطة بالانقلاب، وهؤلاء يتكفلون بصياغة تقارير غير موضوعية وغير مهنية، وليس فيها سوى القالب والشكل المعياري، فيما يجري ملء هذا الشكل بالمغالطات القاتلة كما يجري تزوير الحقائق، إلى حد يبدو معه المشهد في اليمن مجرد صراع بين أطراف مسلحة، فتقارير كهذه تساوي بين الضحية والجلاد، وتعمل على شيطنة أولئك الذين اضطرتهم الظروف إلى الدفاع عن أنفسهم وكرامتهم.
لم تتحدث أية منظمة حتى الآن عن الانقلاب باعتباره جريمة سياسية خطيرة جداً تسببت في كل ما يجري في اليمن.
تكمن خطورة الدور الذي تقوم به المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان استناداً إلى جهد الشبكة العنقودية المحلية المرتبطة بالانقلاب، في أنها تقوم بتسويق قوالب جاهزة لمظهر الحرب في اليمن، وتقدمه على أنه قصف عنيف من طائرات التحالف العربي الحديثة التي تم شراؤها من الغرب.
ويتسبب هذا القصف بمقتل المئات من المدنيين الأبرياء ويتسبب كذلك في مضاعفة معاناة اليمنيين الفقراء بسبب الحصار، على الرغم من أن التحالف لا يحاصر اليمن أصلاً ولكنه يطبق قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي حظر توريد الأسلحة للانقلابيين، هذا كل ما في الأمر، دليل أن الأسواق في صنعاء نفسها مليئة بالبضائع والمستلزمات فيما تبدو شحيحة جداً في مدينة تعز التي تحاصرها ميلشيا المخلوع صالح والحوثي.
أنجز مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مهمة تحقيق في ضحايا قصف الخامس عشر من آذار/ مارس 2016 من قبل طيران التحالف في سوق مستبأ بمحافظة حجة خلال يومين، والنتيجة التي خرج بها الفريق الذي أرسله المجلس وبالتأكيد هذا الفريق هو جزء من الخبراء المحليين الجاهزين المرتبطين بالشبكة العنكبوتية الاستخبارية التابعة للانقلابيين.
لهذا تطابقت الأرقام التي أعلن عنها مجلس حقوق الإنسان مع الأرقام التي أعلنت عنها الميلشيا منذ الساعات الأولى، وكل ما في الأمر أن فريق التحقيق الذي قام بمهمته بسرعة فائقة تبنى هذه الأرقام، وتم تداولها بشكل رسمي في أورقة الأمم المتحدة، وستسجل كجزء أصيل من مسيرة الحرب السوداء في اليمن.
لا تكف منظمات أوكسفام على سبيل المثال عن الضغط عبر وسائل الإعلام البريطانية، وفي مجلس العموم البريطاني من أجل حمل الحكومة البريطانية على وقف تصدير السلاح للمملكة العربية السعودية، والحجة دائماً هو أن السعودية تقصف اليمنيين الفقراء.
هذه المنظمة وغيرها هي التي تؤثر بعمق في توجيه قرار القادة الغربيين، وهي التي تقف خلف الصيغة المثيرة للجدل التي أتت بها الأمم المتحدة، وهي الخطة التي أملاها جون كيري، الذي لا يوجد سياسي غربي أكثر منه انحيازاً للمشروع الإيراني في المنطقة، بكل ما يمثله هذا المشروع من توابع وأذرعة خطيرة.
لم تستطع هذه المنظمات الفصل بين دورها المهني وبين قناعاتها المتأثرة بالتصور الجاهز الذي فرضه السياسيون الغربيون ومراكز صنع القرار في الغرب، لمواجهة ما يسمونه الخطر الإرهابي، الذي بات مطابقاً تماماً للكتلة السنية الكبيرة التي يصل تعدادها إلى نحو مليار مسلم.
هذا التصور يفسر كيف تحولت برلين إلى أحد أكثر الأطراف دعماً للحوثيين عبر هذه الأذرعة الناعمة التي تنخرط ليس فقط في كتابة تقارير مغلوطة، ولكن أيضاً في تنظيم نقاشات وصياغة تصورات بشأن مستقبل اليمن، تحمل في طياتها توجهاً مفضوحاً لإعادة هندسة المشهد السياسي، يقتضي فيما يقتضي، هزيمة أطراف سياسية وإقصائها والتغطية على المؤامرات التي تستهدفها عسكرياً وسياسياً.
ليس غريباً أن يتجند سياسي يمني بارز مثل خالد بحاح الذي تسلم ثاني أهم منصب في البلاد قبل أن يقصيه الرئيس هادي، ضمن هذا المشروع الإقصائي الذي يلبس ثوباً ناعماً ويدعي أنه مع السلام.
بحاح للأسف الشديد يتبنى مواقف حيادية تجاه الكتائب الإرهابية التي تنخرط في قتال اليمنيين في محاولة صريحة لفرض مشروع سياسي طائفي مرتبط بإيران، ويمنح شهادات حسن السيرة والسلوك للطغاة والمجرمين من أمثال المخلوع صالح.
حينما قرر بحاح استئناف نشاطه الذي ربما كان مدفوعا للقيام به من أطراف إقليمية ودولية، قام بذلك انطلاقاً من برلين، وهناك قال كلاماً ثم عاد لينفيه قبل أن يعاود التصريح به عبر قناة الـ: بي بي سي عربية والذي امتدح فيه المخلوع صالح وبشر بقرب نهاية الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي.
يا لها من معركة خطيرة هذه التي تقوم بها منظمات تدعي حرصها على حماية حقوق الإنسان، بينما خيارها الأول هو قتل هذا الإنسان، لأنه لا يشبه القائمين عليها في طبيعة التفكير والاعتقاد.