الإسلاميون ودور المنقذ
بقلم/ كمال الحارثي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 27 يوماً
الأربعاء 21 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:18 م

من السجون حيث تجد الأحلام والأفكار فرصتها للاسترخاء، ومن المنفى حيث تترعرع الحرية في ظل لهف زائد على توأمها الوطن ، ومن تحت ركام الخوف المسترخي في كل ناحية حيث لا تجرؤ الشجاعة على الموت ، تتسلل مع الضوء خطى حثيثة تلاحق مصدر الخوف والكبت وقرارات الإبعاد ، ومن التهميش والإقصاء والتشويه ، والتأليب الدولي ، تبدأ رحلة المعاناة نحو التحول إلى صورة ما بعد العملية ، مروراً بثورات كسرت حاجر الخوف وبطش وتشويه الآلة العسكرية والرقمية الإعلامية ، انطلق الإسلاميون كمكون له حجمه الكبير ضمن مكونات الثورات التي صُنعت لهذا الغرض ولو كأحد مهامها . في ظل توافق مبدأي على ضرورة الثورة ،والرهان بعد ذلك لمن يحظى بثقة الشعوب في القدرة على تحويل الحزب إلى عطاء يعيش مع الناس ويلبي متطلباتهم . وهذا بالطبع بعد التأكد من سلامة البرامج وصلاحيتها في إطار فكري ومنهجي قابل للتعايش مع القناعات المجتمعية ، مما يعطي تفسيراً منطقياً لهذا التغير الهائل في نتائج الانتخابات العربية الشكلية ،والتي تعودنا أن يحصد فيها الحاكم أغلبيته الساحقة لكل معايير النزاهة وحقوق وأحلام الشعوب وصارت اليوم عكس المألوف بنتائج أذهلت المراقبين رغم موافقتها توقعاتهم .

ربما أسهمت المواجهة المتعددة لتنامي الإسلاميين كقوة في العقود الماضية في مضاعفة حماسة الإسلاميين وتحفيز الوعي إلى ضرورة التخفيف من ملامح التشدد والانفتاح على بقية الخصوم بما يضمن دحض المخاوف التي تثيرها الحرب الإعلامية ضدهم ، والنأي بالخطاب عن نبرة الويل والعقاب والوعظ البحت ، على أن يأتي ضمن مظاهر هذا التحول تبني خطط إصلاح مجتمعي وسياسي وتنموي شامل . لقد حظيت الأحزاب العلمانية والأنظمة الحاكمة بتجربة سلاحها الوحيد معاداة الإسلاميين خسرت خلالها أغلب ثقة الشارع بعد أن حكمت بالحديد والنار ، وقتلت الطموح والتنمية واستهترت بأصوات الشعوب ، ولجأت إلى ديكتاتورية تمر عبر الصندوق بزيف فاضح. ولا شيء تقدمه غير تكريس الكبت وتوسيع رقعة الفقر واستغلال موارد الدولة وإهدار كرامتها وسيادتها ، ما جعل الشعوب تنظر إلى الإسلاميين على أنهم النقيض والبديل الأنسب لهذه التيارات التي تفتقر أساساً إلى أبسط معاني الرقابة الداخلية ومدلول الولاء الوطني للأمة والتراب . كما أن الإسلاميين بالمفهوم الحقيقي للانتماء هم أبناء على عكس بقية التوجهات التي تعتبر دخيلة بانتمائها وولائها الفكري والأخلاقي . وحتى أن الأنظمة الساقطة السابقة في البلدان ذات الاكتساح الإسلامي حالياً ، لا تملك نموذجاً ناجحاً يدلل على إمكانية نقل التجربة من بلد عربي أو إسلامي إلى آخر إذ أنها جميعها تتشابه في الصورة والأداة ،إلا ما كان من استشهاد بنجاح أنظمة علمانية غربية مما لا يصلح مثالاً للاحتذاء بسبب عدم التشابه لا في البيئة المناسبة ولا في تطبيق الأحزاب العلمانية العربية لمفاهيم شعاراتها التي تترجمها الأنظمة الغربية كحريات وإنجازات وتتبناها الأحزاب العلمانية العربية كأسلوب حرب ومعاداة للقيم والحريات . وبات من البدهي لدى الشعوب أن تجريب المجرب عبث إضافي في حق الوطن والهوية ، في حين أن القوة الإسلامية الصاعدة تقدم التجربة التركية كمثال صالح للتطبيق الأمر الذي يغري تجاوب الشعوب وثقتها ،مرتكزة على صدق الإسلاميين وعدم ابتزازهم العواطف والمزايدة بما لا يعكس نفعاً على المجتمع .

اللافت في الأمر أن الإسلاميين في كل من مصر والمغرب وتونس خاضوا التجربة بعد انقطاع كبير مع قواعدهم الشعبية التي كانت تعزز الصلة بها عبر تنظيمات وخلايا بشكل متسلسل وعنقودي ، والسبب في الانقطاع إما أمني أو انعدام الحزبية والحراك السياسي أصلاً بسبب حساسية نظام البلاد الملكي ، ورغم ذلك فقد حققوا حضوراً استثنائياً ، أجبر العالم على احترام هذا النجاح المنبثق من ثقة الشعوب بما يسمى الإسلام المعتدل الذي جعل الغرب لا يمانعون من التعامل معه باطمئنان ، غير أن هذا الاطمئنان سيجعلهم في موقف حرج أمام نجاح الحزب السلفي الأكثر إثارة والذي فجر مفاجأة مدوية عكست ثقلاً شعبوياً هائلاً من خلال انتزاعه 20% من مساحة الحقل الديمقراطي المستجد في مصر في المراحل الأولى، على أن هذا الحرج لا ينبغي أن يتزايد أمام حداثة سلفية من نوع مختلف جداً ، أبرزت جدية الفكر السلفي في تطبيق مبدأ التعايش على أساس مرن من خلال خوض التجربة الديمقراطية ذاتها ، بعد أن كانت بالأمس إحدى وسائل الغزو الغربي الكافر ، علاوة على ذلك فقد أبدى سلفيو مصر مرونة عالية من خلال تجاوز كل حساسية اللعبة وامتدت بانفتاح إلى مدى أبعد ليتمثل في تصريح بعض قيادة العمل السلفي عن قبولهم برئيس قبطي دون غضاضة ،وحتى مجرد اختلافهم في ترشيح المرأة المنتقبة بين مؤيد ومعارض هو خطوة في هذا الاتجاه . وهذا يؤكد أن مجرد الضغط على زر العمل السياسي كفيل بجعل الكتالوج السلفي يبدو أكثر جاذبية ، لا يفتح مجالاً للتساؤل والريبة والخوف ، لأن كلاً من ذلك لم يعد جديراً ولا مبرراً .