إعادة بناء الوعي اليماني
بقلم/ د. محمد محمد الخربي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 3 أيام
الخميس 02 أغسطس-آب 2012 11:42 م

قراءات في النهضة اليمانية

اليمن دولة عظمى : مشروع حضاري عملاق ، يسهم في تحقيقه اليمانيون كلهم ، ويحيل البنية القبلية إلى بنية فاعلة ومكملة للبنية المدنية ، ولا يمكن لدولة عظيمة أن تكون على حساب تهميش أي شريحة اجتماعية داخل الوطن ، فاليمن بكافة قواه ومشاربه وتياراته ومذاهبه يجب أن يوظف توظيفاً حداثياً في صناعة هذه الدولة القوية التي يجب أن تحرص حرصاً شديداً على جميع مواطنيها ، لأن حضور الدولة في كل قبيلة وعزلة وناحية وقرية وريف برهان ساطع على نموها ونجاحها ، وسيمهد الأرضية لدخول كل أبناء اليمن فى صنع مستقبلها المنشود.

إن القبيلة والمدنية والقرية مجرد مسميات ، لاينبغي أن تسخر في تصنيف القوى البشرية ، ولكنها نطاقات تنموية على الدولة الوطنية المركزية أن تجيد في تفجير طاقاتها الكامنة، ليصبح كل فرد فيها فاعلاً لايمكن إسقاطه في معادلة البناء الجديد المستند إلى العدل ، وإن الاندماج المجتمعي لهذه البنى في نهضة اليمن يؤكد أهمية تعميم التنمية بمختلف وجوهها على كل ربوع الجمهورية، ولم يعد مقبولاً في فكرنا الحضاري المعاصر القبول بتنازع السلطات بين مراكز القوى التقليدية ، ولكن هناك مفاهيم أخرى علينا أن نؤمن بها كمرتكزات عادلة تحفظ تلاحمنا واصطفافنا ، وتوحد همومنا ومشاعرنا ، أي إن الدولة المركزية القائمة على تعدد الاختصاصات وتكامل الأداء تأخذ في حسبانها تلبية الاحتياجات الأولية لأبنائها الذين يؤمل عليهم في تلبية طموحاتها في النمو والازدهار في كل مناحي الحياة.

اليمن دولة عظمى : يعني بدرجة أولى تنفيذ أجندة تعليمية غير تقليدية، وتجاوز سريع لمعدلات الأمية المخيفة خاصة في أوساط الإناث، والاستفادة من تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لدمج مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني مع احتياجات السوق ، مع تسخير التعليم العالي والبحث العلمي لخلق فضاءات علمية ذات طابع تقني وتصنيعي، بل إن تخطيط مخرجات العلوم الطبيعية والإنسانية يمكن أن تخلق في مجتمعنا اليماني المعاصر حقولاً جديدة من المعارف والعلوم ، مما يولد تدريجياً حركة علمية جديدة غير معروفة لدى كل دول العالم من حولنا ، وبلادنا تزخر حاليا بمئات الكفاءات ذات القدرات الإبداعية ، ولكنها تفتقد إلى مؤسسات حاضنة ، ولذا نراها تستثمر بطريقة عشوائية من قبل مؤسسات دولية متعددة التي وجدت في هجرة الأدمغة ضالتها ، وهذا يعتبر استنزافاً لمواردنا البشرية والعلمية لايمكن تجاهله أو القبول به مستقبلاً .

اليمن دولة عظمى : يرسم لنا خارطة طريق ملزمة يجب في ضوئها أن نعيد تشكيل جميع سلطات الدولة على أرقى ماهو سار في الدول المتقدمة في يومنا الحاضر، وأن نعيد ترتيب بيتنا الداخلي وفق قواعد ومعايير من الأخلاق والاحترام المتبادل والاعتزاز بأصالتنا والافتخار بمجالات معاصرتنا الخلاقة ، وهذا يعني عدم استنسخ عوامل الضعف والتدهور في الحضارة الغربية الراهنة ، وأن تكون في دولتنا مؤسسات قوية ومتماسكة علميا وسياسياً وأمنيا وعسكرياً وثقافياً ودينياً وغيرها من الحقول ذات الصلة ،ولذا فلن يكون مقبولاً هيمنة الفرد على المؤسسة ، ولا الفقية على الفتوى ، ولا القبيلة على الدولة ، ولا القوات المسلحة على الشعب ، ولا المال على أدبيات الممارسة السياسية ، لأن هذا وغيره هو باب واسع نحو الفساد والإفساد لحقوق الناس وحدود الاتزان في المجتمع ، ويؤدي تدريجيا إلى سيادة نماذج الإرهاب السلطوية والتفرد بالحكم على حساب سلطات المؤسسات ، ولابد أن نقوم بوضع تشريعات ذات منزع وظيفي تكاملي تخدم الجدوى وتنمية الإنتاجية والإبداعية شكلاً ومضموناً .

اليمن دولة عظمى : مسألة تفرض علينا أن نولي الإنسان اليماني كل عنايتنا وتقديرنا ، وأن نوفر له كل العوامل التي تجعله قادراً ومتمكناً ومبدعاً ، وهذا يفسر فساد كثير من العادات والتقاليد المجتمعية المتفشية في أوساط رجالنا ونسائنا خاصة الشباب الذين يشكلون غالبية كبيرة من نسبة السكان الكلية ، أي هناك حاجة ماسة إلى إعادة بناء قدراتنا النفسية والعقلية حتى نقتنع بترك هذه الظواهر السلبية التي تعيق ملكاتنا الكامنة ، ومنها القات والثأر والفراغ والإسفاف في معاملة المرأة ككائن قاصر وحرمة الدماء والتكفير وواجب تقديم إنسانية اليماني ومحبته على الولاءات والانتماءات الحزبية والطائفية والمذهبية والعرقية ، ووضع خدمة الإنسان ونفعه كمصلحة عليا بها نحقق أسمى أهداف دولتنا العظمى المأمولة ، لأن الإنسان الحر والمكرم والقادر على توفير حاجاته الإنسانية هو الذي يصنع وينضج هذا المشروع الحضاري الرائد .

اليمن دولة عظمى : يؤكد ضرورة فهم الإسلام بأسلوب ومنهج جديد ومختلف تماماً عما بقي متداولاً منذ نشأة الدولة الأموية وحتى سقوط الخلافة العثمانية ، مع قطيعة كلية مع نماذج الحكم الجبري التي شيأت وجودنا ، وجعلت مطالبنا المشروعة في الحرية والتنمية مبررا للقتل والقمع، ولم تراع أدنى المعايير في الحوكمة الرشيدة ، وهي تعلم أننا بشر نسمع ونرى ونعقل ونتفاعل مع مختلف التجارب الحضارية في أوروبا وآسيا، وقد صدق القائل : بارزت ألف فقيه فغلبتهم وبارزني جاهل فغلبني ، فهؤلاء الحكام دون استثناء هم أسوأ صفحة في تاريخ الإسلام ، وسيلقون يوم القيامة غياً وسيكون مصيرهم مع الجبابرة والطغاة في أرض المحشر يطؤهم الناس بأقدامهم من حقارهم على الله ، فلعل مغرماً تظنه مغنماً يوردك في موارد الهلاك ، ولعل مغنماً تظنه مغرماً يرفعك في منازل النجاة ، والله أعلم .

اليمن دولة عظمى : ليس مستحيلاً إن أراد اليمانيون استعادة دورهم الريادي في تاريخ الإنسانية ، وليس وهما ، إن كنا نؤمن بأحقيتنا في الحياة وخصوصيتنا في الإسلام .وتفردنا في الأخلاق وحتميتنا في التنافس العلمي الشريف ، ولا يمكن للمرء أينما كان وهو يسمع عن بلدنا وأبنائه اليمانيين إلا وأحبه وذكرهم بكل خير وحب ، ولذلك فنحن حينما نريد استعادة مجدنا التاريخي ونهضتنا الحضارية ، إنما نصبو من وراء ذلك إلى خدمة البشرية وتخليصها من سلبيات الحضارة الغربية والحفاظ على جميع المكاسب الإنسانية التى أبدعتها الأمم كتراث عام ومشترك لاجدال فيه.

فنحن – اليمانيين - لانعتدي على أحد ، ولا ننكر فضل أحد ، ولا نطمح إلى شىء لانملكه، وإنما نسعى إلى إعادة بناء وعينا الذاتي حتى نتحول إلى شركاء في صنع مجد الإنسان وتخليصه من أسوأ مازرعته العلوم والمعارف ، وهي تنكر عليه حقه في العلم والحياة ، أي أن نعيد للعلوم مهما كان حقلها – أخلاقها التي أفقدها أخونا الغربي ، وهو يظن نفسه في مقام الاًلهة ، إننا نقدم مشروعنا : اليمن دولة عظمى كسفينة نجاة للبشرية جمعاء بإعادة أخلاقيات العلوم والمعارف إلى موقعها الصحيح وفي ضوء القوانين المتفق عليها بين سائر الناس ، وهي تنسجم روحاً ونصاً مع مختلف الشرائع السماوية المعروفة و تعاليم الإسلام الحنيف ، إنه إسلام يماني لامثيل له في تاريخ البشرية يحرر الإنسان من عبودية الإنسان ، ويطلق أجمل مافيه في محبة الرحمن جل جلاله، لنا قدر يماني حاول الطغاة سرقته على امتداد مئات السنين ، وعلينا حتماً انتزاعه عن طريق البدء في إعادة بنا الوعي اليماني الرحيم الخلاق والمبدع ، كما أراده الله تبارك وتعالى والويل لمن غالبنا حقنا ، لأننا ونحن نؤسس أرقى نماذج الدول في الأرض نعمل وفق الإرشاد النبوي الكريم – صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم - إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، فالدول مثل البشر لايمكن أن تساس وتحيا بدون قيم ومثل تحفظ كيانها ونظامها وتؤمن لها ديمومتها وجمالها.