ما بعد 21 فبراير .. مخاض ينتظر اليمنيين
بقلم/ عامر الدميني
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر
السبت 25 فبراير-شباط 2012 10:53 م
 
 

بانتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية تكون المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية التي حددتها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية قد انتهت، وتبدأ المرحلة الثانية من فترة الانتقال مع تنصيب هادي رئيسا وتنتهي بإجراء الانتخابات العامة وفقا للدستور الجديد، وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد، وهذه المرحلة هي الأهم لأنها ستكون ذات طابع حواري وتمثل اختبار حقيقي لمدى نجاح المبادرة والتوافق السياسي بين الأطراف المعنية، و المخاض العسير الذي يفضي إلى الدولة المدنية المنشودة او سيادة الفوضى والتفكك.

حظي عبدربه منصور هادي بارتياح شعبي كبير من جميع الأطراف الفاعلة محليا ودوليا، وسيكون أول رئيس في تاريخ اليمن يخوض الانتخابات بثقة عالية ودون خوف من الخسارة أو اشتداد المنافسة، فقد ألزمت المبادرة الخليجية الطرفين الموقعين عليها (التحالف الوطني ممثلا بالمؤتمر الشعبي العام وحلفائه و المجلس الوطني الذي تمثله أحزاب المشترك وشركائه) بعدم ترشيح أي شخص لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة أو تزكية أي مرشح غير المرشح التوافقي نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، وأهمية هذا الإلزام يأتي من كون المبادرة الخليجية نصت في بندها الرابع بأن الاتفاق على الآلية التنفيذية الموقع بين الجانبين يحل محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيها أمام مؤسسات الدولة.

ملامح المرحلة القادمة

المتابع لتنفيذ المبادرة على الأرض أنها -حتى لحظة انتخاب هادي وتنصيبه رئيسا توافقيا- تسير كما هو مرسوم لها، باستثناء بعض الملاحظات، لكن الانتخابات ونجاحها ليست هي الضربة القاضية التي ستسقط النظام -بغض النظر عن مدلولها المعنوي- فالمرحلة الثانية التي ستبدأ مع إعلان تنصيب هادي رئيسا لمدة عامين ستكون هي الأهم والأعقد والأخطر على مستقبل اليمن وحياة اليمنيين في مختلف جوانبها، صحيح أن المبادرة ستنجح بتنحية صالح، وهذا بحد ذاته يحقق الهدف الأول للثورة الشعبية، لكن العامين القادمين باعتبارهما العمر الافتراضي للمبادرة، قد يشهدان تغيرات كبيرة وتحولات عديدة في حال تعثر الاتفاق بين أطراف العمل السياسي الموقعة على المبادرة، وسيكون مصير اليمن بيد عبدربه منصور الذي أعطته المبادرة تفويضا كاملا في اتخاذ القرار النهائي والبت بالمسائل التوافقية التي قد لا تتفق حولها الأطراف السياسية، وهذا يعني أن هادي إذا انحاز إلى حزبه ولم يتعامل مع مختلف الأطراف كرئيس توافقي من أجل مصلحة الوطن، فلن تكون المبادرة سوى التفاف واضح على مطالب الثورة الشعبية والشعب اليمني وحقه في التغيير، وسنعود من جديد إلى دوامة الوساطات والمفاوضات والحوارات، وإما ستفضي بنا الأحداث إلى الدولة المدنية الحديثة كما يتطلع ويؤمل اليمنيون، أو أن البلاد برمتها ستدخل في أتون الصراع والأنفاق المظلمة وتشظي العنف واتساع دائرته.

خطورة هذه المرحلة أن طابعها العام سيكون حواري ونقاشي وتوافقي، والحياة السياسية في اليمن أخفقت بامتياز منذ عقود بنجاح الخيار التفاوضي بين أطراف العمل السياسي سلطة ومعارضة.

صحيح أن الوضع تغير الآن، فلم يعد صالح باعتباره المراوغ الأول المسؤول عن فشل أي اتفاق سابقا، وأن جميع إجراءات التفاوض حول المحاور التي حددتها آلية مبادرة الخليج ستتم تحت مراقبة الأطراف الدولية الموقعة على المبادرة، لكن من غير المؤكد ان تسود لغة التفاهم والتوافق الوطني حول القضايا التي ستناقشها المرحلة الثانية بإعتبارها شائكة ومصيرية، وأن تسير الآلية كما هو محدد لها، خاصة إذا ظلت مراكز النفوذ العسكرية والإدارية والاجتماعية بيد الحزب الحاكم كما هو عليه الحال الآن، أو إذا أخليت الساحات من الثوار المعتصمين، وتفرق أمرهم وضاعوا كقوة مرجحة وأداة ضغط فاعلة ومؤثرة.

محاور التوافق في الفترة الانتقالية الثانية

بعد فوز هادي في الانتخابات، سيمارس مهامه كرئيس لليمن وفق الدستور الحالي، وكذلك رئيس الوزراء باسندوة وحكومته، وسيبدأ الاثنان إدارة البلاد ومواصلة مهام التنفيذ المحددة للمرحلة الأولى، والمهام الإضافية المحددة في المرحلة الثانية من نقل السلطة.

المهام الإضافية كما توضحها المبادرة الخليجية تتوزع على أربعة محاور هي: انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وإيجاد دستور جديد، وإصلاح النظام الانتخابي، وإجراء انتخابات مجلس النواب ورئيس الجمهورية وفقاً للدستور الجديد، وهذه المهام بحد ذاتها ليست يسيرة، وسيعاد على ضوئها تشكيل الدولة من جديد، وهي بحسب المبادرة من مهام وصلاحيات الرئيس وحكومة الوفاق الوطني وهما المسؤولان عن ضمان نجاحها.

المؤتمر الوطني هو أول وأهم المهام التي ستبدأ بها الحكومة والرئيس، وسيكون هو المؤشر الحقيقي لمدى نجاح المبادرة الخليجية وقدرتها على صناعة المشهد اليمني، وبحسب المبادرة فسيدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي والحوثيون وسائر الأحزاب وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي، وينبغي تمثيل المرأة ضمن جميع الأطراف المشاركة.

هذا المؤتمر سيتولى مناقشة العديد من المحاور التي يرتكز عليها إصلاح الدولة ورسم ملامحها المستقبلية، وسيبحث في عدة مواضيع تتمحور حول صياغة الدستور، وإنشاء لجنة لصياغة الدستور وتحديد عدد أعضائها، ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها، وسيقف أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حلها حلا وطنياً عادلاً يحفظ وحدة البلاد، إضافة الى النظر في قضية صعدة، واتخاذ خطوات للمضي قدماً نحو بناء نظام ديمقراطي كامل، بما في ذلك إصلاح الخدمة المدنية والقضاء والإدارة المحلية، واتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالح الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً، واتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها، بما في ذلك الأطفال والنهوض بالمرأة، والإسهام في تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لتوفير فرص عمل وخدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل للجميع.

وعقب المؤتمر تنشئ حكومة الوفاق الوطني لجنة دستورية في مدة أقصاها ستة أشهر وتكون مهمتها صياغة مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، وتقوم اللجنة باقتراح الخطوات الضرورية لمناقشة مشروع الدستور والاستفتاء عليه لضمان مشاركة شعبية واسعة وشفافة.

هذه المهام في ظل المعطيات الحالية ستكون بانتظار طارئ جديد يتدخل لحلحلة المشهد السياسي، فالحوثيون والحراكيون كأطراف يستهدف المؤتمر حل قضيتهما، أعلنا عن مقاطعتهما للانتخابات التوافقية وهي العملية السابقة للمؤتمر، فكيف سيتم التعامل مع هذين الطرفين اللذين أخطئا في التقديرات؟! خاصة مع طابع العنف والخداع الذي تحمله الحركة الحوثية، وغياب الرؤية الواضحة لدعاة القضية الجنوبية.

أما الدستور فسيكون محور آخر للجدل ومثار اسئلة عديدة، فما هو الشكل العام للدستور؟! ومن سيتولى تحديد مواده؟ وكيف سيتم التوافق في صياغته بين مختلف الأطراف القادمة من مدارس سياسية متضادة في النظرية السياسية والتصور الفكري؟ وما الدور الذي ستلعبه القوى الإقليمية الفاعلة في المبادرة الخليجية في تحديد دستور اليمن القادم وملامحه العامة؟ وما طبيعة نظام الحكم الذي سيقره الدستور؟ أليس من المتوقع أن تسعى بعض الجهات او الأطراف إلى محاولة فرض تصورها على الآخرين؟ ثم هل ستسير هذه الإجراءات كلها في المؤتمر الوطني دون اندلاع ما يفسدها من المتغيرات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية؟!

وفي كل الأحوال ما سيناقشه المؤتمر الوطني، سيترتب عليه نجاح بقية الإجراءات، وإذا ما سارت الأمور كما هو مرسوم لها، سيعتمد البرلمان بعد ثلاثة أشهر من اعتماد الدستور الجديد قانوناً لإجراء انتخابات وطنية برلمانية، وكذلك انتخابات رئاسية إذا كان الدستور ينص على ذلك، وسيعاد تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء وإعادة بناء السجل الانتخابي وفقاً لما يتطلبه هذا القانون، وسيخضع هذا القانون لاستعراض لاحق من قبل البرلمان المنتخب حديثاً، كما تنص الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.

إعادة هيكلة الجيش تبدو الآن هي المطلب المتصدر للمطالب الأخرى، بحكم تعقيداتها، وصعوبة فك تلك التعقيدات، وانقسام اليمن إلى معسكرين كل منهم يتبع احد الفصيليين العسكريين، فما الذي سيحسم مسألة هيكلة الجيش هل توافق الداخل؟ ام املاءات الخارج؟ ولصالح من ستكون الهيكلة الجديدة؟.

وهناك أمر آخر تضمنته المبادرة ويتعلق بتسوية النزاعات، فقد نصت المبادرة أنه في غضون 15 يوما من دخول مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآلية تنفيذها حيز التنفيذ، ينشئ نائب الرئيس ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني المكلف لجنة التفسير لتكون مرجعية للطرفين لحل أي خلاف في تفسير المبادرة الخليجية والآلية، وهذه اللجنة لم تنشأ بعد، والسؤال المطروح هنا لماذا لم تنشأ اللجنة؟ وممن ستتشكل؟ وهل ستكون قادرة على حسم النزاعات؟ ام ان المبادرة تسير بشكل صحيح ولا تحتاج للجنة التفسير.

مخاض سنوات الانتقال

الإقبال الشعبي والجماهيري على انتخاب هادي بهذا الحماس، يعكس تطلع الشعب نحو دولة مدنية جديدة، ويعكس أيضا مدى ضيقهم من سنوات حكم صالح، وهذا في مجمله يضاعف المسؤولية على كاهل هادي الذي علق عليه اليمنيون آمالهم وطموحاتهم، متفائلين بدور وطني مشرف سيقوم به ، استنادا إلى تأريخه النزيه الخالي من التمرغ في الفساد أو التورط في الدماء، فأي وجهة سيختار؟ هل سيرتدي ثياب الوطنية ويأخذها بحقها؟ أم ستتجاذبه الأمواج لتأخذه إلى وجهة أخرى؟!

من الواضح أن المبادرة تحتاج إلى مراقبة أكثر من قبل رعاتها في المرحلة الانتقالية الثانية، كون هذه المرحلة ستكون حساسة في محاور الاتفاق التي ستناقشها، وبالتالي لن تخلو من تأزم في العلاقة بين الأطراف السياسية المعنية، إلا إذا ظلت عملية التوافق والانسجام قائمة مثلما هي عليه الآن في اختيار وترشيح هادي، لأن النقاشات التي ستتداولها تلك القوى كقضية الدستور الجديد وبناء الدولة المدنية وقضيتي صعدة والجنوب تحتاج إما إلى توافق سياسي حولها أو إلى امتلاك أحد الأطراف لأدوات الضغط اللازمة التي ترجح كفته في الميدان كالحضور الشعبي وحشد الأنصار في اتجاه المطالبة أو الرفض لقرار ما، أو من خلال هيمنة بعض الأطراف على المشهد مستخدما القوة وأسلوب الفوضى وتشجيع الجماعات المسلحة على إعاقة وخرق أي خطوات لا تصب في مصلحته.

بالنسبة للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في هذا الجانب فهي تنص على أن يكون اتخاذ القرارات في مجلس النواب خلال المرحلتين الأولى والثانية بالتوافق وفي حال تعذر التوصل إلى توافق حول أي موضوع، يقوم رئيس مجلس النواب برفع الأمر إلى نائب الرئيس في المرحلة الأولى وإلى الرئيس في المرحلة الثانية الذي يفصل في الأمر، ويكون ما يقرره ملزماً للطرفين. وبالنسبة لحكومة الوفاق الوطني تقول الآلية: تتخذ حكومة الوفاق الوطني قراراتها بتوافق الآراء.. وإذا لم يكن التوافق الكامل موجوداً بشأن أي قضية يتشاور رئيس الوزراء ونائب الرئيس أو الرئيس عقب الانتخابات الرئاسية المبكرة للتوصل إلى توافق، وفي حال تعذر التوافق بينهما يتخذ نائب الرئيس أو الرئيس عقب الانتخابات الرئاسية المبكرة القرار النهائي.

الساحات والميادين الثورية

بقاء الساحات والميادين الثورية سيصبح مطلبا ضرورياً باعتبارها أداة ضغط فاعلة في قطع أي التفاف على مسار الثورة وبناء الدولة المدنية الحديثة، وبدونها ستكون الفترة الانتقالية أشبه بجلسات الحوار السابقة التي كانت تتم بين المعارضة والمؤتمر، وإذا استمرت الساحات في مكانها فستكون الجهة الرقابية الوحيدة التي تتمتع بالثقل السياسي والشعبي على مختلف الأطراف، وستساهم في مد أحزاب المعارضة (المجلس الوطني) بالدعم الجماهيري وتحريك الشارع لتأييد مواقف المعارضة، كأداة ضغط حية في مقابل أعمال البلطجة والفوضى التي قد يسلكها بعض بقايا النظام في المؤتمر الشعبي العام لتعزيز مكانته السياسية، وهذا في حال جنحت الساحات نحو العمل السياسي الواضح الى المعارضة لتشكيل قوة ضغط مؤثرة نحو انجاح الثورة.

واذا ظلت الساحات متحفظة على العمل السياسي المنحاز بوضوح لأي طرف مثلما كانت خلال الفترة الماضية ، فسيؤهلها هذا لكي تكون عامل توازن، وجرس إنذار لتذكير مختلف الأطراف بالثورة الشعبية التي اندلعت للمطالبة بدولة جديدة بدلاً عن حكم العائلة الفردي الفاسد، وبإمكان ساحات الحرية وميادين التغيير أن تصبح هي المرجعية لأي محاولة التفاف عليها إذا التزمت الحياد السياسي بعيدا عن ميول تجاه طرف سياسي معين، حتى تحقق جميع أهداف الثورة الشعبية.

ميدان الحراك التوافقي

ويبدو واضحا أن ميدان الحراك التوافقي سيكون داخل مجلس النواب وفي مقار الأحزاب ومع الشعب، فالمحاور التي ستناقشها الفترة الانتقالية الثانية سيجري مناقشتها بين الأحزاب اولا، وتاليا تحت قبة البرلمان، ثم طرحها للاستفتاء، وهذا بدوره يجعل الأحزاب السياسية هي محور العملية الانتقالية ولاعبها الأساسي، ما يجعل كل طرف يسعى إلى امتلاك أدوات القوة التي تمكنه من حسم الخيارات لصالحه فما هي أدوات الضغط التي يمتلكها كل طرف؟ وهل بإمكان المؤتمر أن يتنازل عن كثير مما بيده من الدولة والقرار الفوقي لصالح المعارضة؟ وعلى ماذا سيحصل مقابل ذلك؟.

إذا تم التوافق فهذا أمر جيد، وإذا لم يتم فإن قرار رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي المنتخب توافقياً هو الملزم لكل الأطراف، وهنا تبدو المخاوف الحقيقية، إلى أي طرف سينحاز هادي؟ هل سيغلب مصلحة حزبه والقرارات التي يمليها عليه؟ خاصة وهو مسئول رفيع المستوى داخله، وهل سيمتلك الشجاعة لاتخاذ قرارات قد تؤثر سلبا على حاضر ومستقبل المؤتمر الشعبي العام؟ أم أنه سينحاز لصالح الشباب والشعب الذي خرج هاتفا وداعما له، فيلتزم النهج الوطني الذي يلبي طموحات الشعب ويستعيد دولته الحديثة، وما الذي يملكه من نفوذ يمكنه من تطبيق قراراته وحسمها، وهل يدرك أن مستقبل الدولة اليمنية ووحدتها وشعبها بيده؟ وأنه إذا اختار النهج الوطني فسيصنع لليمن واليمنيين ما لم يصنعه رئيس من قبل؟.

الأمن مصدر تحدي

كل هذه التساؤلات تكشف أن الجانب الأمني سيكون هو مصدر التحدي في المرحلة القادمة، سواء لاستعادة هيبة الدولة، أو لكبح جوامح الفوضى، فخلال المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية بدا الأمن منفلتاً بترهل واسع، لدرجة عدم قدرة وزارة الداخلية في حكومة الوفاق على التصدي لأبسط مظاهر الانفلات، وكانت الحجة المطروحة أن الوضع التوافقي يقتضي ضبط النفس امام أي انفلات حتى لا يتسبب في تفجير الأوضاع وعرقلة الانتخابات الرئاسية، فما الذي سيتغير بعد الانتخابات؟ هل تستطيع حكومة الوفاق الوطني ورئيس الجمهورية التصدي بحزم لمظاهر الانفلات الأمني وتطبيق القانون بصرامة؟ خاصة وأن سنتي الانتقال لن تخلوان من انتهاكات لحقوق الإنسان وتهديد الشخصيات الفاعلة خصوصاً من المعارضة، إن لم يصل الأمر إلى الاغتيال والمؤامرة مثلما حدث في السبعينات.

إن المسؤولية تبدو جسيمة على مختلف الأطراف لتستحضر الوطن كله في المرحلة القادمة، وتواجه تحديات المرحلة بتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، فاليمن مسؤولية أبنائه وحدهم، ولا يمكن أن تنجح المبادرة – أي مبادرة- ما لم يبادر أبناء هذا الوطن إلى إصلاح وضعهم وتوحيد صفهم كي يبقى اليمن سعيدا آمنا موحدا، والتأريخ لن يرحم، وأجيال المستقبل ستلعن كل خؤون.