بينهم صحفي.. أسماء 11 يمنيًا أعلن تنظيم القاعدة الإرهـ.ابي إعدامهم مكافئة للاعبي المنتخب اليمني وهذا ما قاله المدرب بعد الفوز على البحرين تعديل في موعد مباراة نهائي كأس الخليج في الكويت إضراب شامل في تعز احتجاجًا على تأخر صرف المرتبات ارتفاع ضحايا حادث تحطم الطائرة المنكوبة في كوريا إلى 127 قتيلا دولة عربية تسجل أكبر اكتشاف للغاز في عام 2024 الكويت تعلن سحب الجنسية من 2087 امرأة إنستغرام تختبر خاصية مهمة طال انتظارها حملة تجسس صينية ضخمة.. اختراق شركة اتصالات أمريكية تاسعة اشتعال الموجهات من جديد في جبهة حجر بالضالع ومصرع قيادي بارز للمليشيات
المختصر / قرار الحكومة الفرنسية منع بث قناة "الأقصى" الفضائية عبر القمر الصناعي "يوتلسات"، يعكس مدى هيمنة "إسرائيل" وأنصارها على الحكومات الغربية، وفرنسا على وجه الخصوص، مثل يعكس أحد أسباب هذه الكراهية المتنامية في العالمين العربي والإسلامي تجاه هذه الحكومات، وكذب كل ادعاءاتها حول حريات التعبير والإنسان وسيادة القانون التي تتباهى بها ليل نهار. فالقرار غير قانوني، وغير أخلاقي، وينتصر لظلم القوي في مواجهة الضعيف المضطهد.
هذه ليست المرة الأولى التي ترضخ فيها الحكومة الفرنسية للإملاءات والضغوط الإسرائيلية، فقد مارست القمع الفكري نفسه قبل عدة أعوام عندما حجبت بث قناة "المنار" التابعة لحزب الله اللبناني. مثلما خانت قيم الحرية والعدالة عندما منعت نشر وتوزيع صحف عراقية، أو أخرى عربية عارضت تدمير العراق عقاباً لغزوة الكويت عام 1990، وهو ما لم تفعله جميع الحكومات الأوروبية الأخرى بما فيها بريطانيا التي كانت أكثر حماسة لتحرير الكويت، والأكثر مساهمة في قوات درع الصحراء بعد أمريكا.
الذرائع التي استخدمتها الحكومة الفرنسية لتبرير قرارها هذا غير مقنعة، لأنها تتناقض كليا مع قيم الديمقراطية وما يتفرع عنها من سلسلة طويلة من الحريات، وكان الأحرى بالحكومة الفرنسية أن تتحلى بالصبر، وأن تلجأ للحوار المعمق، وأن تتفهم وجهة نظر الطرف الآخر وظروفه، ولكنها لم تفعل للأسف الشديد.
قناة "الأقصى" الفضائية ليست الـ"بي.بي.سي" أو الـ"السي.ان.ان" قطعاً، ولكنها ليست أسوأ من "فوكس نيوز"، وهي قبل كل هذا وذاك تنطق باسم حكومة منتخبة في انتخابات يعترف الجميع بنزاهتها وحريتها وتمثل حركة مقاومة تقاتل بالطرق والوسائل كلها من أجل استعادة حقوقها المشروعة. وفرنسا تستضيف على أرضها مكاتب لحركات تقاتل ضد الشرعية في دارفور مثلما استضافت قبل ذلك حركات المقاومة الإيرانية، بل والإمام آية الله الخميني نفسه.
نسأل وبكل براءة، الم تكن لحركة المقاومة الفرنسية في زمن الاحتلال النازي محطات إذاعة تحرض ضد الاحتلال وتدعو إلى المقاومة وإسقاط حكومة "فيشي" العميلة؟
الذين اتخذوا قرار المنع المجحف هذا قالوا إن القناة بثت مسلسلا كارتونياً يقدم شخصية لطفل "ميكي ماوس" يطالب بالمقاومة ويحرض عليها ضد الاحتلال، فما العيب في ذلك، هل تريد فرنسا من محطة تلفزيونية تصدر من قطاع غزة المحاصر المجوع على مدى السنوات الأربع الماضية ومحروم من دخول أو استيراد أربعة آلاف سلعة من بينها "الكزبرة" وأبسط أنواع الأدوية، تريدها أن تقدم مسلسلات تطالب بمقاومة محاصري القطاع، ومحتلي أرضه، ومصادري حقوقه الإنسانية في العيش الكريم، بالزهور والرياحين؟
كنا نتوقع من الحكومة الفرنسية أن تصدر قراراً بمنع المحطات الإسرائيلية التي تمثل حكومة ارتكبت جرائم حرب في قطاع غزة أثناء عدوانها الأخير، وخرقت كل القوانين والشرائع الدولية عندما اعترضت سفينة إغاثة تقل على ظهرها نشطاء مسالمين عزل، وكراسي متحركة لعجزة قطاع غزة الذين بترت صواريخ "إسرائيل"، وقنابلها الفوسفورية أطرافهم، وبعض مواد البناء لترميم وإعادة بناء خمسة وستين ألف منزل دمرها العدوان الأخير.
***
الحكومة الفرنسية التي اتخذت قرار المنع هذا نسيت، أو تناست استخدام وحدة "الموساد" الإسرائيلي التي اغتالت الشهيد محمود المبحوح أحد قادة حماس في إمارة دبي مستخدمة جوازات سفر فرنسية، منتهكة بذلك أهم أسس السيادة الفرنسية، ومعرضة المواطنين الفرنسيين وأرواحهم للخطر.
فمن أحق بالعقاب والمنع، والطرد، دولة انتهكت القانون الفرنسي جنباً إلى جنب مع انتهاكها للقوانين والمعاهدات الدولية، وطعنت دولة صديقة، مثل فرنسا في الظهر عندما خانت الأمانة وتنكرت للصداقة، أم محطة تلفزيونية تعبر عن طموحات شعب يتطلع إلى الحرية والاستقلال ويعيش تحت الحصار؟ هذا السؤال نوجهه إلى الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي عانت أسرته من النازية ومجازرها.
المطلوب من ضحايا الحصار الإسرائيلي في غزة، وفق المفهوم الغربي والفرنسي أن يتلقوا الصواريخ التي تمزق أجساد أطفالهم الجوعى وتحولهم إلى أشلاء بالزغاريد والرقص فوق ركام منازلهم المهدمة.
وممنوع عليهم الصراخ من الظلم والألم. فهل هذه قيم العدالة والديمقراطية التي يتبناها الغرب بها؟
قنوات مثل "الأقصى" و"المنار" هي من القنوات القليلة التي بقيت لهؤلاء للصراخ من الألم، وهي تعتبر "معتدلة جداً" بل والله في قمة التهذيب بالمقارنة مع محطات إذاعة المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، وبرامج هذه الإذاعات موجودة في أرشيف الحكومتين الفرنسية والبريطانية. وهناك العديد من الدراسات الموثقة التي تثبت ما نقول.
***
أوروبا عاشت حالة من الشلل الكامل لمدة أسبوع بسبب رماد بركان إيسلندا الذي أغلق معظم المطارات، وشاهدنا التلفزيونات الأوروبية تعرض مآسي "تقّطع القلب" عن المسافرين الذين تقطعت بهم السبل، ويعيشون في فنادق خمسة نجوم بعيداً عن أهلهم وأوطانهم. ومع ذلك لم نشاهد هذه التلفزيونات وحكوماتها تذرف دمعة واحدة تضامنا مع مليوني إنسان في قطاع غزة لا يجدون الدواء لمرضاهم، والحليب لأطفالهم، ناهيك عن السفر إلى الخارج الممنوع أساساً بسبب الأسوار الفولاذية على المعابر.
نفهم، ولكن لا يمكن أن نتفهم، مثل هذه الخطوة الفرنسية لو أن محطة "الأقصى" تنطق بالفرنسية، وهدفها التأثير على الرأي العام الفرنسي و"تسميم" مداركه بحيث تقل مساندته ل"إسرائيل" أو تتراجع، ولكن هذه المحطة تبث باللغة العربية، وتخاطب أناساً مقتنعين تماماً، ولا يحتاجون لأي تحريض في مواجهة المجازر الإسرائيلية، فأي غباء هذا الذي تقدم عليه الحكومة الفرنسية بمنعها من البث؟
ومن المفارقة أن قرار المنع تحت ذريعة نشر أفكار التطرف (سبحان الله المقاومة باتت تطرفاً) جاء في وقت تعيش فيه عملية السلام سكرات الموت الأخيرة بسبب رفض "إسرائيل" تطبيق قرارات اللجنة الرباعية الدولية وتحدي حلفائها في الغرب ببناء المستوطنات، وتهويد المقدسات وهدم بيوت أهل القدس المحتلة، وبناء الأسوار العنصرية.
فرنسا تخسر الكثير من مصداقيتها في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتسحب الكثير من رصيدها الذي راكمه رجال مثل شارل ديغول وميتران، وجاك شيراك، لأنها بمثل هذا الانحياز الفاضح للبلطجة الإسرائيلية لا تشوه صورتها فقط وإنما أيضاً تشجع جماعات التطرف وتوفر لها الذخيرة الملائمة لتجنيد الكثير من الشباب الرافض لهذه الازدواجية الفاضحة في تطبيق المعايير القانونية والسياسية.
نأمل أن تتمعن الحكومة الفرنسية جيداً بما قاله مائير داغان رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي مؤخراً بأن إسرائيل باتت عبئاً أخلاقياً وامنياً على كاهل الغرب، أو ما ذكره الجنرال ماكريستال قائد القوات الأمريكية في أفغانستان من أن سياسة "إسرائيل" تهدد أرواح الجنود الأمريكيين في أفغانستان والعراق، ولكنها فيما يبدو لا تريد التمعن، والاستمرار في هذه السياسات الخاطئة التي تتعامى عن هذه الحقائق وغيرها.
إنه قرار جائر قصير النظر ومؤسف في الوقت نفسه، ويصب في خانة الإرهاب الفكري وقمع الحريات، والرضوخ بشكل مهين للبلطجة الإسرائيلية وبما يؤدي إلى تغولها أكثر فأكثر.
المصدر: صحيفة القدس العربي اللندنية