دعاة التغيير وموسى وهارون
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و يومين
الأحد 26 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:11 م

ما أشبه الليلية بالبارحة .. لله سنن ثابتة في الكون لا تتغير ولا تتبدل إلا وفق مشيئته سبحانه .. ومنها سنة التدافع بين الحق والباطل .. الصراع بين الخير والشر .. وعلى مر العصور وتقلب الزمان نلمح تشابها وتماثلا لأطراف الصراع والمواجهات ولكل طرف شبيهه وقدوته التي بتمثلها ويسير على خطاها ونهجها .. وفي قصة موسى عليه السلام وفرعون وقومهما في كتاب الله الكريم يتضح هذا التشابه لأمثالهم في عصرنا الحاضر : 1 ـ الطغاة وفرعون 2 ـ الشعوب وبني إسرائيل 3 ـ الدعاة وموسى وهارون .. سلبا وإيجابا .. نفيرا وتثاقلا .. استجابة وعنادا .. وفي ثلاث حلقات وبمقتطفات سريعة سنرى التشابه في المواقف والشخصيات وكأنها تحدث اليوم ـ

3 ـ دعاة التغيير وموسى وهارون ( عليهما السلام )

موسى وهارون أخوان نبيان تعاونا على أداء المهمة الربانية الكريمة .. تبيان الحق والنصح لفرعون وإنقاذ قومهما لقيا عنتا وشدة وواجها خوفا وقسوة فمن رهبة مواجهته إلى محاورته ومنافسته في ميدانه وكشف زيف أوراقه السحرية مرورا بالتهديد وتعذيب المخالفين حتى الفرار وهلاك الطاغية .. ثم لا قيا من قومهما انحرافا في السمع والطاعة وانجرافا وراء الموروث وحجة عدم الاستطاعة ..وهي سنة يسير عليها كل طالب للتغيير من الحركات والهيئات المناضلة والمجاهدة التي تقود الأمة إلى النصر أو الشهادة .. ويتشابهون مع موسى وأخيه في :

1 ـ فرارهم من الظلمة إلى حيث الأمان ونشر الدعوة

بعد إن قتل موسى رجلا من آل فرعون نصرةً لرجل من شيعته فر خوفا من انتقامهم حتى وصل إلى مدين وهناك وجد الأمان وتكوين الآسرة وكان هذا الفرار بداية الطريق نحو مجد الرسالة قال تعالى : (( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل )) القصص 20/21/22

ـ وهذه السنة ثابتة اليوم فلطالما فر كثير من الناس إلى دول مجاورة طلبا لحياة كريمة أو بحثا عن لقمة عيش عفيفة ونرى في الدعوة كثيرا من جماعة الإخوان يعيشون خارج أوطانهم خوفا من بطش الحكام بهم .. وقد بدأ هذا الفرار في خمسينيات القرن الماضي حينما بطش الحكم في مصر بهذه الكوكبة المباركة .. ورب ضارة نافعة فقد كان لذلك الفرار الأثر الطيب في نشر الدعوة في المعمورة وكانوا كالبذرة الطيبة التي انغرست في الأرض الخصبة فتم ميلاد أشجار باسقة وبالثمار يانعة .. وهكذا كانت انطلاقة النواة الأولى لعمل دعوي عالمي منظم يهدي إلى سواء السبيل

2 ـ في وجود علاقة تربطهم البارحة بأعداء اليوم

موسى واجه فرعون كداعية يرشده للهدى فأبى ثم طالبه بإرسال بني إسرائيل معه وألا يعذبهم فرفض واستكبر

فتباعدا وصارا عدوين ولكن قديما كانت تجمعهما علاقة ودية لقد تربى موسى في قصر فرعون واكل من طعامه وتدرب على سلاحه واستخدم هذه الصلة في شئون حياته قال تعالى : (( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرآت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون )) القصص 8/9 . وغداً أصبح الذي كان قرت عين عندهم عدوا لا يكاد يبين وهو مهين

ـ واليوم نجد عددا من جماعات وهيئات إسلامية كانت لها في مرحلة زمنية سابقة علاقة مع أمريكا أو قصور الملوك والرؤساء واليوم هي تنابز العدو بالحجة والدعوة أو بالخصام والقوة .. وقد يتساءل أحدهم بأنها بالأمس كانت ربيبة هذا العدو وعلى علاقة وثيقة به فهو من قام بتدريبها ومدها بالسلاح والعتاد فكيف صار اليوم عدوا ؟! وربما قالوا لحركات الإصلاح إنها كانت بالأمس داعمة للحاكم فكيف انقلبت اليوم ضده ؟! وهذا دليل صحة وسمو فان العلاقات السابقة كانت مبنية على أهداف مشروعة ولا يعني هذا أن يظل الرجال عبيدا له ومأجورين بملكه وسلطانه , فيوم أن أخطا وأصر على غيه كان الموقف هو موقف موسى عليه السلام : (( أرسل معي بني إسرائيل ولا تعذبهم )) . نطالبه أن أطلق للشعب حريته ولا تسلط عليهم الفاسدين الظالمين .. ففي اليمن من أعطاكم حق تهجير الجعاشنة من بيوتهم .. ومن منحكم حق استعباد الناس في ربوع الحديدة .. ومن جعلكم أوصياء على فئة من الشعب تقاسمونهم أراضيهم أو تأخذونها غصبا بحجة أنها أملاك للدولة .. وفي مصر لماذا توجهون السلاح للشعب الأعزل وتولون العدو ظهوركم .. وفي غيرهما كثير من الظلم والقهر فرؤوس الفساد بلا عقاب وفي السجون يقبع الأخوة الأحباب .. فالعلاقة مع الحاكم وغيره رابطها شرعي حكيم .. وقد كان للرسول علاقات مع كفار مكة وكان دليله في هجرته كافرا .. وهاجر المسلمون إلى الحبشة ليحتموا بملكها النصراني .. و لم يعن هذا أن لا يحارب الرسول المشركين أو النصارى مستقبلا .. ولكن مع ضرورة التدرج في وسائل الدعوة والتغيير .

3 ـ أنهم يكملون بعضهم ويشد بعضهم بعضا

نزلت الرسالة على موسى وعلم ثقلها ومعاناتها فطلب من الله عونا وتعزيزا يكمل به ما يعانيه من عيب خلقي في لسانه فالدعوة تحتاج كلاما سلسا بليغا لتصل للسامع بقوة ووضوح فطلب هارون أخاه وزيرا له يشاركه الرسالة ومعاناتها ويشتركان في الأجر والثواب قال تعالى : (( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا قال قد أوتيت سؤلك يا موسى )) طه29-36ـ انظروا إلى موسى ( عليه السلام ) لم يكن أنانيا ولا جحودا علم عدم توفر خاصية مهمة فيه كداعية وهي وسيلة تحتاجها الدعوة لكي تقوى وتنتشر فطلب من الله إكمال هذا النقص بتعزيزه بأخيه هارون الفصيح البليغ ..

وهذا هو ما يجب أن يكون عليه الوضع اليوم بين أفراد الجماعة الواحدة أو بين الجماعات المتعددة .. هذا لتكامل والإيثار والاعتراف بالنقص والإقرار بالخلل لدى كافة الجهات العاملة للدين فهلا أكمل بعضهم بعضا بدلا من التباعد والتلاحي وتسقط العثرات .. وماذا قدمتم للدين بهذا التشكيك والتجريح الذي ما استفاد منه إلا عدو صريح أو منافق يبطن شرا أو حقود يظهر مودة .. ويعلم الجميع أن الخطاء وارد وملازم في العاملين والوسائل وانه لا توجد جماعة معصومة ولكن هناك من هو اقرب للصواب ومن هو ابعد عنه قليلا أو كثيرا .. وأن كل جهة تحتاج ما عند الأخر من الفهم والوسائل المناسبة لتحديات العصر .. فلا أدري متى سيطلب أحدهم من البقية شد الأزر والاشتراك في الأمر .

4 ـ في الغضب على بعضهم لمصلحة الدعوة فقط

استغل السامري ذهاب موسى للقاء ربه فلبس على بني إسرائيل أمرهم وحاول هارون تعديل اعوجاج مسارهم فأبوا عليه .. وحينما عاد موسى ولمس حجم المنزلق الذي وقع فيه القوم رد بالملامة على هارون لسانا وبجر رأسه ولحيته إليه يدا .. وأخذ هارون يبين أنه اجتهد في المسألة والتبيان ولم يمنعهم قسرا خشية أن يفرق القوم عنه وأنه فضل انتظار عودته ليقول فيهم كقائد لهم كلمته ورأيه . وبعدها تغلبت الأخوة بينهما كداعيتين فيأتي الدعاء والسلام بعد الخصام , قال تعالى : (( ولما رجع موسى إلى قومه غضبن أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح واخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت ارحم الراحمين ))

ـ هذا الحدث يجعلنا نتريث قليلا أمام أي خصام أو نقاش وغيرهما من اختلاف في وجهات النظر أو المنطلقات والقرارات .. فمهما اختلفنا وارتفعت أصواتنا في نقاشنا أو تطور إلى حدة وغضب ليصل إلى التلويح بتدافع جسدي فليكن دائما ختامه الدعاء بالرحمة والمغفرة ما دام هذا الغضب إنما هو من أجل الدعوة وضبط سير العمل ولنتعامل بسعة صدر وتسامح مع عدم الانتصار للنفس إذا ما خاطبني قائدي يوما بحدة على أمر قصرت فيه وعلى القيادة عدم الانجراف في حدة التوبيخ أو سوء التقييم للعاملين على أمور برغم خطأها لهم فيها حسن الاجتهاد وحكمة التصرف

كما أن هذا الغضب أو الضيق أو الخلاف أو غيرها من الحجج يجب أن لا تكون دافعا لي لترك العمل الدعوي الحركي والانسلاخ من الجماعة .. لسبب بسيط أنني أعمل من أجل رضا الله وهذه الجماعة ليست ملكا لفلان من الناس ولم يدخلني إليها حبه ووساطته ولن يخرجني منها غضبه و اختلافي معه .. فإياك حتى في مجرد التفكير في ذلك .

5 ـ في تنوع وسائل المواجهة مع وجود الخوف الفطري

أمر الله موسى وهارون ( عليهما السلام ) بالذهاب إلى فرعون وإبلاغه الرسالة والتدرج فيها باللين والحكمة فجال بهما الخوف الفطري الطبيعي وهم يتخيلون بطش فرعون وطغيانه بهما فطمأنهما الله انه معهما يسمع ويرى .. وتدرجت الوسائل فمن البلاغ إلى النقاش الذي يبزغ بالحق من جهة موسى ويتصف بالمراوغة من جهة فرعون لكسب الوقت وتمييع القضية ثم انتقل إلى مواجهة أقوى سلاح موجود لدى العدو وتخلله أيضا الخوف الفطري حينما لاح للعين البشرية أن الحبال والعصي حيات تسعى وصولا لنهاية المطاف الفرار من فرعون وعمله وهلاك الطاغية

ـ طلاب التغيير اليوم يمرون بهذا التدرج ويستخدمون هذه الوسائل في دعوتهم ويخالطهم فيها ذلك الخوف الفطري من شدة طغيان الحكام واستخدام أقوى أسلحتهم علينا وهي تتنوع اليوم بين سحر المال وزيف الإعلام وبطش أجهزة الأمن وإعطاء نفسه الشرعية في تقرير مصيرهم بفوزه في انتخابات غير عادلة ولا نزيهة .. وفي كل مواجهة على الدعاة استشعار أن هذه الخوف لا يعيب في حقهم وإنما هو علامة صحة لطلب العون والثبات من الله فيقول لا تخافوا إنكم انتم الأعلون .. ولكن على قيادات العمل مجارات الطغاة في قوة وسائلهم .. تنظيما وترتيبا .. تأهيلا وتدريبا .. وسائل إعلام وعلم متطورة .. قوة إعداد وعتاد ليوم سيُجمع له الناس ضحى وقد خاب من نكص يومها وتولى .