دبلوماسية غوتيريش في تعامله مع الشرعية اليمنية
بقلم/ د. محمد علي السقاف
نشر منذ: 5 سنوات و 3 أشهر و 26 يوماً
الثلاثاء 09 يوليو-تموز 2019 10:45 ص
 

لم يحدث في الأزمات اليمنية السابقة أن يقوم رئيس الدولة اليمنية بالدخول على الخط مباشرة بنقد أداء المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن علناً، كما حدث مؤخراً في الرسائل المتبادلة بين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

في العادة مثل هذه الأمور يكلف بالقيام بها مستويات أخرى من مسؤولي الدولة، كوزير الخارجية للبلد المعني أو رئيس الحكومة، ما يطرح التساؤل: لماذا حدث هذا الآن ولم يحدث في سابق الأزمات اليمنية؟ وكيف تعاطى معها الأمين العام للأمم المتحدة؟

قبل الإجابة عن هذه التساؤلات يجب توضيح بعض المعطيات حول الأزمة اليمنية والأمم المتحدة:

منذ قيام الجمهورية اليمنية تعاطى 3 أمناء عامين للأمم المتحدة مع الأزمات اليمنية؛ الدكتور بطرس بطرس غالي في 1994، تلاه بان كي مون، وحالياً غوتيريش، ومعهم 4 ممثلين للأمين العام للأمم المتحدة؛ هما الأخضر الإبراهيمي في 1994، وفي أزمة الصراع على السلطة في صنعاء بين نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح والمعارضة اليمنية واندلاع الثورة الطلابية في 2011 تم إيفاد جمال بن عمر ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، استبدل به بعد ذلك أحمد ولد الشيخ الذي استقال من منصبه وعين بديلاً له من قبل غوتيريش البريطاني الجنسية مارتن غريفيث.

شاءت الصدف في أزمة حرب 1994 أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي أول أمين عام بعد نهاية الحرب الباردة وممثله الشخصي لليمن الأخضر الإبراهيمي، وكلاهما عربي؛ من مصر والجزائر! هل يعني ذلك أن تعاطيهما للملف اليمني مختلف عن بقية الأمناء العامين للأمم المتحدة، أم أن الحقيقة غير ذلك؟ من المؤكد أن جميع مسؤولي المنظمة الدولية مقيدون في سلطاتهم بما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، وهذا صحيح، ولكنه مع ذلك شخصية الأمين العام، والأطراف التي رشحته للمنصب الدولي والجهات التي صوتت من أجله لتبوؤ المنصب الرفيع تلعب دوراً لا يستهان به، وتكفي الإشارة هنا إلى كتاب بطرس غالي «خمس سنوات في بيت من زجاج» لمعرفة ما يدور في كواليس الأمم المتحدة والصعوبات التي واجهها بعدم انتخابه لدورة ثانية أميناً عاماً للأمم المتحدة.

بالعودة إلى كيفية تعامله مع أزمة حرب 1994، سنلاحظ لكونه في الخارجية المصرية يعلم أبعاد الأزمة اليمنية ومراحل قيام الوحدة اليمنية التي سبقت بعامين قبل توليه منصبه في المنظمة الدولية.

فالقراران 924 و931 لعام 1994 اللذان أصدرهما مجلس الأمن الدولي الذي انعقد بطلب من مصر ودول مجلس التعاون الخليجي دون قطر أغفلا التأكيد على الالتزام «الشديد بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية» التي نصت عليها جميع قرارات مجلس الأمن الدولي اللاحقة منذ عام 2011، ورفض القرار 931 - 1994 إدانة إعلان 21 مايو (أيار) 1994 لنائب الرئيس اليمني حينها علي سالم البيض كشرط وضعته صنعاء لقبول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 924.

فالأمين العام خلافاً للأجهزة الرئيسية الأخرى للأمم المتحدة مثل الجمعية العامة ومجلس الأمن التي تضم ممثلين للدول الأعضاء، هو شخصية مستقلة يعمل بوصفه متحدثاً باسم المجتمع الدولي وخادماً للدول الأعضاء، وهما مهمتان يبدو أنه لا مفر من وجود شيء من التعارض بينهما يستطيع الأمين العام بحنكته ودبلوماسيته تقليص فجوة التعارض في حالة وجودها بين مصالح الدول الأعضاء والمجتمع الدولي.

فالميثاق يخوّل له أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد السلام والأمن الدوليين، كما يطلب منه أن يقوم «بالوظائف الأخرى» التي يوكلها إليه مجلس الأمن والجمعية العامة وهيئات الأمم المتحدة الأخرى.

ففي إطار أزمة الحرب اليمنية لعام 1994 في ظل حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، تجاهل مجلس الأمن التأكيد على الوحدة اليمنية، ورفضه طلب صنعاء إدانة إعلان علي سالم البيض لم يؤدِ في تلك الفترة إلى شن هجوم على الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكذلك الأمر نفسه مع بداية الأزمة في عام 2011، حيث دعا قرار مجلس الأمن رقم 2014 لعام 2011 «الرئيس صالح إلى التوقيع فوراً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي وتنفيذها»، ولاحظوا هنا الصفة الآمرة «بالتوقيع فوراً» الموجهة لرئيس الدولة اليمنية.

وفي قرار آخر لمجلس الأمن برقم 2140 لعام 2014، اعتبر القرار «أن عملية الانتقال (لمرحلة سياسية جديدة) تتطلب طي صفحة رئاسة علي عبد الله صالح».

والسؤال المطروح الآن: لماذا ممثلو الشرعية اليمنية، خصوصاً على مستوى وزير الخارجية «المستقيل» خالد اليماني، لم ينفك عن مهاجمة غريفيث ممثل الأمين العام وانتقاده للأمين العام نفسه على أساس ما اعتبره تواطؤهما مع الانقلابيين الحوثيين على حساب الشرعية المعترف بها دولياً؟ وما الذي دعا الرئيس هادي بنفسه إلى التهديد المبطن بطلب «استبدال مبعوث آخر بغريفيث؟».

بقدر ما أوضحنا أن الأمين العام للأمم المتحدة شخصية مستقلة ليس كبقية الأجهزة الأخرى للأمم المتحدة، فإن الشرعية اليمنية من جانبها غير موحدة تتجاذبها قوى وأحزاب سياسية ومصالح متناقضة في كيفية التوصل إلى السلام وحل الأزمة بإنهاء الحرب الدامية.

نقطة الخلاف الأساسية بين الشرعية والأمم المتحدة تتعلق باتفاق استوكهولم، حيث قيل إن بعض الأطراف النافذة في الشرعية كانت ضد مبدأ القبول بالاتفاق، وهذا أمر مستغرب منه، لأنه لم يضرب أحد على أصابع ممثل الشرعية للقبول به، والذي كان بإمكان الشرعية رفضه كما تخلت الميليشيات عن تفاهمات مؤتمر الكويت.

صحيح أن الجداول الزمنية لتنفيذ خطوات الاتفاق لم يتم احترامها وحدث إفراط في تفاؤل غريفيث في إحاطاته أمام مجلس الأمن، لكن هذا ليس مبرراً للترويج على فشل اتفاق استوكهولم الذي وافق عليه الطرفان في العاصمة السويدية.

وليس صحيحاً ما تناولته بعض الأوساط الإعلامية أن ممثلي الأمم المتحدة لليمن لا يعلنون فشلهم في مهامهم بسبب المزايا التي يحصلون عليها من الأمم المتحدة وإلا دخلوا في عالم البطالة، كما يتداول في وسائل التواصل الاجتماعي.

يجب التذكير هنا بالأزمة السورية، وأن أول وسيط لحلها كمبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية هو كوفي أنان الأمين العام السابق الذي قدم استقالته بعد أقل من 5 أشهر من تكليفه بعد إفشال خطته للسلام بسبب انقسام المجتمع الدولي وإفراط الأعضاء الدائمين باستخدام حق الفيتو، وواجه الأخضر الإبراهيمي المصير نفسه وقدم استقالته.

فعلى مستوى الأزمة اليمنية، من حسن الطالع وجود توافق بين أعضاء مجلس الأمن في سبل حل الأزمة؛ بدءاً من تأييدهم اتفاق استوكهولم وتأكيدهم مع الأمين العام للأمم المتحدة الثقة بالمبعوث الأممي غريفيث، ما يعني رفضهم اتهامات الرئيس بعدم حيادية الممثل الأممي.

ولتهدئة خاطر الشرعية، بعث غوتيريش وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية روزماري ديكارلو لمقابلة الرئيس هادي في الرياض، حيث ناقشا عمل غريفيث والطريق لتنفيذ اتفاق استوكهولم والعودة إلى الحوار للتوصل إلى حل سياسي على أساس مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها ونتائج مؤتمر الحوار الوطني وجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبهذه الخطوة نجحت دبلوماسية غريفيث في طي الأزمة بينهما مؤقتاً على الأقل.