بين معجزة بنعمر وكارثة الحوثي
بقلم/ مصطفى أحمد النعمان
نشر منذ: 9 سنوات و 8 أشهر و 21 يوماً
الأحد 15 فبراير-شباط 2015 02:14 ص

كان المنظر مثيرا للشفقة والكل يرى القوى الرئيسية الخمس (المؤتمر الشعبي - الإصلاح - الناصري - الاشتراكي - الحوثيين) ومعهم ممثلو أحزاب لا وزن حقيقيا لها، جالسين حول طاولة يتصدرها جمال بنعمر بغرور بلغ حد توبيخ أحد ممثلي حزب «الإصلاح»، لأنه تجرأ بالطلب من الحوثيين أمام الكاميرات سحب إعلانهم الذي يصرون على المغالطة بأنه تعبير عن إرادة شعبية، وكان مهينا أن تقبل الحزبي العتيد لتقريع بنعمر وبدا كطالب في المرحلة الابتدائية أمام معلمه.. هذا المنظر كان تعبيرا فاضحا لحالة الهزال والموت السريري لهذه الأحزاب، ولولا الموقف الشجاع الذي اتخذه أمين عام التنظيم الناصري لأصاب اليمنيين اليأس المطبق من سياسييهم كافة، وكان مؤسفا أن هرولة الأحزاب لتلبية دعوة بنعمر، وهو الذي امتنع في تقريره الأخير المقدم إلى مجلس الأمن عن وصف ما فعله الحوثيون بالانقلاب ولما يزد عن إبلاغ العالم بما ليس مجهولا بأنه (إجراء من طرف واحد) و(عبر عن الأسف الشديد للتحرك أحادي الجانب)، ورغم أن حزبا أو اثنين ساندا الفضيحة التي ارتكبتها الجماعة من دون أن تستوعب ما يترتب عليها من رفض داخلي عبرت عنه الجماهير بالنزول إلى شوارع المدن الرئيسية لتعلن عدم استسلامها، ورد فعل خارجي تمثل بإغلاق أغلب السفارات وهو ما لم يحدث خلال الحرب الأهلية (62 – 70) فحينها بقيت السفارات في تعز، وأنا على يقين بأن هذه الجماعة لا تعي عواقب وتأثيرات أفعالها على المصالح الوطنية في الداخل والخارج، أو أنها تتعمد عزل اليمن عن محيطه الإقليمي والخارجي لتزيد الشكوك والاتهامات حول غاياتها وأهدافها.
كنت أصر على استخدام عبارة (أنصار الله) على جماعة (الحوثيين) متوهما أنهم قبلوا الانخراط في العمل السياسي على قدم المساواة مع الأحزاب التي تعمل على الساحة، ولكن من الواضح أنهم مولعون ومغرورون باستخدام السلاح لفرض رغباتهم وقسر الجميع على قبول شروطهم، وواصلوا حصاد ما يرضيهم من المواقع التي يرونها حقا تاريخيا مغتصبا يجب استعادته للسيطرة على مفاصل الدولة الأمنية والرقابية، فيصبح المجتمع تحت رحمتهم وتحت رقابتهم المباشرة باعتبارهم النخبة، ومن عداها متهمون يحتاجون إلى التطهر والخضوع لقواعدهم، ومن السخرية مواصلة إصرارهم على الدعوة للشراكة الوطنية شريطة انسجامها مع هدفهم النهائي المنحصر في استعادة الحكم الذي يزعمون أنه خرج من دائرتهم، وإن ظل يدور في الحلقة الزيدية طيلة السنوات التي تلت قيام الجمهورية عام 1962.
لعب جمال بنعمر دورا مثيرا ساهم في زيادة الشكوك والاتهامات حول مواقفه وأهدافه الحقيقية التي زادت من رصيده السلبي عند أغلب اليمنيين، وكثفت التساؤل عن مبررات رفضه التنديد بقمع ميليشيات الحوثيين للمتظاهرين واستمرار ممارساتهم القاسية واللاإنسانية، وضرب الشباب المحتجين واختطاف الناشطين وتدمير منازل خصومهم واقتحامها، وبلغت ذروة الصلف والغرور باحتجاز رئيس دولة شرعي وضع كل آماله رهينة لدى بنعمر والسفيرة البريطانية، معتقدا بقدرتهما الخارقة على حمايته من خصومه، ولا بد أنه يشعر في معتقله الإجباري بالخديعة وربما الخيانة، فقد خذلاه وتركاه يواجه وأسرته مصيرا لم يتوقعه أو يتمناه له منتقدوه وخصومه.
يعيش اليمن حالة فوضى عارمة وتفكك تدريجي سريع للارتباط بصنعاء التي صار الحوثيون يعبثون بها مدججين بالسلاح والجهل في إدارة الدولة ويمارسون أساليب ترهيب وقمع نفسي عبر لجان ثورية تتحكم في عمل دوائر الحكومة مستعينة بأعداد من المتسلقين ومعتادي التزلف، من الراغبين في الصعود عبر تقديم الخدمات الرخيصة والتقارير ضد زملائهم وهم بذلك يستنسخون تجربة القذافي في تدمير كل قيمة إنسانية في العمل الرسمي، ولا بد أنهم سيثابرون خلال الفترة القادمة لإعادة صياغة مفهوم الانتماء للوطن كي يصير الولاء للجماعة هو المعيار بدل الكفاءة وسيخبو صراخهم عن الشراكة الوطنية التي يتباكون عليها ليل نهار، وفي هذا المناخ الذي يختنق به اليمنيون لن تنجو المنطقة من تأثيراته، وليس هذا مبالغة لكن واقع الجغرافيا الذي يصوغ علاقات الجيرة لا يمكن تجاهله بالانكفاء وراء الأسوار الكهربائية والإجراءات الأمنية، ولكن تبقى الحيرة: هل يهم ما يجري في اليمن صاحب القرار في دول مجلس التعاون؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف سيتصرفون؟
سمعت خلال أيام قضيتها في عدد من دول مجلس التعاون نبرتين متناقضتين؛ الأولى تقول إن ما يجري في اليمن شأن داخلي فشل الجميع في علاج متاعبه، وإنهم سيتركونه لمصيره ليتصرف منفردا لتدبير أموره، والثانية تقول إن الانغماس الكامل في القضية اليمنية شر لا بد منه، وبين هاتين النبرتين وجدت حالة من عدم الاكتراث أو عدم تقدير لخطورة ما يحدث.. وفي نفس الوقت تستمر إيران في تدخلاتها واقتحامها للشأن الداخلي في أكثر من قطر عربي تحت دعاوى الدفاع عن مواطنين منتمين للمذهب الشيعي، ولا تتحرج عن إثارة هذه النعرة غير عابئة بأصول العلاقات بين الدول المستقلة واحترام سيادتها، وهي بذلك تبعث برسائل سلبية يقفز معها سؤال: هل الولاء للمذهب أهم من الولاء للوطن؟ وكيف تقبل هذه الدول أن تبسط إيران نفوذها في جنوب الجزيرة العربية عبر مناصريها الحوثيين.
الوضع معقد للغاية بسبب الطبقة السياسية الحزبية التي جعلت مصالحها أهم من الوطن وجاء آخر مقترح قدمه حزب (الإصلاح) ليبرهن أن مشكلتهم الوحيدة ليست الشرعية التي يتظاهرون بالدفاع عنها، وإنما المساومة على حصة في المواقع السياسية، ومثله (الاشتراكي) الذي تتماهى مواقفه مع الحوثيين برفض اللجوء إلى الدستور القائم كي يضمن هو الآخر حصة لا يستحقها جماهيريا، وانفرد عبد الله نعمان القدسي أمين عام الناصريين بموقف أخلاقي وسياسي نادر، وواصل المؤتمر الشعبي مراوغته للجميع، أما الباقون فلا قيمة لهم في الميدان وينتظرون الفتات.
إن هذا كله أتاح لبنعمر أن يصبح حاكم الظل، فصمت عن كل الأخطاء التي يجني اليمنيون أثمانها، واسترسل في أداء دور غير بريء أتاح للحوثيين الوصول إلى مرحلة صار اليمن فيها رهينة بيدهم، يتوهمون قدرتهم على إعادة صياغته فكريا، وشكل صمته على ما يمارسونه من انتهاكات للحقوق العامة والخاصة ظاهرة غريبة في تاريخ المنظمة الدولية، ولم نسمع منه عدا كلمات مبهمة، كان آخرها التحذير من اقتراب شبح حرب أهلية، ولكنه تعمد مساواة الضحية والجلاد، ولم ينس المطالبة باستمرار مهمته لإنجاز ما وصفه بالمعجزة اليمنية التي ظل يكرر أنها ستكون نموذجا لحل النزاعات.. ولن أزيد ولن اعلق.