الي صناع التغيير
بقلم/ طارق ابو اصبع
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 8 أيام
الإثنين 18 يونيو-حزيران 2012 08:55 م

صنع ..يصنع ..صنعاً ..هناك من يحسن الصنع ويتقنه ويخرجه جميلا في الشكل والمضمون .وهناك من يرتجل صناعه شيئ ما من غير تخطيط ولا اجاده في التصنيع فقد قام بما قام به لأنه رأى من حوله يصنع فقام وحمل عدته وراح يصنع كغيرها ولكنه يختلف عنهم بأن ما صنعه ليس ابتداعا ولكنه إتباعا وتقليدا وهذا يشكل فارقا ضخماً بين صانع مبتدع وصانع متبع .

من عوامل نجاح أي صناعه هي التخطيط السليم ورسم ملامح وأهداف هذه الصناعة والي أي مدي قد تستمر وتتطور وتنجح ويستفيد منها الجميع.

أردنا صناعه التغيير في وطن كان التغيير فيه صناعة مستحيلة ..خرج الشعب في كل أرجاء اليمن ينشد التغيير وبذل الكثير والكثير في سبيل ذلك .تفاعلنا كثيرا وسالت دمائنا قبل دموعنا ونحن ننتظر ونرتقب ميلاد اولا لصناعة حلمنا بها وتعبنا كثيرا لأجلها .وها هي اليوم أصبحت واقعا ملموسا ..ولكن ......

في زخم الثورات العربية انتفضنا وحقننا ما نريد ولكننا بعد ذلك فوجئنا بأننا لم نرسم ملامح التغيير الذي ننشده ولم نخطط له بعد ان نناله ويكون في المتناول .أنا لا القي اللوم على الثورة ولا على الثوار ولكني ألوم شريحة واسعة ممن كانوا يدركون ان صناعة مثل هذا الحدث له متطلباتها الضرورية وكان عليهم ان يدرسوا ذلك ويضعون برامج لهذه المرحلة ويرسمون ملامح المستقبل وخطوطه التي يجب ان نسير وفقها بعد ذلك .

نستطيع القول بان ثورتنا نجحت ولكنها بالتالي وقفت على حاجز الحيرة ..والسؤال المطروح امام الجميع هو ...وماذا بعد ؟؟؟

الإرادة وحدها لا تكفي .فهي تحتاج الي التخطيط ايضا .وهنا استذكر بعض ما قاله ستيف تشاندلر وهو يحكي قصة حصلت له مع ارنولد شوارزينجر قبل ان يصبح نجما مشهورا .حيث يقول انه كان يعمل محررا رياضيا في مجلة ( تكسون سيتيزن )وكلف من قبل صحيفة )سان دي ) وكان ارنولد شواريزنجر خرج من فلمه الأول الذي كان يحمل اسم (ابق جائعا )يقول انه التقاه في احد المطاعم وكان يستعجل إنهاء العمل المكلف به عن حياة هذا الممثل المغمور والذي أنهى قريبا فلماً فاشلا لم يحقق ألإيرادات المرجوة منه ..قال ستيف ...سألته (اما وانك قد اعتزلت رياضة كمال الأجسام .مالذي تنوي فعله ؟؟فما كان منه إلا ان أجابني بصوت هادئ كما لو كان يخبرني عن بعض ما يخطط له ويرسمه في مخيلته ((إنني انوي ان أكون النجم رقم واحد في هوليود !!ووقتها لم يكن ارنولد الشخص البسيط ذو القوام الممشوق والذي عرفناه لاحقا بل كان ضخم الجثة مما دعاني الي استبعاد فكرته ورؤيته فلم تكن منطقيه بتاتا..أذهلني ما قاله ارنولد خاصة وان محاولته السينمائية الأولى لن تتكلل بالنجاح ناهيك عن جثته الضخمة ولهجته النمساوية وحركته التي تفتقد الي المرونة والتي لم تكن توحي بأن مشاهدي السينما سيتقبلونه سريعاً..قال فسألته عن خطته لأن يكون النجم الاول في هوليود )؟فأجابني قائلاً(بنفس الأسلوب الذي كنت اتبعه في كمال الأجسام وهو ان أتخيل الصورة التي أريد ان أكون عليها ثم أعيش هذه الصورة كما لو كانت واقعاً ..ويقول انه بعد ذلك لم ينسي تلك اللحظه الذي كان يستمع الي نشرة الاخبار والتي تقول بأن فيلم ارنولد الثاني حقق اعلى ايرادات في ذلك الموسم مما جعله نجم هوليود الاول ........

هناك فارق بين ما أريد ان أقوله وبين القصة التي رويت لكم بعضا منها .وأنا أدرك ذلك ولكن هناك رابط بين الموضوع في الطريقة التي يجب ان نستخدمها عندما نريد تحقيق امر ما ..فالتخطيط ورسم ملامح ما نريد بل وان نعيش الدور الذي نتمنى ان نكون عليه مستقبلا هو السبيل الوحيد للنجاح ...

وإذا ما نظرنا الي واقعنا اليوم فإننا قد نصاب بالإحباط ..فنحن نتكلم كثيرا عن التغيير ونتبحر كثيرا في الكتابة عنه ولكننا لم نرسم ملامحه ولم نعشه او نتخيل العيش فيه ..لا زلنا أيها الأعزاء نخوض في متاهات الماضي ونتعثر في مطباتها ..لم نخرج ما في نفوسنا من تراكمات الماضي وأفكاره .هناك أيها الأعزاء من يحتكر التغيير فقط لنفسه ...لكي نتغير علينا ان نعيش التغيير كما لو كان واقعا حقيقيا معاش .لنترك المهاترات والتخوين والاتهامات ..دعونا نخرج الي رحابة المستقبل ..لنغير ما في أنفسنا لعلنا نتغير .المجال لا يتسع للكثير من إشعال نار الخلافات لأننا بذلك نعود الي الماضي بسلبياته ونترك المستقبل وما صنعناه يتوقف أمام عثراتنا وتشبثنا بمخلفات الماضي الذي ثرنا عليه ..

أمامنا عمل كثير وشاق .على الجميع ان يتحمل مسئولية المرحلة القادمة والخروج منها بنجاح عظيم .ان لم يكن من اجلنا فليكن من اجل شهدائنا ومن اجل مستقبل أبنائنا من بعدنا ..لا نريد للأجيال القادمة ان تلعن صنيعا أردناه جميلا وانقلب بخلافاتنا سيئاً وقبيحا .

اليمن أمانه في أعناق الجميع ...