خمسينية الجزائر
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 12 يوماً
الجمعة 06 يوليو-تموز 2012 07:37 م

يحتفل الشعب الجزائري الشقيق في الخامس من يوليو من كل عام بعيد الاستقلال الخالد عن فرنسا، ولكن احتفالات هذا العام تختلف كونها مصبوغة باليوبيل الذهبي، فالجزائريون قاطبة يحيون الذكرى الخمسون لإرغام المحتل الغاصب بالرحيل عن أرضهم بعد احتلال دام 132 عاما عاش خلاله الشعب الجزائري شتى صنوف العذاب والمهانة .

فالاحتلال الفرنسي لم يكن كغيره من الغاصبين، لقد حوّل الجزائر الى قطعة تابعة له، ولم يكتفي بنهب خيراتها، بل ذهب الى ابعد من ذلك حيث استحل من أجل بقاءه استباحة الأعراض والأموال، وقام بطمس الهوية الوطنية، وتمادى الى محاولات عديدة في الغاء الدين عبر تحويل المساجد الى كنائس.

إن ما حققه الشعب الجزائري البطل في الخامس من يوليو من طرد المحتل الفرنسي، ليتوج المجاهد الجزائري بذلك ثورته المجيدة باستقلال بلاده من محتل حوّل أرضه لمقاطعة تابعة لفرنسا، فعلى مدار 132 عاماً مارس المحتل أفظع أنواع النهب للثروات وسخّر كل الإمكانيات لخدمته فقط في ظل حرمان كامل لأهل الجزائر الأحرار .

إن الاحتلال الفرنسي الذي جثم على أرض الجزائر الحرة ابتداء من عام 1832م، لم يكتفي كما قلت باستهداف الأرض والثروات فقط، بل ذهب حقده على تراث الجزائريين ليطمس هويتهم العربية والإسلامية، عبر فرض لغة المحتل واستبدال اللغة الفرنسية عوضاً عن لغة القرآن ولغة الضاد، ولكن هيهات لمخطط كهذا أن ينجح في بلد جعل أهله الإسلام عقيدة راسخة، والعربية لساناً خالداً، ولهذا فقد ذهب كل مخطط فرنسي لعين إلى مزبلة التاريخ، تحت أقدام المجاهدين الذين ضربوا أروع أمثلة الفداء والتضحية، لهذا كله يعد هذا التاريخ ميلاداً حقيقيا للجزائريين الذين جاهدوا لتحرير الأرض وبناء الإنسان وإعادة الهوية وترسيخ التسامح، وهو ما حصل، لهذا فينبغي ألا يمر الخامس من يوليو مرور الكرام بل يجب أن يقف عنده كل عربي غيور على أمته يبغض شتى أنواع الاحتلال

بمناسبة الذكرى الخمسون استضافتني الإذاعة الجزائرية مساء الخميس 5/7/2012 بصحبة اساتذة ومحليين من لبنان والعراق وفلسطين وموريتانيا وإندونيسيا، ومن خلال ما دار في الحلقة التي بثت على الهواء مباشرة، أدركت من خلال ما تناوله الحاضرون كيف ساهمت الجزائر في إعانة أشقائها من اجل نيل استقلالهم، استشعارا بما عانته وقاسته على يد المحتل.. لقد بينتُ أن اليمنيون سيظلون يذكرون وقوف أشقائهم الجزائريين إلى جانبهم في أحلك الظروف، فقد ساهم الشيخ الفضيل الورتلاني عند مقدمه إلى تعز أتيا من عدن ساهم في بلورة أفكار الثوار اليمنيين في ثورة 1948م وان لم تنجح حينها إلا أنها كانت الشرارة إلي قادت إلى قيام ثورة 26 من سبتمبر 1962 في شمال الوطن والتي تبعتها ثورة 14 من أكتوبر 1963م ضد الاحتلال البريطاني.

وما إن أُعلنت الجمهورية العربية اليمنية حتى كانت الجزائر أول بلد يفتح سفارة في صنعاء بعد أن ساهم جيش جبهة التحرير الجزائري في تدريب الثوار اليمنيين في جبال لأوراس البطلة، لن ننسى مشاركة فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقه شخصياً في احتفالات بلادنا بالعيد العاشر للوحدة المباركة، وذلك إيماناً من الجزائريين بعظمة الوحدة اليمنية - التي تحققت في عهد الاخ علي عبد الله صالح-الرئيس السابق- ومعه الشرفاء من ابناء اليمن، الذين لولا دورهم لما تحقق هذا المنجز الخالد، ولكونه كذلك فالجزائر تحرص دوماً على أمن واستقرار ووحدة اليمن أرضاً وإنساناً..

وهنا نحيي دور جمعية الإخاء اليمنية الجزائرية على إحياء احتفالات الجزائر في صنعاء، وندعو الى تكوين إطار مماثل لدى الأشقاء الجزائريين، ويستحضرني في هذا المقام ما دونه على حائطي في الفيسبوك النائب المبدع الأستاذ نبيل باشا :\" نبارك للجزائر عيد الاستقلال هدا الاستقلال الذي ليس مثله استقلال فقد دفع الشعب الجزائري ثمن باهظاً له، وعزاؤنا بالمليون والنصف المليون شهيد، أن ما تشهده الجزائر من تقدم وقرار وطني مستقل وإرادة وطنية مستقلة، فهده المناسبة العزيزة على كل عربي تمثل رمز العزة العربية، وبالتالي علينا اليوم ان نقف إجلالا لهدا الشعب العظيم ولثورته العظيمة التي قادت الى استقلاله، ليقود مسيرة العزة والشموخ والاستقلال العربي \"

نعم فالمتتبع للسياسة التي تنتهجها الجزائر منذ استقلالها وحتى الآن سيجدها تدعوا إلى السلام البعيد عن السيطرة، فهي ما زالت الشوكة ضد الصهيونية بكافة أشكالها، وهي مازالت تدعم حق إخوتنا الفلسطينيين وتمدهم بكل شيئ حتى تُقام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، فالجزائر لم تغير مواقفها من أشقائها العرب بل زادت روابط الألفة والتواصل معهم، وذلك لإيمانها الراسخ بعدم التدخل في شؤون الغير، بعكس دول عربية أُخرى سخّرت أموالها وللأسف الشديد في إضعاف أشقائها.

فثورة كالثورة الجزائرية واستقلال كاستقلالها لا تنسى ولن ينسى، لأنها خلقت بلداً عملاقاً وشعباً متعلماً وثقافة عربية إسلامية راسخة، يحق لنا أن نفاخر العالم بها، ولهذا ستبقى عيد الاستقلال الجزائري خالداً ليس فقط في عقول الشعب العربي بل وفي أفئدتهم، فما إن يذكر حتى يستحضر المجاهدون في كل مكان عظمتها ونبلها، فهنيئا للجزائريين احتفالاتهم بثورة بالذكرى الخمسون للاستقلال ودامت الجزائر وبقية الدول العربية حرة أبية مستقلة، والمجد والخلود لشهداء الأمتين العربية والإسلامية الأبرار.