هل العالم على اعتاب حرب نووية؟ بوتين يوقع مرسوماً خطيراً للردع النووي وهذه أبرز بنوده أمطار في عدة محافظات وتحذير من اضطراب مداري قد تتأثر به اليمن روسيا تعلن الرد بعد قرارات أوكرانيا استخدام النووي… وبوتين يعلن توقيع مرسوماً يوسع إمكان اللجوء إلى السلاح النووي ارتفاع أسعار النفط مع تعطل الإنتاج في أكبر حقول غرب أوروبا تهريب الذهب... تفاصيل واقعة صادمة هزت الرأي العام في دولة عربية اتفاقية تعاون جديدة بين روسيا والسودان روسيا تستخدم الفيتو ضد قرار بريطاني عن السودان استعداداً للانفصال.. ليفربول يستبدل صلاح بـ نجم شباك أول دولة خليجية عظمى تستعد في إنشاء ائتلاف عسكري مع الولايات المتحدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر صواريخ تضرب تل أبيب
يحاول مناهضو التطبيع بين الحين والآخر مواساة أنفسهم بعد ازدياد وتيرة التطبيع بين إسرائيل والأنظمة العربية، ويحاولون تصوير عمليات التطبيع المتواترة بين العرب والإسرائيليين على أنها بلا معنى ولا فائدة طالما أنها مع الحكومات وليست مع الشعوب. ويستشهد البعض بموقف الشعب المصري الرافض للتطبيع مع إسرائيل رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على توقيع معاهدة السلام بين السادات وبيغين. ولطالما تفاخر أعداء التطبيع بالفيلم المصري الشهير «السفارة في العمارة» الذي صوّر الوجود الإسرائيلي في مصر على أنه غير مرغوب به شعبياً، وأن الإسرائيليين لن ينجحوا في اختراق الحواضن الشعبية العربية مهما عقدت معهم الأنظمة من اتفاقيات ومعاهدات.
لا شك أن موقف الشعوب العربية الرافضة للتطبيع مواقف مشرفة مقارنة بمواقف الأنظمة المتهافتة على التقارب مع إسرائيل دون وجود أي بصيص أمل في إيجاد حل حقيقي للقضية الفلسطينية. لكن كي نكون واقعيين، وكي لا نضحك على بعض بعواطف مهترئة: ما محل الشعوب العربية أصلاً في السياسات والاستراتيجيات العربية الرسمية؟ متى كان للشعوب أصلاً رأي في تحديد أو رسم السياسات؟ هل تريد إسرائيل فعلاً التطبيع مع الشعوب العربية؟ ولماذا؟ ماذا يمكن أن تقدم لها الشعوب أكثر مما تقدم لها الأنظمة من تنازلات وعطايا لا تحلم بها؟ بعبارة أخرى، لماذا تتقرب إسرائيل من الشعوب المطحونة المغلوبة على أمرها وليس بيدها أي حيلة، طالما أنها تتلاعب بالحكومات والحكام وتبتزهم وتسيّرهم حسب مصالحها؟
لو كان لدينا فعلاً برلمانات ومجالس شعب حقيقية تمثل الشعوب ولا يصل فيها أعضاء البرلمانات إلا بانتخابات نزيهة وأصوات الشعوب الحقيقية لربما صدقنا أن إسرائيل تخشى من الشعوب العربية وتريد استرضاءها والتطبيع معها على اعتبار أنها صاحبة القرار كما في إسرائيل، لكن عندما ترى تل أبيب الوضع المزري للشعوب العربية التي تُساق إلى المسالخ كالقطعان، فلا شك أنها لن تلتفت مطلقاً إلى تلك الشعوب المسحوقة التي باتت أكثر اهتماماً بالحصول على رغيف الخبز من الاهتمام بسياسات الأنظمة أو تنازلاتها.
لقد نجحت الأنظمة الحاكمة في سحق الشعوب وإخضاعها وتغييبها عن المجال العام وإشغالها بلقمة العيش وتأمين أبسط حاجاتها الإنسانية، مما جعل إسرائيل تفرك يديها فرحاً بوضع شعوبنا المأساوي. ولا ننسى، كما يقول الدكتور واثق أبو عمر، أن «التطبيع يعني الترويض. ويُقال بأنهم طبّعوا حيواناً يعني أنه استكان وأصبح جاهزاً للركوب بلا رفس أو لبيط… وفي ترويض الشعوب أُوكلت المهمة لمنظومة الحكام والسلاطين وخدام الدين لتقهر شعوبها وتجهزها ليركبها الأغراب من صهاينة وفرس وروم وترك وفرنجة وروس»… أليست إسرائيل مثلاً سعيدة بما وصل إليه الشعب السوري على أيدي طاغية الشام الذي حقق لإسرائيل أكثر مما تتمناه في سوريا بمئات المرات؟
ماذا تريد إسرائيل أكثر من أن ترى نصف الشعب السوري أصبح لاجئاً أو نازحا أو جائعاً؟ ماذا تريد أكثر من أن ترى تسعين في المائة من السوريين الذين أيدوا النظام يعيشون تحت خط الفقر ولا يجدون الكهرباء والماء والدواء ولا حتى حبة الليمون أو رأس البصل؟ هل يا ترى ما زال الشعب السوري مهتماً بمقاومة إسرائيل بعد ما رآه من فظائع على أيدي شخص إسرائيل المدلل؟ ماذا يقول لك الشعب السوري لو سألته: من تفضل؟ أن تحكمك إسرائيل أم أن يحكمك النظام الحالي؟ لا شك أن النظام الفاشي في سوريا جعل إسرائيل تبدو أكثر رحمة ورأفة من عصابات القتل والدمار الأسدية، ولا شك أنها كانت سياسة أسدية مبرمجة لصالح إسرائيل، بحيث بات الشعب يقبل بأي حل مأساوي بعد ما عاناه من قتل وتهجير وتشريد واعتقال وتدمير على أيدي العصابة الحاكمة في الشام بدعم دولي وغربي لا تخطئه عين.
لاحظوا الآن كيف بدأ ما يسمى بنظام المقاولة والمماتعة يلمح إلى الخروج مما يسمى بمحور «المقاومة» والقبول بالحلول والمشاريع الدولية في المنطقة. وقد عبر عن ذلك بشكل مفضوح وزير الإعلام السوري السابق مهدي دخل الله القيادي البعثي الحوراني الشهير. لاحظوا أن هذا النظام الذي ذبح السوريين على مدى نصف قرن وكبلهم بكل القوانين الاستثنائية بحجة الصراع مع الإسرائيليين، بات اليوم يغازل المطبعين ويتحالف معهم، ويلمح إلى اتفاقات سلام قادمة مع إسرائيل. بعبارة أخرى، فقد دفع النظام الفاشي السوريين دفعاً إلى التطبيع وجعلهم الآن يرحبون به بعدما أذاقهم كل أنواع الويلات بطريقة مدروسة وممنهجة. وحتى لو قبل السوريون بالتطبيع مع الصهاينة على مضض، فإن إسرائيل باتت تعلم اليوم أن لا قيمة للشعب السوري أصلاً في أي اتفاقات قادمة مع هذا النظام أو أي نظام جديد قد يحل محله لاحقاً. وهل تحتاج إسرائيل أصلاً للتطبيع مع السوريين بعد أن حوّلهم لها النظام إلى مشردين ولاجئين وجوعى يتوسلون أبسط أساسيات العيش؟ وقد سمعنا مسؤولين وكتاباً إسرائيليين كثيرين يقولون إنهم لا يريدون التطبيع مع العرب أصلاً، لأن العرب غير قادرين على التطبيع فيما بينهم، فليذهبوا أولاً ويتصالحوا مع بعضهم البعض قبل أن يتصالحوا مع إسرائيل.
كان بودنا أن نصدق أن التطبيع بين إسرائيل والأنظمة العربية بلا معنى ولا فائدة لأنه تطبيع رسمي وليس شعبياً، لكن الواقع يقول لنا إنه التطبيع الحاصل يُرضي إسرائيل كثيراً ويحقق لها كل ما تريد من اختراقات وتنازلات. ولا شك أن الإسرائيليين للأسف يرددون في سرهم المثل الفرنسي الشهير: «إذا كنت تعرف الله فلا حاجة للملائكة».