عن النموذج التركي وأردوغان وحقيقة العلاقة بالعلمانية 2
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 8 سنوات و شهر و 8 أيام
الثلاثاء 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2016 02:50 م
 ثانياً: العامل الخارجي: دعم ومساندة ثم تآمر وانقلاب                         
 بعد تناول الحلقة الأولى العامل الداخلي في سرّ تحقيق حزب العدالة والتنمية التركي ذلك النهوض المجتمعي الهائل؛ أنتقل في هذه الحلقة إلى العامل الثاني وهو الخارجي، ويتمثّل في تمكّن حزب العدالة والتنمية من إقناع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي - بالدرجة الأساس- على مدى يزيد عن العقد، بأن سياسته لن تأتي بنموذج إسلامي (مفزع) كالذي تعمل تلك الدول على محاربته ومحاصرته وحرمانه من الفوز في أي انتخابات برلمانية أو رئاسية، بل أعلن قادة حزب العدالة والتنمية منذ البداية بعدم مساسهم بـ(المقدّس) العلماني، وأكثر من ذلك صرّح بعضهم أنهم لن يسمحوا بالتصادم مع (الأتاتركية)، ثم إن الحزب تمكّن كذلك من إقناع جميع الأطراف الخارجية ذات الصلة بأن وصول الحزب إلى مقاليد السلطة هناك لايعني حدوث تأثّر سلبي في العلاقات التركية الإسرائيلية، ولا سيما العسكرية- وهو الأهم- علاوة على اطمئنان الولايات المتحدة على أن مصالحها لن تتضرر بقدوم النموذج الجديد هذا، وهو ما تأكّد لها أكثر بعد مرور الدورة الأولى لحكم العدالة والتنمية. ورغم كثير من التطوّرات التي جرت داخل تركيا وخارجها؛ فقد ظل حزب العدالة والتنمية طرفاً رئيساً مؤثّراً، رغم حدّته في بعض الملفات الخارجية، ولعل أبرزها موقفه من مجزرة الكيان الصهيوني في غزّة في 2008/2009م، التي تحملت فيها تركيا دوراً ريادياً في فكّ الحصار عن قطاع غزّة، ونتج عن تحركاتها استشهاد 9 نشطاء أتراك على أيدي القوات الصهيونية، في حادثة الاعتداء على أسطول الحرية (مرمرة ) في 2010م، ومطالبة الكيان الصهيوني بالاعتذار لتركيا، والسماح بإجراء تحقيق دولي إزاء ذلك، وهو ما لم يلتفت إليه الصهاينة بداية الأمر، ثم ما ترتب على الملاسنات بين رئيس وزراء تركيا - حينذاك- طيب أردوغان وقادة الكيان الصهيوني، إلى حدّ تهديد القيادة التركية بقطع العلاقات مع الكيان، في حال رفضه الاعتذار وإجراء التحقيق الدولي، مما اضطره للخضوع لذلك المطلب أخيراً، بعد محاولته التأبّي، والتظاهر باللامبالاة، طيلة نحو 3 سنوات، حيث أعلن مكتب رئيس الوزراء الصهيوني (بنيامين نتينياهو ) في 22/3/2013م تقديم اعتذار رسمي لتركيا عن جريمة الكيان الصهيوني في الهجوم على سفينة أسطول الحرية (مرمرة)، وهو مادفع تركيا على لسان رئيس وزرائها ابن علي يلدريم في 27/6/2016م، أي بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على ذلك الاعتذار الصهيوني لإعلان عودة علاقاتها معه بشروط ثلاثة هي: ذلك الاعتذار الصهيوني لتركيا، ودفع تعويضات لذوي عائلات الشهداء الذين قضوا في سفينة مرمرة، وإلغاء الحصار على قطاع غزة. ورغم تلك المكاسب التي حققتها تركيا فمن الواضح أنها قد اضطرت إلى إعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني، بعد أن وجدت نفسها محاصرة بجوار إقليمي ملغوم ومضاد لتوجهاتها غالباً، من جهة، ومستدرجة لوقيعة دولية كبرى لضربها بروسيا من جهة أخرى، على خلفية إسقاط تركيا مروحية روسية تسمّى (سو 24)، قالت إنها كانت تحلق على أجوائها، في 24/11/2015م، مما دفع إلى توتر حادّ في العلاقات بين البلدين، وإعلان روسيا عقب ذلك قطع علاقاتها التجارية، وإيقاف رحلاتها السياحية إلى تركيا. وسادت أجواء حرب تشبه مقدمات الحرب شبه الحقيقة بينهما، مالم تعتذر تركيا عن ذلك، مما دفعها في 27/6/2015م لإرسال رسالة مواساة وتعزية لأسرة الطيار الروسي الذي قتل في الحادث. قال الجانب الروسي إنها تضمت اعتذاراً، وهو مانفاه الأتراك على ذلك النحو . ثم جاء الانقلاب الفاشل في 15/7/2016م ليكشف -وفقاً لعمدة أنقرة (مليك غيكتشيك)- أن قائد الطائرة التركية التي أسقطت القاذفة الروسية (سو 24 ) قُتِل في ذلك الانقلاب، بعد أن كان مشاركاً فيه، وكان دوره قصف مقرّ الرئيس التركي طيب أردوغان في أنقرة بمروحية، قبل أن تسقطها القوات التركية الموالية للحكومة، في أجواء المدينة، عقب ذلك ، ثم تعافت العلاقة شيئاً فشيئاً.
ويبدو أن لتصريحات الرئيس أردوغان المتكاثرة ضد سياسات الغرب الاستعمارية، ومعاييره المزدوجة، ورفض أردوغان الوصاية على تركيا والعالم الإسلامي أثراً مباشراً في تغيير الغرب نمط العلاقة به وبنظام حزب العدالة والتنمية، فعلاوة على ماسبق كانت سياسة ألمانيا فيما تسميه (الاندماج) للأقليات التي تقطن ألمانيا، وأكبرها الأقلية التركية، التي غدا أكثرها (ألمانياً) قد أثارت حفيظة أردوغان عند لقائه بنحو 20 ألفاً من الأتراك في مدينة (كولونيا) الألمانية في 2008م فخاطبهم قائلاً:
" إن الاندماج جريمة ضدّ الإنسانية... لا أحد يتوقّع منكم أن تقبلوا بدعاوى الاندماج تلك، أيها الأتراك" (3).
ومن المعلوم - كما سبقت الإشارة إلى سياسة الاندماج الألمانية هذه في سياقها من هذا الكتاب - أنها تعني في محصلتها تخلي الأقليات عن هوياتها، وثقافاتها الأصلية، وجذورها الحضارية، لتذوب في قالب الثقافة الألمانية وخلفيتها الغربية العلمانية، وبذلك تثبت اندماجها في المجتمع الألماني.
وعقب فوز أردوغان في الانتخابات البرلمانية في 2011م قال:
" صدقوني لقد فازت اليوم سراييفو مثل اسطنبول، وفازت بيروت مثلما فازت إزمير، وفازت دمشق، كما فازت أنقره، ورام الله ونابلس وغزة، وفازت الضفة الغربية والقدس، كما فازت ديار بكر" (4).
وقد قرئت هذه الإشارات من قبل بعض الدوائر الغربية -تحديداً- بأنها حنين يساور أردوغان للعودة (الامبراطورية) إلى حكم تلك العواصم والمدن ، التي كانت يوماً تحت حكم العثمانيين. ولعل مما عزز ذلك جملة شواهد أخرى منها:
-قرار حكومة العدالة والتنمية بالعودة إلى تدريس اللغة العثمانية في المرحلة الثانوية، والنشيد العثماني إجبارياً في المدارس . وحين وجد معارضة من قبل بعض العلمانيين لذلك قال لهم أردوغان:
-" آن أوان العودة إلى جذورنا" .
-وقال عن هذه اللغة: 
-:" إنها ليست لغة أجنبية، وإنما شكل من أشكال التركية".
 وأضاف:
" رضيتم أم أبيتم سيتم تدريسها (5).
- قرار حكومة العدالة والتنمية في 20/10/2016م الذي تداولته صحف تركية منها صحيفة (محلية اليوم) بإعادة رفع الأذان في أبراج معلم )آيا صوفيا( التاريخي، في استانبول، كبرى المدن التركية، بعد 81 عامًا من تحويله إلى متحف، وإيقاف رفع الأذان في أبراجه الأربعة . ووفقاً لتلك الصحيفة فإن رئاسة الشؤون الدينية التركية، عينت إماماً لمسجد (قصر هونكار)، الواقع ضمن (آيا صوفيا)، لتتيح بذلك إعادة رفع الأذان عبر مآذن آيا صوفيا، بناء على ضغوط شعبية متكاثرة من قبل مواطنين أتراك في تركيا طمعت في قبول ذلك المطلب في ظل حكم العدالة والتنمية (الإسلامي) بإعادة فتح أبواب معلم (آيا صوفيا) التاريخي، كمسجد، ورفع الأذان مرة أخرى من أبراجه، خاصة أنه سبق أن صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مايو/أيار 2014م عزمه إعادة فتح أبواب “آيا صوفيا” للصلاة، إلا أن محكمةً تركيةً حسمت الأمر بإصدارها حكماً في أيار/مايو 2015م، بعدم إعادة فتح (آيا صوفيا) كمسجد (6).
 ووفقاً للصحيفة فإن مثل هذا القرار يعدّ في نظر علمانيين أتراك انقلاباً صريحاً وخروجاً بيّناً على مبادئ العلمانية منذ 1935م، أي منذ كانت تحت حكم مؤسس الدولة التركية العلمانية الحديثة مصطفى كمال (أتاتورك)، إذ في عهده تم صدور قرار عن الحكومة آنذاك، بتحويل “آيا صوفيا” والعديد من المساجد والكنائس والأديرة إلى متاحف (7).
- مايرد من إشارات من قبل مسؤولين أتراك بين فينة وأخرى توحي بأن البُعد العالمي الإسلامي لاستراتيجية العدالة والتنمية حاضر في رؤيتهم بقوة في كل الظروف والمراحل، علاوة على أنهم ينطلقون في مشروعهم من نفس إيماني إسلامي ملتزم لم يعد خافياً. ومن ذلك - على سبيل المثال- ماورد من إشارة في هذا السياق لنائب رئيس الوزراء التركي الناطق باسم الحكومة نعمان كورتولموش في 19/10/2016م في سياق تعليقه على انقلاب 15يوليو/تموز 2016م ووصفه له بأنه يوم من أصعب الأيام في تركيا، ولكنه كغيره من قادة العدالة والتنمية كانوا على يقين أنهم سيصبحون على يوم مختلف، ليس فقط لثقتهم بإيمان شعبهم بل : 
"لأننا ندرك أن هناك ملياراً وسبعمائة مليون مسلم كانوا جالسين على سجّادة الصلاة، رافعين أياديهم، باكين داعين أن يحفظ الله تركيا وأهله" (8).
-إنكار أردوغان ما يشاع عن مذابح تعرض لها الأرمن على يد الأتراك قائلاً لبعض المثقفين الأتراك الذين طالبوا الحكومة التركية بالاعتذار:
" عن أي شيء تريدوننا أن نعتذر؟ الناس تعتذر عندما ترتكب جريمة، وهذه القضية لاتعني الدولة التركية، فلماذا يتوجّب على الحكومة التركية الاعتذار؟ (9).
______________________________________________
الهوامش المراجع:
 (3) موقع الجسر
  www.aljisr-news.com/newsp=25292(دخول في 30/7/2016م)، 
 (4) ) المرجع السابق
(5) راجع: نور الهدى محمّد، 91 عاماً على سقوط الخلافة وتركيا حائرة بين الأتاتوركية والأردوغانية، موقع دوت مصر: www.dotmsr.com/details ،2/3/2015م (دخول في 30/7/2016م).
 (6) راجع- على سبيل المثال- : موقع بياناتhttp://datta-sat.com/xn/threads/61911/،أردوغان يقرّر رفع الأذان في مسجد (أيا صوفيا) بعد 81 عاماً من الحظر، 20/10/2016م (دخول في 23/10/2016م.
 (7) موقع بيانات، المرجع السابق، 
 (8) قناة الجزيرة، حوار مع نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش ، برنامج بلا حدود (حوار: أحمد منصور)، 
 (9) موقع الجسر،www.aljisr-news.com/newsp=25292

عودة إلى كتابات
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
د . عبد الوهاب الروحاني
بين صنعاء ودمشق.. حتى لا تقعوا في الفخ
د . عبد الوهاب الروحاني
الأكثر قراءة منذ 24 ساعة
علي محمود يامن
الفضول … شاعر الخلود الوطني
علي محمود يامن
كتابات
سام عبدالله الغباريعلي "حنش" ؟
سام عبدالله الغباري
د. محمد جميحالسلام والسلاح!
د. محمد جميح
مشاهدة المزيد