عميد كلية التربية والآداب والعلوم بمأرب الدكتور عبدالله النجار
بقلم/ النداء
نشر منذ: 16 سنة و 7 أشهر و 6 أيام
الأربعاء 02 إبريل-نيسان 2008 11:57 ص

> نحاول قدر الامكان مساعدة الطلاب الذين حال النزاع دونهم، لكن عند الإمتحان لا نستطيع؟!

> هذه الظاهرة لا يمكن الخلاص منها بقرار سياسي، وإنما من خلال الناس أنفسهم

لقاء: علــــي الضبيبي

ali.dhubaybi@yahoo.com

أسس الدكتور عبدالله النجار كلية التربية في محافظة المحويت أواخر التسعينيات، ثم عُين لاحقاً عميداً لكلية التربية عمران، وحالياً ينوء بمسؤولية تأسيس هذه الكلية (التربية والآداب والعلوم - مأرب).

وهو إذ يتواجد يومياً فيها ويسكن في صنعاء، يلقي محاضراته على طلاب الدراسات العليا بكلية التربية صنعاء بشكل منتظم.

ورغم هذه الزحمة في الوقت والشغل تلاحظ الدكتور النجار في تجمعات الطلاب يداعبهم ويناقش قضاياهم. إنه ممتع للغاية وأستاذ جامعي كفاءته ذائعة الصيت.

ظهر الاثنين قبل الفائت، كان يتحدث لــ«النداء» في مأرب عن مشاكل التعليم وهموم كليته الناشئة.

الكلية العارية من الإلكترونيات (بما فيها الكمبيوتر) إلاّ من طابعة صغيرة وفاكس وتليفون، وبدا مكتبه مفتقراً لجهاز كمبيوتر ليس فيه سوى طابعة صغيرة.

في هذا اللقاء كشف عميد كلية التربية والآداب والعلوم بمأرب عن معاناة شديدة تعيشها هذه الكلية الناشئة والطموحة. وعن عوامل اجتماعية وعرفية تشوِّش وتكدر المحيط الجامعي، بل وتصيب التعليم بالعطب.

إلى الحوار:

> الكلية حديثة النشأة وأنت العميد المؤسس. ماهي المشاكل التربوية والتعليمية التي تواجهكم، هل تعترضكم معوقات اجتماعية من شأنها أن تنعكس سلباً على العملية التعليمية؟

- بداية نرحب بكم ونشكركم على الزيارة وعلى اهتمامكم. ونحن نحس أن «مأرب» خارج إطار الجمهورية ونكون سعيدين جداً عندما نحظى بأي شخص يسمع مننا. في العام الماضي 2006/2007 تأسست كلية تربية وآداب وعلوم، وتضم 15 قسماً علمياً في إطار هذه الثلاث الكليات. مشاكلنا مشاكل تأسيس، وهي مشاكل تحتاج لأشياء كثيرة، أهمها الكادر الدراسي، حيث لدينا عجز كبير في (المدرسين). وليس عندنا العدد الكافي، ولهذا نستعين بأساتذة بنظام الساعات يأتون من كليات من صنعاء ومن خارج الجامعة بالباص.

المشكلة الثانية هي مشكلة المعامل فالمعامل مهمة جداً وضرورية خصوصاً للأقسام العلمية كالحاسوب والكيمياء والفيزياء والاحياء. إلى الآن لم يتم تجهيز هذه المعامل. ولدينا أيضاً مشكلة المعمل فالمبنى هذا الذي نحن فيه ليس مبنى للكلية بل ورثنا بالأساس من المعهد العالي للتربية. وجزء آخر من نفس المبنى كان يشغله المعهد المهني، وبالتالي فالقاعات صغيرة ولا تكفي عدداً ولا سعة للمحاضرات. قضية أخرى قضية المكتبة وهذا شيء مؤلم جداً لأن جامعة بدون مكتبة لا يمكن نسميها جامعة. وهي ضرورية كما تعلمون لتوفير المراجع والمصادر والكتب للطلاب وللبحوث العملية والتكاليف. وهناك قضية مهمة هي أنه ليس لنا ميزانية حتى تشغيلية لتلبية الأشياء الضرورية لتسيير أمور الكلية. اعتمدت لنا العام الماضي 9 مليون ريال في السنة كميزانية تشغيلية لثلاث كليات تحت التأسيس. ما الذي يمكن أن تعمله بمبلغ كهذا؟!

للأسف السنة هذه وحتى هذه اللحظة ليس معنا حتى ريال واحد. لم يُرصد لنا حتى ريال واحد كميزانية ونحن الآن انتهينا من الفصل الأول. الأمور مؤسفة ومن الصعب أن نتحدث عنها ولكن نحن موجودون وحاضرون ونبذل كل جهودنا من أجل أن تستمر الدراسة. وسنصمد بإذن الله وإن شاء نخرج من عنق الزجاجة وتنفرج.

> كيف أنشأتم قسماً للحاسوب ولم تعملوا حساب الأجهزة؟

- امتلاك مهارات الحاسوب ضرورية الآن وقد دخل في كل شيء هذا الأمر، والأمية لم تعد تقتصر على عدم تعلم القراءة والكتابة ولكن الأمية اليوم تشمل التعامل مع الحاسوب ومع الانترنت. وبوسع الانسان أن يعلم نفسه بنفسه ولا يكون ذلك إلا بالحاسوب. ولذلك كنا حريصين على إيجاد هذا القسم في هذه المحافظة بالذات لكي نمكن أبناءها من امتلاك مثل هذه المهارات والتعامل مع هذه التكنولوجيا الحديثة. وكيف يمكن للناس، الذين ينظرون لهذا الجهاز (الحاسوب) على أنه معجزة، أن يتعلموه وأن يستخدموه في حياتهم العملية.

كان أملنا أن تتوفر لنا الحد الأدنى من الامكانيات لإيجاد المعمل، ولكن للأسف لا يوجد معمل حاسوب، وكل التدريس نظري وهذا لا يكفي بالطبع. وفي اثناء زيارة الاخ علي محمد مجور رئيس الوزراء تكرم مشكوراً برصد مبلغ عن طريق النفط مبلغ 50 مليون ريال. سيتم استخدام هذا المبلغ لتجهيزات المعامل وعلى رأسها معمل الحاسوب. وإن شاء الله يفي المبلغ بالتجهيزات الأساسية الضرورية، لكن المسألة الآن مسألة الوقت. الآن الدراسة مستمرة والمادة (الحاسوب) داخلة ضمن إطار المقررات الأساسية.

> أنتم الآن في عامكم الثاني، كيف مرت السنة الفائته مع طلاب الحاسوب؟

- ركزنا في العام الماضي على المقررات النظرية التي لا تحتاج إلى تطبيقات. لكن هذه السنة لابد من وجود حاسوب والجامعة وافقت على صرف 14 جهاز كنواة للمعمل إلى أن يأتي المدد من المبلغ المذكور.

> أنت في مأرب، وهناك قضايا كثيرة تعكس نفسها على العملية التربية وعلى التعليم الجامعي، وأنت متخصص في مجال الإدارة التربوية، ما مدى تأثير النزاعات والثأر على واقع التعليم في مأرب؟

- لاشك لها تأثير. أذكر في بداية العام جاءتني طالبة وقالت: يادكتور أنا ما استطيع أحضر. وعندما سألتها لماذا يا ابنتي، قالت: لابد ما يرافقني أبي أو أخي أو زوجي، وأنت عارف يا دكتور إن عندنا مشكلة ثأر مع ناس هنا في مأرب، لن أستطيع آتي لأن الذي سيرافقني لن يستطيع أن يأتي نتيجة وجود ثأر. فهذه واحدة من عشرات القضايا التي ظهرت. الطالب أو الطالبة لا يستطيع أن يحضر ويتعلم وينال حقه من العلم بسبب النزاع والثأر ولأن حياته قد أصبحت مهددة، للأسف الثأر له تأثير وأحياناً بطريقة لا ندركها نحن ولا نعلمها. غالباً ما يأتي طالب ويقول: أنا لا أستطيع الحضور لأتعلم لأني خائف. كثيرون لا يسجلوا في الكلية لأنهم خائفون من أن يترصد لهم آخرون في قضايا ثأر. قضية الثأر للأمانة مأساة بكل ما تحمل الكلية من معنى، مع انتشار الوعي والتعليم والثقافة يمكن الحد من هذه الظاهرة السيئة. هذه الظاهرة لا يمكن التخلص منها بقرار سياسي أو إجتماعي، إنما يمكن أن تنتهي من خلال إدراك الناس ووعيهم بأن هذه القضية تتنافى مع الدين ومع كل القيم الانيانية لأن الكثير من الأبرياء يسقطون قتلى بسبب أحد الناس في تلك القبيلة قتل ابن عمك أو قريبك والمسلسل الدموي مستمر. الموضوع بحاجة الى تكاتف الكثير من الجهات: خطباء المساجد والمؤسسات الدينية والأحزاب والتنظيمات، الدولة، الجامعات ودور العلم، كل الناس. لابد أن يتعاون الجميع من أجل تقليص الظاهرة لأن القضاء عليها بحاجة إلى وقت وجهود. والمشكلة أيضا أن هذه القضية تستخدم لخدمة أغراض أخرى.

> موضوع الطالبة الذي ذكرت، ومثلها طلاب وطالبات كثر لا يستطيعون حتى حضور الامتحانات. أقصد كيف تتعاملون أنتم ككلية مع مثل هذه الطوارئ؟

- نحن أولاً نتأكد من الحقيقة، إذا كانت هذه هي الحقيقة فعلاً من أن طالباً لا يستطيع أن يأتي إلى المحاضرات كل المحاضرات، نحاول بقدر الامكان مساعدته ونكون مرنين ونقول له حاول بقدر ما تستطيع ونحن لن نكون عاملاً آخراً على حرمانكم من المواصلة، واذا ما تأكدنا من حقيقة الأمر وأنه من الصعب الحضور نقول لهم: كونوا على اتصال ببعض زملائكم للحصول على بعض المقررات وأي شيء في اطار قدرتنا على المساعدة نحن مستعدون، وعلى هذا الأساس.

> وماذا بشأن أداء الامتحانات؟

- لا نستطيع المساعدة في الامتحانات كيف يمكن أن نساعده هنا؟ نقول لهم حاولوا بقدر الإمكان أن تصلوا إلى الجامعة بأي طريقة. المهم الأمن وسلامة الطالب وحين يدخل بوابة الجامعة هذه مسئوليتنا كاملة ولم ولن يتضرر أي طالب وقد تمكن من الدخول.

> هل واجهتكم أنتم واعضاء هيئة التدريس مشاكل من هذا القبيل؟

- نحن لا نحب ولا نرغب أن نتحدث عن مشاكل من هذا القبيل، حتى لا يترتب خوف وتكبر الشائعة عند من نأمل أن يأتوا ليدرسوا.

في الفصل الدراسي الماضي كانت مجموعة مسلحة مترصدة لباص الجامعة في طريقهم من مأرب إلى صنعاء، أوقفوا الباص وأنزلوا من كان فيه من الأساتذة، ونهبوه. وقالوا: لنا مطالب عند الدولة. اتصل بي الزملاء في العصر، وفي الحال وفرَّنا لهم وسيلة مواصلات أوصلتهم إلى صنعاء، وتواصلنا مع الجهات المختصة، والأمن والمحافظة والمجلس المحلي ومع مشائخ وأعيان هذه المنطقة التي يتبعها هؤلاء الناس.

طبعاً كل الناس كانوا مستائين، وأقولها بصدق أن الاخ المحافظ هو الداعم الأول لنا. ولولا المحافظ لما وجدت الكلية. والحق يقال إن الرجل هو وراء افتتاح الجامعة في مأرب ولايزال الداعم الأول. وحينما حصل هذا الحادث تصرف وأصدر توجيهاته بوجوب ضبط هؤلاء الناس وأن يعاد الباص في أسرع وقت مهما تطلب الأمر. وهو الذي وقف معنا في بداية التأسيس لأنه كان لابد من اجراء ترميمات ولم نحصل على ريال واحد من أي جهة، ولكن المحافظ بادر ودعم الكلية بإجراء الترميمات الأساسية. في موضوع الباص حدثت المشكلة وتكررت مرة أخرى وبصراحة الناس استاءت مما دفع بمن أقدموا على هذا الفعل إلى أن يأتوا ويعتذروا، ولأول مرة يأتوا يعتذروا من شيء فعلوه ضد (باص حكومي). وقد أمضى الباص الأول 3 أسابيع وباصي 3 أيام فقط.

> وحتى باصك اعترضت طريقه...!

- نعم أعترضوه ولكن تم استعادته وتم الأعتذار. وهذه أمور متوقعة، وكما تعرف هناك بعض الطائشين. أنا متأكد أن الجامعة بعد أن تستقر وتتعمق جذورها لن تشهد مثل هذا، وسيكون لها دور كبير لأن الطلاب، كل الطلاب، كانوا مستائين وخجلانين، طبعاً لولا وجودهم في الجامعة. والوعي الذي حصل خلال سنة واحدة كبير. بعض الطلاب كان يمارس مثل هذه الأشياء والآن يعتبرها «عيب» وشيء غير حضاري وغير إنساني وغير اسلامي، فإن شاء الله ومع الوقت يكون الوعي أكثر وأوسع.

> كيف يمكن للمجتمع في مأرب، وغيره من المجتمعات التي تحدث فيها مثل هذه المشاكل، أن يتخلص من هذه الظاهرة، وكيف يمكن أن يجنبوا الجامعة ومؤسسات العمل النزاع والثأر؟

- أريد أن أقول: الشخص الذي لا يساعد نفسه لا يمكن أن يساعده الآخرون. يجب أولاً إن تساعد نفسك حتى يتمكن الآخرون من مساعدتك. نحن نقول في مأرب: «ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر». لابد من وجود أشخاص على قدر من المسئولية سواءً كانوا مشائخ أو أعيان أو شخصيات إجتماعية أو علماء، لأنهم هم من سيتصدون لمثل هذه الأعمال: وانصر آخاك ظالماً أو مظلوم بمعنى أن يأخذوا على يد الظالم. فأي إضرار بالعلم أو المصلحة العامة أو بمصلحة المحافظة يجب على الناس أن يتصدوا له ويهبوا ضده ويتخلوا عنه. حتى الدولة عندما تتخذ إجراء ضد هذا الشخص الذي يتقطع مثلاً في الطريق أو يختطف باصاً أو يهدد طالباً أو أستاذاً يجب على الآخرين أن يتخلوا عنه ويقولوا له أنت لست منا أبداً. ويجب أن لا يدافعوا عنه ابداً. نحن تبنينا وثيقة على أن يقف الكل ضد من يقدم على أي عمل فيه إضرار بمصلحة الجامعة أو بحياة الاستاذ أو طالب أو موظف... الخ. وقد وقع عليها كبار المشائخ ولازلنا بصدد توقيعها، وعندما نستكمل التوقيعات سنرسلها للصحف والمجلات والجهات المعنية، وإن شاء الله تخلق التزام أدبي على الأقل لدى الآخرين حتي يفكر أياً كان ألف مرة قبل أن يمس حياة طالب أو أستاذ أو موظف في الجامعة.

> إذاً أنتم تواجهون تحديات على مستوى التجهيزات وعلى مستوى المجتمع. هل تتوقع أن يتحقق هدف الوثيقة وتصبح الجامعة مهجرة؟

- إذا تعاون الناس وأدركوا مصلحة أنفسهم ومجتمعهم وتعاون معنا الأخ المحافظ، وأنتم ايضاً سيتحقق كل شيء. واعتقد أننا قادرون. وهناك ناس على قدر من المسئولية ويريدوا أن يختفي الثأر تماماً.

> كيف تلاحظ مخرجات التعليم الأساسي والثانوي في المحافظة؟

- مؤسفة ومحزنة. يأتونا طلاب ونجد مستواهم ضعيفاً أكثر مما تتصور. لا يجيدون مهارة الكتابة والقراءة. هذه إحدى المشكلات التي نواجهها في اللغة العربية ما بالكم باللغة الانجليزية. ولذلك نحن نحاول الآن أن نفكر في محاضرات أو مقررات تقوية في اللغة ليتمكن الطالب أن يكتب ويقرأ بصورة سليمة. الطالب في الأساس هو ضحية لأن التعليم الأساسي والثانوي مترد إلى أبعد درجة نتيجة عدم وفرة المعلم الكفؤ والإمكانيات الأخرى. وهناك عوامل أخرى لعل أهمها غياب ضبط العملية التعليمية في هذه المدارس. حيث يفترض أن يحصل الطالب على الحصص المقررة والمنهج المقرر بطريقة صحيحة وسليمة، يتلقاها في التعليم وبالتالي يخرج مؤهلاً، لكن للأسف هذا غير موجود: لا متابعة للغياب ولا متابعة للأساتذة في المدارس، ولا معرفة بنوعية المعلمين ومستوياتهم.

> اذا كان الوضع قائماً بهذه الصورة، كيف هو الحال بالنسبة للفتيات؟

- في المحافظة لايزال أقل مما يتمنى الشخص. في بعض المناطق لا توجد حتى الآن مدارس للبنات وبعض الأماكن للأسف لا توجد حتى مدارس ثانوية. واريد أن أقول وبصدق إن الطالبات عندنا ممتازات ومستواهن واداءهن أفضل من أداء الطلاب، طبعاً بعضهم.

> كيف تنظر لهذا التحالف من منظمات مدنية وإعلام وجمعيات وجهات رسمية وقبلية في موضوع الحد في قضايا الثأر والنزاع وتهجير الجامعة؟

- شيء طيب أن نجد إهتمام بمثل هذه القضايا. ونتمنى أن تسهم (هذه الجهود) في التوعية بخطورة النزاع على التعليم بكل مستوياته، ومادام العمل من أجل المجتمع والتنمية ونشر الوعي فلن يعترضه أحد.

> هل يحب الأستاذ الدكتور عبدالله النجار أن يقول شيئاً لأبناء محافظة مأرب؟

- أقول لأبناء محافظتي عليكم أنتم أن تتحملوا مسئوليتكم لتوفير أجواء آمنة ومستقرة للجامعة ولكل مشاريع التنمية. واذا كان لأي شخص مطالب فلتكن وسائله سلمية خالية من قطع الطريق أو اختطاف باص أو تفجير أنبوب أو غيره. وأدعوهم إلى التخلي عن الدعوات المناطقية.